الرأي

الاختلاف غُربال الفنون

سفينة بَوْح – هيثم الفضل

في كثير من الأحيان ينتابني شعور بأن المفاهيم الأساسية للتفرُّد والتميُّز في مجالات عدة من الفنون الممارسة على الساحة الثقافية اليوم، لم تعد كما كانت شرطاً للولوج إلى ساحات الأجهزة الإعلامية من فضائيات وإذاعات ومنابر أدبية، إذ أن معظم ما يُشاهد على هذه المنابر لم يعد يبرح في تصنيفه صفة العادية، وتشابهت بذلك المنتجات الفنية من غناء وشعر و دراما وفن تشكيلي بالقدر الذي باعد بينها وبين فكرة الاختلاف والإبداع، وللحقيقة فإن لكل زمان روادهُ من المبدعين الذين وصلوا إلى مصاف الشهرة والتفاف الجمهور حولهم من باب التفرُّد، فكل معهود ومتداول يظل في نهاية الأمر في موقع الركود الإبهاري طالما لم يستطع أن يعبُر بذهنية المُتلقي إلى مصاف الإدهاش فضلاً عن لفت انتباهه (أي المتلقي)، إلى أن المنتج الفني المُقدم بين يديه هو حالة تستدعي الانتباه والتـأمُّل بإعتبار أنه جديد في فكرته وأسلوب طرحه بالإضافة إلى احتوائه على البصمة الخاصة بالمبدع الذي أنتجه، وفي هذا الاتجاه سيظل أمر اشتهار المبدع والتفاف الناس حولهُ يرتبط بمنظور المتلقي العادي تجاه ما يحتوي إبداعه من تفرُّد واختلاف عن الآخرين، أما أن يجتر بعض الموهوبين في مجالات عديدة من الفنون تجارب من سبقوهم حتى ولو فعلوا ذلك تحت ظل الإجادة الفنية فإنهم بذلك سيقفون طويلاً عند محطة الإعجاب المباشر واللحظي، والتي تجعلهُ في نهاية الأمر بعيداً ذاكرة المتذوقين والمهتمين بهذا المنحى أو ذاك من الفنون، ومن ناحية أخرى فإن تقليد أسلوب الآخرين في التأليف والأداء هو ظاهرياً لبنات إضافية في بناء شُهرة ونجاح أصحاب الأصول الذين حصلوا على حق الابتداع والتفرُّد، مما يقود إلى حصول اتجاهاتهم الإبداعية على لقب (مدرسة) فنية وذلك نتاجاً لكثرة المحاكين والمُقلِّدين لمنحاهم الإبداعي، وفي ذلك عيبٌ كبير يمكن أن يصيب القيمة الكلية لحركة النماء الثقافي والإبداعي للأمة، من منطلق تباعد أزمان ظهور الاتجاهات الجديدة في صناعة الفنون والآداب، وبذلك كان لابد أن تلعب المنابر الثقافية كالمنتديات والفضائيات والإذاعات دوراً بارزاً في مجال تحجيم ظاهرة التقليد والتكرار عن طريق المزيد من التمحيص في مجال اكتشاف المبدعين الذين يعبِّرون عن ذواتهم الخاصة ويقدِّمون فناً يحوز على صفة الاختلاف والتفرُّد، فليس كل الأمر في أن تكون شاعراً مجيداً أن تحصل على أدواتك الأصيلة في كتابة الشعر، وليس كل من استقامت أذنه الإيقاعية وحلا صوتهُ قادر على أن يكون موسيقياً مُبدعاً، فالإبداع دائماً مرتبط بالاختلاف والتفرُّد والحصول على نمط إنتاجي فني يعبِّر عن الذات الفنية الشخصية للمبدع.

 

م.ج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى