الرأي

الإسلامويون وممارسة الكذب والتضليل الإعلامي

خالد عبداللهأبوأحمد

لا شك أن غالبية السودانيين يدركون أن النظام الحاكم السابق قد درج على ممارسة الكذب من بداياته حتى نهاياته بل حتى تاريخ اليوم، وفي الكتاب الذي أصدرته في 2011م نشرت فيه العديد من المقالات التي تحتوي على نماذج كثيرة جدا من الكذب ليس في المسائل المتعلقة بالأفكار بل بما يجري من أحداث يومية في البلاد، ومن خلال نشر الأخبار الكاذبة عن نجاحات وعن إنجازات، عن ملايين الفدانات تمت زراعتها وعن آلاف الأطنان التي تم حصادها، وكانت القناة الفضائية (القومية) تمارس الكذب من بداية الإرسال حتى نهايته عبر الأخبار والتقارير الأخبارية والمقابلات مع قادة النظام.

بطبيعة الحال أن قادة النظام السابق كانوا ولا زالوا لديهم قوة عين عجيبة جدا في المغالطات، وإنكار وجود الشمس، وللنظام جهابذة في فنون الكذب مثل (الخبير الوطني) ربيع عبدالعاطي، وكاتب النظام ومحلله الاستراتيجي إسحاق أحمد فضل الله الذي اعترف بممارسة الكذب في الحوار الذي أجرته مع الزميلة لينا يعقوب يوم 29 مارس من العام 2014م والحوار ليس ككل الحوارات التي أجريت مع هذا المختل عقليا، لأنه فجر فيه قنبلة كبيرة وأحدثت دويا هائلا داخل الوسط الصحفي السوداني وفي أوساط السودانيين بالخارج، فقد اعترف إسحق أحمد فضل الله بممارسة الكذب في مقالاته، لم تفاجئني هذه الاعترافات البتة، لكنها فاجأت عامة القراء.

القتل المعنوي..!!

الزميلة الصحفية سألته.

*أستاذ إسحق.. قبل أن يُقتل خليل إبراهيم بفترة قلت إنه قُتل، وكان خبرا خاطئا؟.

رد إسحاق قائلا:

لا.. هذه مقصودةهذا قتال معنوي، والمعنويات في القتال ثلاثة أرباع المعركة، في بعض الأحيان أنا أخطئ عمدا، لأني أعرف أنه نوع من الرصاص أنا جزء منه، أنا (إسلامي) أدافع عن جيش (مسلم) وعن أمة مسلمة ضد عدو.

* لدرجة أن تكتب كلاما خاطئا وغير صحيح؟

مثل ماذا؟.

* مثال ثان.. حينما قلت إن عبد العزيز الحلو قُتل ودُفن في واو، بل إنك تحدثت عن جنازته ومن الذي حضرها، وكان خبرا كاذبا!!

لا لا لا لا.. هذه أيضا حرب معنوية.. الكاتب الذي ينظر إلى نفسه وليس إلى الأمة شخص ينظر في المرآة وأنا أنظر إلى مصلحة الأمة والمعركة، فمعنويا أؤذي العدو وأنا هذا ما أقصده.

هكذا هم الإسلامويون يسمون الكذب قتالا معنويا.. وكل ما حرمه الإسلام يمارسونه ويجدون له المبررات يقنعون بها أنفسهم مثل إباحة القتل للذين يختلفون معهم في الرأي، وممارسة التعذيب والاغتصاب في السجون والمعتقلات، وسرقة المال العام والتجنيب، وممارسات كثيرة تعتبر حرام شرعا، لكنهم لا يجدون غضاضة في ممارستها من أجل تحقيق أهداف ذاتية بالتنظيم، كما هو معروف للجميع أن الكذب محرم في الإسلام بشكل واضح لا لبس فيه، وكذلك التعذيب والاغتصاب محرم شرعا في كل الديانات السماوية وفي كل الشرائع الدنيوية إلا في شريعتهم، إن ما ذكره الكاتب إسحاق فضل الله يدخل في ممارسة التضليل خاصة وأن قطاعا كبيرا من شبابهم يرى في كل ما يكتبه إسحق هو الحق بعينه.!.

الدعاية السوداء

المتخصص وصاحب الخبرة في المجال الإخباري بوسعه الإدراك بأن منسوبي النظام السابق الآن يمارسون كل فنون وأساليب الكذب والتضليل ومن ضمنها ما يعرف بالدعاية السوداء، الكاتب الفرنسي المؤلف فرنسوا جيريه مؤلف كتاب (إمبراطورية التضليل الإعلامي. الكلمة المقنعة) وهو كتاب صدر حديثا، يقوللدى ممارسة الدعاية السوداء يتم إخفاء المصدر بشكل كامل كما يمكن فبركته ونسبته إلى مصادر غير حقيقية ومختلقة“.

هذا ما تمت ممارسته في الأيام السابقة في (حرب المناهج) عندما نشروا على نطاق واسع عبر الوسائط التواصلية صفحة مزعومة من كتاب بعنوان (الفكرة الجمهورية) ونسبوها للدكتور القراي ضمن المنهج المقرر للطلاب، وهو ما لم يحدث، لكنهم صمّموا هذا العمل بطريقة فنية وتم الترويج له بشكل كبير وسط عضوية النظام السابق والجماعات المتحالفة معهم من السلفيين وغيرهم، وهو ما يعتبر دعاية سوداء، وضرب من الكذب والتضليل الإعلامي، وقد عملت وحدة الإعلام في مراكز النظام السابق على إعداد هذا النوع من التضليل والكذب البواح من أجل التأثير على سيكولوجية المتلقي وزعزعة استقرار الطرف المستهدف، وبطبيعة الحال في مثل هذه المواقف فإن الكذب لديهم حلال كما قال بذلك الكاتب إسحاق فضل الله، ومارسه لسنوات طويلة.

الإسلامويون كغيرهم من الجماعات الهدامة استفادوا كثيرا من نشر أفكارهم ومعتقداتهم الخاصة من أكاذيب وفبركات لأن الطفرة الإعلامية التواصلية الكبيرة التي حدثت في العصر الحديث وفرت فرصا واسعة لنشر المحتوى لذلك امتلأ الفضاء الكوني بالمعلومات الكاذبة والمضللة، وقد استغلت القوى الشريرة هذه الآليات للنيل من أعدائها المعروفين والمحتملين أيضا، وقبل أيام تداولت أوساط الجماعة انتقادات مضحكة جدا للبعض لكنها تخفي في سطورها حقائق للأجيال السودانية الجديدة من الذين تم استقطابهم حديثا خاصة من مواليد نهاية التسعينات وبداية الألفية الجديدة.

قالوا:

عام 2020 عام البلطجة وسجن الأحرار والنشامى والماجدات بلا تهم ولا محاكمات وقتلهم في السجون ومصادرة ممتلكاتهم وبهتانهم والتشهير بهم وترويع نسائهم وأطفالهم وأن عام 2020 عام الجوع والمسغبة والموت سمبلا أمام المستشفيات وإذلال المواطنين وقتل المتظاهرين وكذلك قتلهم في صفوف الخبز ومحطات الوقود والمساجد والخلاوي والطرقات وغياب الأمن في المدن الكبيرة وداخل البيوت“.

التضليل الإعلامي 

يذكر الكاتب الفرنسي فرنسوا جيريهإن التضليل الإعلامي فهو عبارة عن عملية متعمدة تقوم على الفبركة ونشر معلومات عارية عن الصحة وتسويقها وإقناع من يتلقاها بأنها صحيحة وذات مصداقية، يرمي هذا التضليل الإعلامي إلى خدمة أجندة معينة وتقويض قدرة المتلقي على إصدار أحكام صحيحة عن قضية معينة وتحويل وجهة هذه الأحكام من أجل دفع هذه الأطراف المتلقية إلى اتخاذ قرارات غير مناسبة ودفعها للقيام بأفعال تتناقض مع مصالحها“.

ومن هنا نجد أن المغزى من نشر مثل هذه الرسائل التي تحمل هذه المعلومات يراد منها القول أن الشعب السوداني خلال 30 عاما من حُكم الجماعة عاش سنوات الرفاهية، وكانت العدالة مقيمة وراسخة، وكانت السجون والمعتقلات خالية من النزلاء، وكان حق التظاهر مكفولا وأن التظاهرات كانت تشق شوارع أمدرمان والخرطوم بحري وأمبدة والكلاكلات في أمن وأمان وتحت حماية الأجهزة الأمنية، وأن المستشفيات كانت زاخرة بكل المعدات والعقاقير الطبية والشاش والحقن وسيارات الإسعاف وكل الخدمات الطبية متوفرة ومجانية.

يُريدوا أن يقولوا للأجيال الجديدة إنهم طبقوا شرع الله، وأن قادتهم كانوا رُسلا وأنبياء، ولم يزنوا في نهارات رمضان، ولم يسرقوا قوت الشعب، ولم يبيعوا المشاريع الزراعية ولم يحولوا أموال الشعب في حساباتهم في ماليزيا ودبي وتركيا وسويسرا، وأن المرأة السودانية في عهدهم كانت معززة مكرمة، وأنهم حافظوا على السودان، وأن قادتهم وطنيين شرفاء لم يتعاملوا مع المخابرات الأمريكية ولا البريطانية وحتى الإسرائيلية.

في كتاب (سيكولوجية الجماهير) الذي يعتبر من أهم المقررات في كليات الإعلام في الكثير من الجامعات العربية استعرض فيه مؤلفه (غوستاف لوبون) أهم سمات وخصائص الجمهور العاطفية والعقلانية فيرىأن الجماهير لا تعرف إلا العواطف البسيطة والمتطرفة، فإن الآراء والأفكار والعقائد التي يحرضونها عليها تُقبل من قبلها أو ترفض دفعة واحدة، فإما أن تعتبرها كحقائق مطلقة، وإما كأخطاء مطلقة، في حالة السودان فإن منسوبي الجماعة يقبلون بكل ما يأتيهم من سلطتهم العليا، يقبلون به دفعة واحدة كحقائق مطلقة، وفي ذات الوقت يرفضون كل رأي مخالف دفعة واحدة، فقد برعوا في استغلال عواطف الشباب تجاه الدين، لذلك كانت النتائج الكارثية في الثلاثة عقود الماضية وقد رأينا بأنفسنا وموثق في الوسائط كيف أن شابا في مقتبل العمر من منسوبي جهاز الأمن يطلق الرصاص الحي على المتظاهرين فيقتلهم، ذلك لأنه اقتنع بفكرة أنه يدافع عن الإسلام كما قال بذلك إسحاق فضل الله، وأن قتله للمتظاهرين يؤجر عليه، وزاد من هذه القناعات لدى شبابهم ما ينشره التنظيم من أكاذيب وفبركات عن أعدائهمالشعب السودانيالذي خرج للمطالبة بالحقوق في خروج سلمي وغير مسلح.

الغاية تبرر الوسيلة..!!.

إن موضوعالغاية تبرر الوسيلةقد قُتل بحثا لقرون من الزمان وليس عقود لكننا اليوم في حاجة لكي نذكر أن ما كتبه الفيلسوف والسياسي الإيطالي نيقولا مكيافيلِّي في كتابه الذائع الصيت (الأمير) وهو صاحب المبدأ الشهيرالغاية تبرر الوسيلة، أعتقد أن الحركة (الاسلامية) حزب المؤتمر (الوطني) قد ارتكز في كل ممارساته الحاكمة على هذا المبدأ الغاية تبرر الوسيلة بحيث يكون الهدف (السامي) يعطي صفة المشروعية على الوسائل مهما كانت في تضاد مع الدين وظالمة وغير أخلاقية، طالما أنها توصل إلى الهدف المطلوب، وهو حُكم السودان والاستمرار فيه إلى يوم الدين لتحقيق المنفعة الذاتية والتنظيمية.

فكانت الاعترافات أكبر دليل على العمل بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة:

عمر البشير:

قتلنا أهل دارفور لأتفه الأسباب.

كل أموال الحكومة سخرت للمؤتمر (الوطني) والحركة (الإسلامية).

 كل مفاصل الدولة السودانية بعد انقلاب 1989 أصبحت تحت سيطرة الإخوان.

فصلنا أكثر من 600 ألف سوداني من وظائفهم واستبدالهم بعناصر إخوانية، العضو يجب أن يكون لديه قدرة على حمل السلاح دائماً، وينفذ الأوامر بمبدأ السمع والطاعة.

حسبو عبدالرحمن:

إن معظم التشوهات في الاقتصاد يفعلها الإخوان بصراحة، وإن التشوهات بالقطاع الاقتصادي والمضاربة في الدولار جزء منها يقوم بها الإخوان ويعرفون معلومات الحكومة.

علي عثمان محمد طه:

نحن في يوم واحد أعدمنا 28 ضابطا في رمضان.

أن المؤتمر الوطني عبر أموال الدولة كان يصرف على (قناة طيبة) بنسبة 90% وهي قناتنا.

حسن عثمان رزق:

أعداد كبيرة جدا تم توظيفهم في كل مؤسسات الدولة ليس بالكفاءة أو حوجة لهم بل فقط لانتمائهم للحزب والحركة.

كل الصرف الذي يتم على الحركة و الحزب يتم من الدولة.

خلاصة القول إن ممارسة الكذب والتضليل الإعلامي التي تمارسها الجماعة لا تصمد أمام الحقائق والوقائع، وما هو موجود على واقع حياة الناس اليومية، مهما دفعوا بأكاذيبهم للنشر وملأوا بها الصفحات والمواقع الالكترونية، نعم يستطيعون أن يجندوا الرجرجة والدهماء والذين في قلوب مرض، والمصابين بالرمد والعطالة السياسية والفاقد التربوي الذين لا يعرفون الاختلاف بأدب وصدق، ولا يدركون قيم الدين الحنيف الذي نهى عن الكذب والتلفيق.

[email protected]

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى