الرأي

البـر يرفـع شـأن الأمـة

القس موسى كودي كالو
مصادر كتابية:
1. اَلْبِرُّ يَرْفَعُ شَأْنَ الأُمَّةِ وَعَارُ الشُّعُوبِ الْخَطِيَّةُ. (أمثال سليمان الحكيم 14: 34).
2. بِخَيْرِ الصِّدِّيقِينَ تَفْرَحُ الْمَدِينَةُ وَعِنْدَ هَلاَكِ الأَشْرَارِ هُتَافٌ 11.بِبَرَكَةِ الْمُسْتَقِيمِينَ تَعْلُو الْمَدِينَةُ وَبِفَمِ الأَشْرَارِ تُهْدَمُ (أمثال سليمان الحكيم 11: 10-11).
أولاً أُهنيءُ إخوتنا وأخواتنا المسلمين، بحلول أعظم وأجَلَ شهر (شهر رمضان) بالنسبة للمسلم. ما أروعها من أيام الصوم عموماً بالنسبة لأصحاب الديانات الإبراهيمية وغيرها من المعتقدات التقليدية. في فترات الصوم، يلجأ المتعبدون على السواء إلى الله، بغرض التقرب إليه لطلب التوبة والغفران لخطاياهم. في مثل هذه الأيام تكثر أعمال الخير والرحمة للفقراء، والعمل على ترك الشرور، ولا سيما من خلال ساعات الصوم النهارية. في أيام الصوم ينزل الناس درجات ودرجات من مقاماتهم، ومن كراسي الكبرياء والتعالي، ويتضعوا مع الفقراء والمساكين، فيأكلون ويشربون معاً، ويصلون ويسبحون الله جنباً على جنب! ما أروعه من مشهد إنساني وروحاني بهيج!
ولكن هل يعتبر الصوم مجرد إجازة مؤقتة وعرضية من ارتكاب المعاصي، ثم الرجوع لحياة الشر القديمة، أم الصوم الحقيقي هو قرار دائم بترك الشر والظلم لخلق الله؟! حتى في مثل هذه الأيام المعدودات، هل نترك الخطية والإثم فعلياً، أم نخزنه إلى أجلٍ مسمى؟! إذا كنا نتوب فعلياً فمن أين تأتي الشرور من القتل والتشريد وسلب حقوق الناس؟! هل نغش الله أم أنفسنا؟! يقول الكتاب: “يَقُولُونَ: لِمَاذَا صُمْنَا وَلَمْ تَنْظُرْ ذَلَّلْنَا أَنْفُسَنَا وَلَمْ تُلاَحِظْ؟” (إش58: 3)، ما هو سبب الخصومة يا رب؟ ويأتي الرد الإلهي في موضعٍ آخر: “هَا إِنَّ يَدَ الرَّبِّ لَمْ تَقْصُرْ عَنْ أَنْ تُخَلِّصَ وَلَمْ تَثْقَلْ أُذُنُهُ عَنْ أَنْ تَسْمَعَ. 2بَلْ آثَامُكُمْ صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلَهِكُمْ وَخَطَايَاكُمْ سَتَرَتْ وَجْهَهُ عَنْكُمْ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ. 3لأَنَّ أَيْدِيكُمْ قَدْ تَنَجَّسَتْ بِالدَّمِ وَأَصَابِعَكُمْ بِالإِثْمِ. شِفَاهُكُمْ تَكَلَّمَتْ بِالْكَذِبِ وَلِسَانُكُمْ يَلْهَجُ بِالشَّرِّ. 4لَيْسَ مَنْ يَدْعُو بِالْعَدْلِ وَلَيْسَ مَنْ يُحَاكِمُ بِالْحَقِّ. يَتَّكِلُونَ عَلَى الْبَاطِلِ وَيَتَكَلَّمُونَ بِالْكَذِبِ. قَدْ حَبِلُوا بِتَعَبٍ وَوَلَدُوا إِثْماً. 5فَقَسُوا بَيْضَ أَفْعَى وَنَسَجُوا خُيُوطَ الْعَنْكَبُوتِ. الآكِلُ مِنْ بَيْضِهِمْ يَمُوتُ وَالَّتِي تُكْسَرُ تُخْرِجُ أَفْعَى. 6خُيُوطُهُمْ لاَ تَصِيرُ ثَوْباً وَلاَ يَكْتَسُونَ بِأَعْمَالِهِمْ. أَعْمَالُهُمْ أَعْمَالُ إِثْمٍ وَفِعْلُ الظُّلْمِ فِي أَيْدِيهِمْ. 7أَرْجُلُهُمْ إِلَى الشَّرِّ تَجْرِي وَتُسْرِعُ إِلَى سَفْكِ الدَّمِ الزَّكِيِّ. أَفْكَارُهُمْ أَفْكَارُ إِثْمٍ. فِي طُرُقِهِمِ اغْتِصَابٌ وَسَحْقٌ. 8طَرِيقُ السَّلاَمِ لَمْ يَعْرِفُوهُ وَلَيْسَ فِي مَسَالِكِهِمْ عَدْلٌ. جَعَلُوا لأَنْفُسِهِمْ سُبُلاً مُعَوَّجَةً. كُلُّ مَنْ يَسِيرُ فِيهَا لاَ يَعْرِفُ سَلاَماً. 9مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ ابْتَعَدَ الْحَقُّ عَنَّا وَلَمْ يُدْرِكْنَا الْعَدْلُ. نَنْتَظِرُ نُوراً فَإِذَا ظَلاَمٌ. ضِيَاءً فَنَسِيرُ فِي ظَلاَمٍ دَامِسٍ. 10نَتَلَمَّسُ الْحَائِطَ كَعُمْيٍ وَكَالَّذِي بِلاَ أَعْيُنٍ نَتَجَسَّسُ. قَدْ عَثَرْنَا فِي الظُّهْرِ كَمَا فِي الْعَتَمَةِ فِي الضَّبَابِ كَمَوْتَى. 11نَزْأَرُ كُلُّنَا كَدُبَّةٍ وَكَحَمَامٍ هَدْراً نَهْدِرُ. نَنْتَظِرُ عَدْلاً وَلَيْسَ هُوَ وَخَلاَصاً فَيَبْتَعِدُ عَنَّا. 12لأَنَّ مَعَاصِيَنَا كَثُرَتْ أَمَامَكَ وَخَطَايَانَا تَشْهَدُ عَلَيْنَا لأَنَّ مَعَاصِيَنَا مَعَنَا وَآثَامَنَا نَعْرِفُهَا” (إش59: 1-12).
هل نرى هذه المشاهد الشيطانية في حياتنا اليومية؟ هل تنطبق علينا هذه الأخلاق الجهنمية؟ إذا كانت الإجابة بنعم، إذاً، أين التوبة، وعلى أي أساسٍ نسأل الله الغفران، ونحن رافضون التوبة الحقيقية بالرجوع عن ارتكاب الظلم ضد الناس الأبرياء؟ إن الأوضاع المزرية الحالية، ليست إلا حصاداً وانعكاساً لأعمال أيدينا القذرة. لماذا تدهورت الأوضاع إلى هذه الدرجة الجهنمية؟ هل نرى ونسمع هنا وهناك، أوجاع وأنين الشعب؟ كيف نعشم في رفع شأن البلد، ونحن في احتضان دائم للشر والخطية؟ يقول الحكيم سليمان: “اَلْبِرُّ يَرْفَعُ شَأْنَ الأُمَّةِ وَعَارُ الشُّعُوبِ الْخَطِيَّةُ” (أمثال سليمان الحكيم 14: 34). إن الحرية لا تعني عدم التقيد بالقوانين والأخلاق الحميدة، ولا تعني الحياة بدون الله، فحتى الملحدون يصرخون “يا رب” في ضيقهم! إن أمر التقدم، ورفع شأن البلد، وإراحة الشعب، لا يأتي بالصدفة بل بالعمل الصادق، وبالرجوع الحقيقي عن ارتكاب الشرور ضد البلاد والعباد؟ يقول الله: “آثَامُكُمْ عَكَسَتْ هَذِهِ وَخَطَايَاكُمْ مَنَعَتِ الْخَيْرَ عَنْكُمْ. 26لأَنَّهُ وُجِدَ فِي شَعْبِي أَشْرَارٌ يَرْصُدُونَ كَمُنْحَنٍ مِنَ الْقَانِصِينَ. يَنْصِبُونَ أَشْرَاكاً يُمْسِكُونَ النَّاسَ. 27مِثْلَ قَفَصٍ مَلآنٍ طُيُوراً هَكَذَا بُيُوتُهُمْ مَلآنَةٌ مَكْراً. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ عَظُمُوا وَاسْتَغْنُوا. 28سَمِنُوا. لَمَعُوا. أَيْضاً تَجَاوَزُوا فِي أُمُورِ الشَّرِّ. لَمْ يَقْضُوا فِي دَعْوَى الْيَتِيمِ. وَقَدْ نَجَحُوا. وَبِحَقِّ الْمَسَاكِينِ لَمْ يَقْضُوا. 29أَفَلأَجْلِ هَذِهِ لاَ أُعَاقِبُ يَقُولُ الرَّبُّ؟ أَوَلاَ تَنْتَقِمُ نَفْسِي مِنْ أُمَّةٍ كَهَذِهِ؟” (إر5: 25-29). هل أدركنا سبب أزمتنا، وتعاستنا؟! الخطية، الخطية ولا شيء غير الخطية! إن تلك الكلمات الصادقة لا تكذب، بل تعبر عن واقعنا المرير الذي جر هذا البلد إلى ما هو عليه الآن من دمار وانحطاط. فالله غاضبٌ علينا!
إن المدنية لا تعني انتهاج الكفر وانعدام الإنسانية بين الناس، بل تعني إشراك الجميع في كل شيء وبعدالةٍ، وتوحيد مكاييل وأوزان التعامل مع وبين الناس. إذا كنا ننشد التقدم ورفع شأن البلاد والعباد، فلا يوجد حلٌ آخر إلا العمل بحكمة سليمان بإتباع البر أي الصلاح والصدق مع الله ومع أنفسنا ومع بعضنا البعض. ف”اَلْبِرُّ يَرْفَعُ شَأْنَ الأُمَّةِ وَعَارُ الشُّعُوبِ الْخَطِيَّةُ” (أمثال سليمان الحكيم 14: 34). علينا بالتوبة الحقيقية وترك إيذاء بعضنا البعض، وبهذا فقط ندخل في دائرة البر، ويرفع الله غضبه عنا، ويوفر لنا بركة الصديقين الأبرار إذ “بِخَيْرِ الصِّدِّيقِينَ تَفْرَحُ الْمَدِينَةُ وَعِنْدَ هَلاَكِ الأَشْرَارِ هُتَافٌ 11.بِبَرَكَةِ الْمُسْتَقِيمِينَ تَعْلُو الْمَدِينَةُ وَبِفَمِ الأَشْرَارِ تُهْدَمُ” (أمثال سليمان الحكيم 11: 10-11).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى