الرأي

الاستحوا ماتوا..!!

خالد عبدالله- أبو أحمد
ما كنتُ أتوقع أن مقالاتي الأخيرة في هذه الصحيفة ستغيظ الجماعة منسوبي النظام البائد والمتعاطفين معهم كل هذا الغيظ الذي ظهر من خلال الرسائل والاتصالات التي وصلتني وعبّرت عن حنق وغضب شديد بل وحقد دفين، ولا أذيع سراً إن قلت بأنني في غاية السعادة برغم مقام الألم والحزن والفجيعة، سعيد ليس لأن نبؤتي بسقوط نظامهم القمئ قد صدقت وكانوا يستهزئون بكلامي، بل ويضحكون ملء أشْداقِهم. وفي انتفاضة سبتمبر 2013م، كتبت مقالاً عن دنو مرحلة انهيار النظام، أرسل لي أحدهم عبارة “تلحس كوعك بس”..!.
الكثير منا يعرف القصة المشهورة التي حدثت في الزمن الماضي..قصة (الاستحوا ماتوا..) التي تحكي عن الحمامات التركية التي كان يقصدها الناس للاستحمام ولمِا فيها من فوائد صحية للأجساد، وأصل القصة تقول إنه في إحدى هذه الحمامات القديمة كانت تستعمل الحطب والأخشاب والنشارة لتسخين الأرضية، ومن ثم تسخين المياه لتمرير البخار من خلال الشقوق، وكانت قباب ومناور معظم الحمامات من الخشب وحدث أن حريقاً قد شبّ في حمام للنساء، وبما أن الحمام مخصص للنساء فقد اعتادت الكثيرات منهن على الاستحمام عاريات لا يسترهن إلا البخار الكثيف.
وعندما حدث الحريق هربت كل النساء اللائي كن يلبسن الملابس، أما النسوة العاريات فقد بقين خشيةً وحياءً وفضّلن الموت على الخروج، وعند عودة صاحب الحمام هاله ما رأى وسأل البواب.. هل مات أحد (من النساء)..فأجابه البواب نعم، فقال له منْ مات ؟..
أجاب البواب: اللي استحوا ماتوا…!!.
زيادة أعداد الشواذ جنسياً..!!.
سردتُ هذه القصة ونحن بصدد الحديث عن الأكاذيب التي يطلقها إعلام الحزب البائد حول انتشار الفساد الأخلاقي في عهد الحكم الانتقالي، في مغالطة للتاريخ والمنطق واضحة جداً، يحاولون من خلالها ترسيخ معلومات مغلوطة لدى الأجيال الجديدة من الشباب في مرحلة الدراسة سواء في المرحلة الثانوية أو الجامعية، لكن بفضل الله تعالى ذاكرتنا قوية وحية جداً وقد ساعد في ذلك التطور التقني المعلوماتي. ففي يوم 20 فبراير من العام 2014م نشرت الزميلة الصحفية سعاد الخضر بصحيفة (الجريدة) خبراً مفاده أن “القيادي بالمؤتمر الوطني رئيس منظمة أنا السودان د. محمد محيي الدين الجميعابي رسم صورة قاتمة للشباب في البلاد، وكشف عن دراسة علمية أكدت زيادة أعداد الشواذ جنسياً وانتشار زنا المحارم بسبب ارتفاع نسبة العطالة وسط الشباب، وانعدام القدوة الدينية والسياسية”.
وأضافت الزميلة أن الجميعابي في ندوة حول المخدرات نظمتها الأمانة الاتحادية بالمؤتمر الوطني قال “إن الدراسة أثبتت سرعة انتشار الأيدز بسبب زيادة الشواذ، وتابع لو كل أبو ربط ولدو في ضهرو لن يضمن عدم وصول الشواذ إليه، رافضاً الإفصاح عن إحصاءات الدراسة، وأضاف ستصابون بالذهول لو ذكرت الأرقام، وانتقد تفاقم زيادة نسبة التسرب المدرسي، مبيناً أن والي الخرطوم اعترف في حديث سابق معه بأن نسبة التسرب من مدارس الولاية بلغت 66 ألف طالب سنوياً، وسخر من المشروع الحضاري بسبب عجز الحكومة عن تشغيل الخريجين”.
حكومة النظام البائد 2014م
للتذكير فإنَّ حديث د. الجميعابي هذا كان في ظل حكومة النظام البائد وذلك في 2014م، وليس في حكومة رئيس الوزراء د. عبدالله حمدوك 2021م، وأعتقد أن القيادي بالحزب البائد كان يقصد ليس رسم الصورة الحقيقية لسياسات النظام، لكن يقصد بشكل غير مباشر أن هذه الممارسات والظواهر غير الأخلاقية تشبه ممارسات الكثير من القيادات التنظيمية في الحزب المحلول، وهي لم تأتِ من فراغ أبداً بل جاءت من سلوكيات موجودة بالفعل في هذا الكيان.
من المهم التذكير بأنها ليست المرة الأولى التي يكشف فيها الدكتور الجميعابي عن أمر جلل في هذا الصعيد، وقبل سنوات كان قد رمى قنبلة كبيرة عندما قال بأن أعداد أطفال الخطيئة يزدادون بشكل كبير في المجتمع، وأن دار (المايقوما) لم تستطع احتواء هذه الأعداد، وأن بعض النسوة وضعن أطفالهن في المقابر، وأن الكلاب وجدت ضالتها فيهم..!!، وكنت قد ذكرت في مقال لي تعليقاً على تصريح الجميعابي في حينها، أوضحت فيه بأن ما أدلى به هذا القيادي الكبير اعتراف رسمي وحقيقي من النظام الحاكم بأن بلادنا قد انهارت اجتماعياً.
تصريح الزميلة سعاد خضر المنشور بتاريخ (2014/02/21) كان تنبيهاً للخطر الذي نعيشه اليوم بكل تفاصيله ومآسيه، ومن المفارقات المضحكة أن إعلام الحزب البائد يرمي بصناعة كل هذه الموبقات على كاهل الفترة الانتقالية، وهم الذين صنعوا في بلادنا كل ما هو سيئ ومدمر للشباب وللأسرة السودانية. من ينسى أن حاويات المخدرات التي أغرقت مُدن البلاد المختلفة هم الذين جاءوا بها، وأن الشقق المفروشة لارتكاب الرذائل من صنع أيديهم الملطخة بدماء الأبرياء تحقيقاً لرغباتهم المريضة في الثراء الحرام.
بيوت الأشباح..
بعد سنوات طويلة من الإلحاح على ضرورة وأهمية توثيق جرائم النظام البائد التي وقعت على الشرفاء والأبطال من النساء والرجال، برز بقوة البرنامج التلفزيوني (بيوت الأشباح)، وهو الأول من نوعه ليس على مستوى السودان بل على مستوى المعمورة، الذي يعكس الفكر السادي للحزب الذي حكم السودان لثلاثة عقود مارس فيها أفراد جهاز أمنه كل أنواع السادية واللذة بإيقاع الألم على الآخرين سواء كان لفظيًا أو جسديًا، فالشخص السادي الاستبدادي هو شخص متسلط، عديم الرحمة، يسعى بكل الطرق لتحقير وإهانة وإذلال الآخرين، وسحق آدميتهم، وجرح كرامتهم، ويتلذذ بذلك، ولا يشعر بالذنب عند ارتكابه أي فعل مؤذٍ ويتصف بعدم الثقة بمن حوله، والشك الدائم بالآخرين، والتعصب لرأيه وفكره، وعقاب من ينتقده وهذه صفة مشتركة في جميع أعضاء التنظيم.
إنَّ كل حلقة من حلقات هذا البرنامج يمكننا معرفة أنماط وأساليب التعذيب التي مورست في أجساد الشرفاء من السودانيين، والمخزي والمؤلم حقاً أن كل هذه الممارسات تمت باسم الإسلام، وأن هؤلاء القتلة أرباب الإجرام يعتقدون بأنهم يدافعون عن الإسلام وعن الدولة (المسلمة) وفي كل حلقة في هذا البرنامج كنا نعيش لحظات غضب وتوتر، وأكاد أجزم بأن كل إنسان سوي عاش إفادات الذين تلقوا التعذيب شعر بالألم الشديد وأكثر من ذلك، مع الابتهال لله سبحانه وتعالى في لحظات شعور بالظلم، أن يفتك الله بهؤلاء القتلة المجرمين الذين استباحوا أجساد الناس بلا أي مسوغات دينية أو قانونية تبرر لهم ارتكاب هذا الفعل اللا إنساني.
لا حياء.. لا دين.. !
يوماً بعد آخر نكتشف بأن منسوبي النظام البائد بشر بلا إنسانية، فإن ما ارتكبوه في حق الشعب من تعذيب وتقتيل جرائم يندى لها جبين الإنسانية، وليتهم بعد ذلك ابتعدوا عن الساحة خجلاً مما فعلوا، لا والله بقوة عين عجيبة يدافعون عن حُكمهم العضوض، ومن سخرية القدر أنهم يتهمون حكومة الفترة الانتقالية بما فعلوه وأسسوا له ورسخوه في مجتمعاتنا، ولا زالت جرائمهم في حقنا مستمرة.
في الماضي كان من الصعب على المواطنين البسطاء تصديق الكثير من الجرائم التي ترتكبها أجهزة الأمن والمخابرات في بلاد العالم المختلفة وفي السودان أيضاً، وفي سنوات النظام الأولى كان قادته يستميتون إنكاراً للتعذيب ولبيوت الأشباح كانوا يرفضون رفضاً باتاً مجرد الحديث عن هذا الأمر. في مايو 2009م اعترف الرئيس المعزول صراحة بوجود هذه البيوت سيئة السمعة في بلادنا لتعذيب المعارضين، وأكد ما ظل ينفيه على مدى عشرين عاماً صرفت فيه دولتهم المال الكثير لتسويق هذه الأكاذيب، واليوم يأتي بث برنامج (بيوت الأشباح) لنعيش جميعاً لحظات الألم ونتحسس إنسانيتنا. ونحمد الله سبحانه وتعالى على نعمة الإحساس والشعور بالآخرين، جاء البرنامج ليعرف كل العالم من هُم رفعوا شعارات الدفاع عن الإسلام، وحكموا بلادنا تحت راية الإسلام وهم أبعد الخلق عنه وعن قيمه العظيمة.
[email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى