الرأي

الإحباط…وسايكولوجية الفشل (1)

مجدي اسحق
الواقع اليوم بكل أزماته قد خلق جوا من الإحباط لا يخفى على أحد.
إن الإحباط حالة نفسية سالبهة يمر بها الفرد والمجتمع عندما لا يرقى الواقع لمستوى التوقعات وعندما تصطدم أحلامنا بجدار الواقع المؤلم، رغم ما يحمله من سلبيات فإن الإحباط إما أن يكون وباء يستشري في الجسد أو أن يكون جرعة للوقاية تزيد من درجات المناعة والإستعداد، إن الإحباط جرثومة إذا تركناها فليس هناك سوى الخراب ولكن إذا تعاملنا معها بوعي والتزام فستكون جرعة وقاية وتحصين تزيد مناعتنا وتجعلنا أقوى أمام الصعاب والمحن، كما أن الإحباط لا يعني الفشل دوما فهو قد يكون دافعا للتغيير وطاقة لتجاوز الواقع ورسم مستقبل أفضل.
الإحباط إذا ترك سيقود المجتمعات في دروب التراجع والفشل، فهو مثل السحابة السوداء التي تحاصر الأمل وتقتل الحماس وتخنق الرغبة في التغيير، إنه السم الذي يتغلغل في مسام المجتمعات فيكتب عليها الترهل والجمود، فندمن جلد الذات والحسرة على أحلامنا الموؤودة، سيصبح الإحباط القيد الذي يكبل التغيير ويفتح الباب لأحاسيس الندم وعدم الجدوى، أخاف أن يصبح بداية النهاية والسرطان الذي يضرب قلب التغيير في مقتل فلا يترك أمامه طريقا سوى مشاعرالاحتضار واستعجال النهايات الأليمة.
إن الأستفادة من إحباطات الواقع لتصبح طاقة للتغيير لن يتم بالنوايا الطيبة والأحلام النبيلة.
فسحابة الإحباط الكالحة قد غطت سماء الثورة وقد خنقت الأمل في النفوس، وبدأ الناس في حالات التحسر وجلد الذات وفقدان الأمل، فهو لايأتي منفردا بل يرافقه في المسير دوما ويصاحبه الضعف وفقدان الثقة، وفقدان الثقة له شقان يتمثلان في فقدان الثقة في النفس وفي الآخر…
كل صباح نرى جسور الثقة تتهاوى حيث أصحت نغمة الحزن على الحال المائل والتشاؤم بأننا قد كتب علينا التعاسة والشقاء، ونرى صور قياداتنا تتهاوى فحمدوك الذي لم يجد أحد من قادتنا في التاريخ القريب إجماعا وقبولا ومحبة مثله نرى تراجعا واضحا في صورته، وحروفه التي كانت مصدرا للأمل أصبحت مدعاة للسخرية والتندر وشخصيته الهادئة التي كانت تزرع الأطمئنان أصبحت هدفا لسهام التشكيك والتساؤل عن ضعف القيادة.
قوى الحرية التي كانت صوت الثورة وروحها أصبحت مثارا للتندر والسخرية لما يعتريها من ضعف، والتي كانت تجمع الجماهير وتوحدها أصبحت رمزا للتشرذم والتخوين والصراع.
إحباطا لم يأت من فراغ ولكنه يجسد واقعا لا يمكن إنكاره، تجسد في أركان أربعة واستند عليها.
ركنه الأول التدهور الاقتصادي وأزمة المعيشة طاحنة، كل يوم غلاء منفلت وندرة لا تبقي ولا تذر.
في ركنها الثاني
عدالة كسيحة لم تبطل رموز الفساد والقهر والتعذيب فكيف يعقل أن يمر عام كامل لم يحاكم فرد واحد لإفساده ونهبه لموارد الوطن، ولم يحاسب فرد على تعذيب الشرفاء والقتل والاغتصاب، فأمنوا الحساب فأصبحوا يتجرأون ويسخرون من ثورتنا بئس ما كانوا يفعلون.
نجد على ركنها الثالث قلاع من الفساد تنهب موارد الدولة ومؤسسات اقتصادية فوق القانون بلا حسيب ولا رقيب.
ركنها الرابع في أجهزة أمنية مازالت دولة في داخل دولة لها مؤسساتها ومواردها تغمض الطرف عن تفلتات الأمن والتهريب والاستقرار ويسخر قادتها من المدنية وتضحياتها.
هي الأركان الأربعة التي يتكئ عليها الإحباط ويزيد عليها من ألم ولهيب حالة عدم الاهتمام التي تظهرها القيادة تجاه معاناة الناس وألمهم اليومي، صمت مريب وتجاهل مؤلم، كأنهم سعيدون بإنجازهم في التدهور وعدم تحقق شعارات الثورة، ولانجد أحدا يتقدم كي يشرح لشعبنا أسباب ثبات أركان الإحباط الجاثمة في صدور الناس، لن يكفي الشعب أن يأتي مسؤول مهما علا مقامه ليقول إننا نفهم معاناة شعبنا، فإن فهمهم لا يطعم جائعا ولا يعيد حقا استلب، إن القيادة تكليف للقيام بإدارة شؤون العباد وإن الثورة لم تعقر أحشاءها فعندما قدمت الشرفاء لحمل الأمانة لم تتوقع أن يحملوا مفتاح فدياس ليحيلوا التراب ذهبا، بل كان شعبنا مهيئا للصعاب ومن صبر على الإنقاذ ثلاث عقود ما كان سيؤرقه الصبر لعامين أو ثلاث إذا كان يعلم أن قيادته تعمل وتشارك شعبها ما تعمله وما تخطط له.
إن غياب الشفافية وعدم التواصل مع شعبنا هو في أقل تقدير عدم احترام لصبره ومعاناته وليس مقبولا ولا نجد ما يبرره.
إن تمليك المعلومة والحقائق هي حق الشعب على حكومته ليس منحة ولا عطية مزين تعطى وتحجب برغبات الساسة والمتنفذين.
إن الوضع أصبح لا يحتمل السكوت عليه، وإن الإحباط قد وصل مرحلة نخشى من جرثومته التغلغل في جسد الثورة وهدم أجمل حلم وتفكيك ملحمة هي نقطة تحول في تاريخ شعبنا، دفع مهرها من أرواح الشهداء وتضحيات شعبه، وإن عدم الشفافية في قاموس الشعوب ليس له تفسير سوى الجهل أو التجاهل، وحاشا أن نتهم حكومة الثورة بالجهل عن حلول أزماتنا أو التجاهل لمعاناة شعبنا ولكن مهما أحسنا الظن فلا نجد ومضة ضوء تبرر هذا التعتيم والصمت عن الواقع الكئيب.
لذا نطالب بحقنا ألا نكون في الظلام، حقنا في ضوء الشفافية لأنها العلاج الناجع والترياق الذي يشفي جراح شعبنا المثقلة بالإحباط والتشاؤم، الشفافية هي الترياق الذي سيزرع الأمل ويعطي الشعب ثقته في ذاته وحقه في التغيير.
هي الشفافية، فأما تقبلنا معطيات الواقع وتفهمنا عقباته وعضضنا على رصاصة الصبر وشمرنا ساعد الجد وبنينا سويا مساحات الأمل. وأما إذا إختلفت رؤانا سنقدم لكم إعزازنا وشكرنا على جهدكم وسينادي مناد الشعب لحفنة أخرى من الشرفاء لحمل رايات العمل وقرع أبواب المستقبل بأفق جديد ورؤى يرضى عنها الشعب ويباركها دعما ومحبة.
لقد وصل شعبنا محطة الإحباط ونخشى الانزلاق في هاوية جلد الذات وإدمان الفشل، لذا لا نطالب اليوم بتبرير أو وعود ولا حلو الحديث وعذبه؛ بل شمس الحقيقة تحملها أشرعة الشفافية لتبني جسور الثقة، ولنحمل هاجس البناء جميعا فنحن أغنياء بشعبنا وشعبنا قادر على أن يتم بناء ثورته بلا تراجع أو انهزام.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى