الرأي

الإسلامويون والفجور في الخصومة..!!

خالد أبو أحمد

لا زال العديد من الإخوة يعتقدون بأنني أغلظ شديداً على إخوة الأمس، وأني من خلال نقدي لهم أفجر في الخصومة، كما ذكر لي أحد الإخوة قبل أيام على صفحتي في الفيس بوك عندما طالبت بإزالة كل أنصار النظام السابق من تلفزيون السودان، فقال الأخ موجها حديثه لي “أتفق وأختلف معك في الكثير، ولكن الإنسان لا بد أن يكون مقسطًا لأن القسط قيمة فطرية وإنسانية، قبل أن تكون سلوكاً وفهماً مثل العدل والحرية وغيرها يا أخي، أنت فجرت في الخصومة مع الذين تختلف معهم من الإسلامييين و الفجور يفقد الإنسان الموضوعية، مهما كان سوء من تسميهم وتتهمهم وتخاصمهم هم الآن خارج المسؤولية، ولا يمكن تبرير كل قصور وخطأ بشماعة الكيزان والنظام البائد ونحو ذلك”.

ومن خلال هذا المقال أرد على الأخ وكل الإخوة الذين ينتقدون أسلوبي في التعامل مع الإسلامويين وأسأل نفسي بداية: هل بالفعل أنا افجر في الخصومة؟ هل الذين أنتقدهم هم أصلاً (إسلاميين)؟!

أولا: أعترف باستخدامي للأسلوب الخشن في نقدي للجماعة، لكن بأي حال من الأحوال هو ليس فجوراً في الخصومة، بل هو مسؤولية بل أمانة في عنقي أن أبين للذين لا يعرفون الأسباب التي أدت إلى ما نحن عليه في الوقت الراهن، خاصة وأن أجيالنا الجديدة التي ولدت وترعرت في العقدين الأخرين لا يدرون حقيقة هذا الفكر الهدام، كلي ثقة أن ما أمارسه من نقد وفضح لممارساتهم وأساليبهم التدميرية يمثل أضعف الإيمان، ولو كان بيدي غير ذلك لتجاوزت الكتابة إلى فعل آخر كلية، إن كل ذي لب يدرك أن القوة الخشنة في الكتابة الصحفية لم تأتِ من فراغ، بل تأتي كرد لفعل كبيرٍ وشنيعٍ تجاوز كل ما هو معهود في ممارسات الحُكم على مدار التاريخ الإنساني والإسلامي أيضا، إذا كان أبو مسلم الخرساني قد قتل لوحده  600 ألف انسان من أجل أن تقوم الدولة العباسية في العراق، فإن نظام (الحركة الإسلامية) في السودان قتل ضعفي هذا العدد وشرد الملايين بين الأمصار!.

المسؤولية التاريخية

إن ما قام به الإسلامويون في بلادنا من دمار ومن قتل وحرق للقرى بأهلها ونهب خيرات البلاد، يجعلهم في موضع المسؤولية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كانوا داخل أو خارج المسؤولية، لأن نتاج صنيعهم له تأثير كبير على بلادنا وسيمتد هذا التأثير عقوداً من الزمان . لماذا؟

لأنهم دمروا كل إمكانيات بلادنا التي كانت مصدراً للعيش الكريم، حتى العام 1990م كان في السودان حوالي 28 مشروع زراعي كبير يوفر الأمن الغذائي لكل أهلنا، وفي الريف السوداني بالذات لم تكن هناك أي مشاكل معيشية إلا بعد أن دمرت الجماعة هذه المشاريع عمداً مثل مشروع السوكي الزراعي وسنار ونهر النيل والشمالية ومشروع النيل الأبيض الزراعي والنيل الأزرق..إلخ، كما باعت كُبرى شركات الملاحة التجارية (شركة الخرطوم للتجارة والملاحة – والبحر الأحمر للتجارة والملاحة – وشركة الجزيرة للتجارة والملاحة) هذه الشركات كان لها سفن تجارية تجوب العالم، ويفيض خيرها على بلادنا، إضافة إلى سرقة الخطوط الجوية السودانية والخطوط البحرية السودانية..إلخ.. والقائمة تطول..!!

كما هو ثابت في سنوات حكمهم العضوض فإن الإسلامويون برغم إدعائهم الكاذب ارتباطهم بالدين الإسلامي، إلا أن الشاهد أنهم لم يراعوا أبدا قيمة للإنسان الذي كرمه الخالق العظيم من فوق سبع سموات وأنزل فيه كتباً سماوية وآيات تتلى، كما أن الثابت في الحقيقة الربانية أن كل الكتب السماوية هدفها واحد هو حفظ الإنسان في نفسه ودمه وعرضه ونسله، لذلك قال المولى سبحانه وتعالى: (من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فساٍد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) سورة المائدة.

وهل اعتبر هؤلاء من آيات القرآن؟ بكل تأكيد لا. قتلوا الناس العزل في أمري وكجبار، وفي بورتسودان – ديم عرب، أما العجب العجاب كان في جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور، حيث الإبادة الجماعية قتل فيها 300 ألف حسب الأمم المتحدة (2006) والرقم حتى عام 2015م زاد كثيراً، وعمر البشير في اعتراف أبله قال قتلى دارفور ” 10 ألف بس”!!.

ولأنهم أوجدوا شريحة كبيرة من سيئي الخلق الذين لا يحترمون ديناً ولا أعراف، ليس لهم إنسانية يعبدون المال عبادةً من دون الله.

كما أوجدو شريحة من أصحاب النفوس الضعيفة لذلك هم على استعداد لتنفيذ أي أجندات ولو كانت تدمر بلادهم كما يفعلون الآن، المهم أنهم يحصلون على المال.

واعترف الرئيس صراحة بأن النظام قتل ناس دارفور لأتفه الأسباب، ( اليوتيوب- عمر البشير يعترف- قتلنا في دارفور لأتفه الأسباب).

هذا النظام الذي قتل الناس لأتفه الأسباب نظام من؟

أليس هو نظام (الحركة الإسلامية)؟

الإخوة الذين ينتقدونني.. هلا أدركتم أن كتاباتي أضعف الايمان في مقابل القتل والنهب والسرقة والدمار الذي طال كل بلادنا؟!

هل هم أصلا (إسلاميين)؟!

ثانيا: الذين ربطوا اسم تنظيمهم بالإسلام ليس لهم من الإسم ذرة من معانيه وقيمه السمحة، بل على النقيض تماما كانوا في ممارساتهم وعلى مستوى الحُكم وعلى مستوى الأشخاص، أعتقد بأنهم مثلوا أسوأ تجربة حُكم مورست فيها أبشع أنواع المظالم إلى حد يفوق التصور، ديدنهم الكذب والمراوغة، استخدموا اسم الذات الإلهية في الكذب على البشر عندما ادعوا وزعموا أنهم يطبقون الشريعة الإسلامية، لكنهم طبقوا شريعة الغاب، بل شريعة الغاب أرحم منهم، لأن الحيوانات لا تقتل بني جنسها، مثلا الأسود لا يقتلون بعضهم البعض، كذلك الحمير لا يقتلون بعضهم البعض، الضباع لا يقتلون بعضهم البعض..إلخ..

لكن الإسلامويون يقتلون بعضهم البعض، وبأسهم بينهم شديد كما يذكر (القرآن الكريم)، إن مسيرة الثلاثين عاماً من حكمهم الدموي فيها الكثير ممن تم تصفيتهم، وقد اعترف علي عثمان محمد طه بتصفية داؤود يحيى بولاد، وعلي عثمان نفسه تحوم حوله الشكوك في محاولات اغتيال كثيرة من بينها مقتل الزعيم جون قرنق، ومجذوب الخليفة، والزبير محمد صالح، وإبراهيم شمس الدين..إلخ، وقد حاول اغتيال الرئيس المصري محمد حسني مبارك عمليا في صيف 1995م في إثيوبيا.

على المستوى العام وداخل القنوات التنظيمية أبدا ما كانوا يرتضون أي نصح أو تذكير، وإذا لفت أحد منا النظر إلى ممارسات غير سوية من البعض سواء من القيادات أو من العضوية العادية كانوا يغضبوا غضباً شديد، حتى أصبحت ثقافة عامة داخل التنظيم أن لا حديث عن الفساد وسط عضوية الحركة والدولة، وإذا تمادى الفرد في النصح داخل القنوات التنظيمية الصغيرة ينظرون له نظرة فيها الكثير من الحقد، ويتهمونه بالكثير من الاتهامات الجاهزة ومن بينها التأثر بكلام المعارضين، برغم أن المسألة في أمر محدد وشخص محدد ووواقعة محددة وليس كلاماً عاماً، ويصلون مرحلة من العتو أن يصفوا الشخص الحريص على سمعة التنظيم وعلى الشعارات المرفوعة على أنه (طابور خامس)، ثم تبتدي مرحلة العداء، وهذه تظهر فيها بشكل واضح مفارقة الجماعة للدين وللاخلاق!.

وعلى المستوى الشخصي جداً كنت أعيش بين مجموعة جُل همهم الدنيا، وليس لهم أدنى مستوى تدين أو خوف من الله أو ورع، وما كانوا أبداً يسمعون لنصيحة ولا حرص على العلاقات بيننا، ولا حرص حتى على سمعتهم الشخصية، دعك من سمعة الكيان الكبير الذي ينتسبون إليه، أحدهم ظل قريباً مني جداً، كان يتصرف في أموال كل عمل يُكلف به، ويصرفه في ملذات وعزومات في مطاعم الخرطوم الراقية لعدد من الأشخاص بينهم –أخوات- جميعهم ما كانوا يرضون النصيحة أبداً، تماما مثل القيادات في المستويات العليا، وعندما وصلت المفارقات أشدها وحفاظاً على سمعتى قاطعتهم غير مكترثٍ، ثم خرجت من السودان، وعندما بدأت مسيرتي في الكتابة منذ العام 2000 عبر موقعي الخاص ثم عبر عدد من المواقع الإلكترونية، ثم بداية تأسيس موقع (حريات) وموقع (الراكوبة) كانوا يتبادلون ما أكتب وفي بعض جلساتهم كانوا يشتمونني، وجاءت مرحلة خشوا على أنفسهم من أن اتناول فضائحهم المالية وما يربط بينهم من مفارقات مضحكة ومبكية أحيانا، التي تؤكد بعدهم عن أخلاق ديننا الحنيف وعن تقاليدنا الاجتماعية التي تربينا عليها، وبعد سنوات طويلة فقدوا كل شيء، وبلا خجل حاولوا التواصل معي عبر (الفيس بوك)، لم أعرهم أي اهتمام وقد سبق السيف العزل، لذلك فإن عضوية هذا التنظيم على المستويات القيادية والأدنى هم ليسوا إسلاميين وسينتقم منهم الله سبحانه وتعالى كونهم استغلوا دينه من أجل مآرب ذاتية.

سُراق وحرامية ومنافقين وفسقة

ومن خلال تجربتي الشخصية أعتقد أنني نلت معرفة بحقيقة التنظيم والحركة لم ينلها الكثير من العضوية إلا القليل، لأن طبيعة العمل الصحفي والإعلامي والتنظيمي آنذاك وبتقدير من الله سبحانه وتعالى مكنتني من أن أُلم بمعلومات وأشياء لم تتوفر للكثير من الإخوة، ولا أحسب هذا مكان فخر، ولا اعتزاز بل العكس تماماً، فإن علاقتي بالقيادات والدوائر المهمة في الحُكم جعلني أعيش الحقيقة، خاصة فترة ليست بالقصيرة مع شخصية رفيعة وداخل مؤسسات مهمة جدا ووسط قيادات كبيرة فلم أر إسلاميين ولا متدينيين بل عشت في الحركة في (العشرية الأولى للإنقاذ) مع سُراق وحرامية ومنافقين وفسقة وقساة إلا من رحم الله، وهم قلة قليلة كانوا يعانون مثلما عانيت.

الغالبية من القيادات لا يتورعون في سرقة المال العام، وفي ظلم الصغار والضعفاء من الناس، ويظهر الواحد منهم في الملمات العامة بمظهر الشيخ الورع والزاهد المفكر، الحريص على الإسلام، وفي عملي مع مسؤول تنظيمي كبير، كانت أموال الدولة معه في بيته الخاص وفي ذات الغرفة التي كنت أقيم فيها مع مجموعة من الإخوة، كانت حِزم هذه الأموال في الدولاب وهو مفتوح على مصراعيه، وسكرتير هذا المسؤول (يخمش) منها ما يشاء، في وقت ما يشاء ليشتري ما يريد، وكانت حفلات العشاء والبوفيهات المفتوحة لاستقبال فلان ووداع فلان.

مع العلم أن هذا المسؤول التنظيمي الكبير غير معروف البتة إلا على نطاق ضيق، وهو من الكوادر التي تعمل في الظلام، هذا المسؤول دمّر عدداً من المرافق الرسمية المهمة، ومن بينها مؤسسة اقتصادية كبيرة كانت تدعم الاقتصاد الوطني تركها على الحديدة، راجع كتابي (عباقرة الكذب- صفحة 239).

نهب مصلح!!

من قصص الفساد التي عشتها بنفسي قصة نهب أكبر مجموعة مصرفية سودانية هي (مجموعة بنك النيلين للتنمية الصناعية) نهبها شخص واحد فقط، ونستغرب عندما نعرف أن المجموعة هذه أسست بدمج 3 مصارف هي (البنك الصناعي السوداني)، و(البنك التجاري السوداني)، و(بنك الشعب التعاوني)، لم تكن هذه المصارف فاشلة ولا خاسرة، وعملية الدمج هذه حدثت فيها مجزرة وظيفية كبرى تاريخية، إذ تم إبعاد الغالبية العظمى من الموظفين من أصحاب الخبرات المصرفية، وتم توظيف عضوية الجماعة، ومن يتعاطف معها والمؤلفة قلوبهم!!.

وعندما أصبحت المجموعة على وشك إعلان فشلها قام مجموعة من الشباب بعمل حراك قوي من أجل كشف فساد رئيس المجموعة المهندس القيادي، فشكّل رئيس الجمهورية لجنة تقصي في فساد البنك ورئيسه التنفيذي، كانت الدهشة كبيرة جدا بالنسبة للجنة عندما عرفوا حجم التجاوزات والسرقات، فأمر رئيس الجمهورية بتسليم ملف القضية لإدارة الثراء الحرام، وهناك وأثناء البحث والتقصي ودراسة القضية جاء مندوب من رئاسة الجمهورية من علي عثمان محمد طه شخصيا عندما كان نائبا للرئيس، لاستلام الملف من إدارة الثراء الحرام، فقام المندوب بتوبيخ القائمين على أمر الديوان على فعلتهم ونيتهم في محاسبة الرجل باعتباره من القيادات العليا في الحركة وفي (الدولة)، وإلى هذه اللحظة لم يُقدم الرجل للمحاكمة، أما مجموعة بنك النيلين للتنمية الاقتصادية التي كان معولاً عليها في إحداث تغيير تنموي في السودان راحت في خبر كان، والرئيس التنفيذي المهندس الآن في تركيا!.

إن كل المؤسسات التنظيمية والجهادية ذات الصبغة المحلية، و الإقليمية، و أيضا الدولية جميعها معفية من الضرائب والرسوم الجمركية ومعفية من أي رسوم أيا كانت، كما لا تطالها الرقابة المالية ولا الإدارية وميزانياتها شبه مفتوحة تصرف كما تشاء وقتما تشاء، ولا أقول ذلك عبر مصادر أخرى، أبداً أنا نفسي عملت في عدد من هذه الجهات، وتشهد لي صحيفة (ألوان) أني الوحيد الذي نشرت فساد بعض هذه الجهات مثل (مؤسسة ساحات الفداء) وبينت ما فيها من فوضى مالية وإدارية وسرقة أموال الدولة، وفي ذلك اليوم أبداً ما كنت أتصور أني سأنوم في بيتي وتوقعت اعتقالي في أي لحظة والتحقيق معي، لكن لم يحدث، وكان ذلك بمثابة مؤشر أن الكل مشغول بالنهب واللهف!.

الإخوة يتحدثون عن فجور في الخصومة من جانبي تجاه هؤلاء البلطجية الفاسدين سُراق قوت الشعب، بحجة أن ليس كل قادة وعضوية النظام من الذين أعنيهم، حسنا بالله كيف يستقيم عقلاً ومنطقاً وفكراً أن يتواجد (غير) الفاسدين لمدة 30 عاماً في معية من فسد وقتل..؟!.

أما الذي يريد أن يُبرئ النظام وقادته من الفساد والقتل والدمار هذا شأنه وسيجد من الله ومن الناس الموقف الذي يستحق.

عزيزي القارئ..

هذا المقال ومقالات أخرى في الطريق، الهدف منها توعوية الأجيال الجديدة بالفكر الهدام الذي دمر بلادنا وجعلها في مهب الريح، سأواصل هذه المرة بلا توقف بإذن الله تعالى.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى