حوارات

الأمين العام لمنظمة الحارسات والأكاديمية “رويدة مطر” لـ”الديمقراطي”:

مفتاح التغيير هو التحالفات القوية

عملت رويدة مطر، في مجال التعليم العالي، وتدرجت في مراحلها  العملية من مساعد تدريس الى ان وصلت عمادة مدرسة العلوم الادارية بجامعة الاحفاد للبنات، وذكرت ان هذه تجربة كانت ثرة واثرت بشكل كبيرعلى مسيرتها العملية والتعليمية، وذلك لتمكنها من التواصل اللصيق بأجيال من الشابات اليافعات.

حاورت “الديمقراطي” رويدة وطرحت عليها مجموعة من الاسئلة المتعلقة بالمجتمع المدني في السودان، قبل وبعد ثورة ديسمبر، ودور التيارات النسوية العريضة في تحسين اوضاع النساء في السودان.

حوار- آلاء عبدالرحيم

* دائما ما نسمع في الآونة الاخيرة عن المجتمع المدني، ما طبيعة المجتمع المدني ودوره قبل وبعد ثورة ديسمبر؟

الاعتقاد السائد، ان المجتمع المدني بتعريفه الكبير، يتكون فقط من المنظمات، لكن ذلك غير صحيح بنسبة كبيرة، حيث الاحزاب السياسية والمراكز البحثية وحتى الجامعات جزء من المجتمع المدني. قبل الدخول في تصنيف المجتمع المدني قبل وبعد ثورة ديسمبر، يجب علينا ان نذكر ان هنالك تغييرا كبيرا طرأ على المجتمع المدني له علاقة مباشرة بدور المجتمع المدني الذي كان محدوداً جداً ومتواضعاً، ولم يترك ذلك مجالاً للشابات والشباب او اي فئة عمرية أخرى التواجد باستمرار وارتياح، لذلك فإن بداية التغيير كانت في دور المجتمع المدني، وقد ساهمت ثورة ديسمبر في خلق بيئة جديدة وجلبت الى السطح افكاراً جديدة ووعدت ببراح اكبر فيما يختص بحرية التجمع والتعبير عن الرأي والمطالبة بالحقوق سواء كانت من النساء او الشباب، واعتقد ان هذا اكبر تغيير طرأ على دور المجتمع المدني وبالتأكيد مع اتساع البراح وتناول قضايا اكبر واعظم، كان ذلك عاملاً محفزاً لأعداد كبيرة الدخول في شكل تنظيمي في المجتمع المدني وليس فقط العمل بشكل تطوعي او الدعم من الخارج، ولا يخفى على الجميع ان المجتمع المدني له دور كبير في التصاعد السياسي الذي حدث في فترة الحراك الاولى.

اذا قمنا بمقاربة ما بين دول مرت بتفاصيل سياسية واجتماعية نوعا ما مشابهة لوضع السودان، مثلا دولة يوغندا، نجد ان المجتمع المدني هناك، قطع اميالاً فيما يختص بالقضايا الخاصة بالنساء وقد تم توثيق هذه التجارب، ومن هذه التجارب الناجحة تجربة الميزانية المراعية للجندر، فدراسة حالة هذه التجربة وصلت الى ان تُدرس ويُستدل بها في كيفية تكوين المجموعات التي تعمل على الضغط ومراعاة وميزانية الدولة لحساسية النوع، ايضا في الهند لها تاريخ مشرف في تطور المجتمع المدني النسوي خصوصا قضايا التغيير في القوانين. وذكر هذه التجارب لم يكن من أجل وضع نموذج محدد لنجاح المجتمع المدني اكثر من الاستدلال بها، اذ حتى هذه النماذج السابقة صاحبتها اخفاقات ومحاربة من المجتمع والحكومات، لكن التدريب والتأهيل لسنين طويلة واشراك النساء والفتيات اليافعات والمجتمعات القاعدية أدى الى نجاح هذه التجارب والرضا العام وهذا ما يجب ان نعمل عليه هنا في السودان، المجال العام يحتاج الى التضامن ما بين المجموعات لكي يكون هنالك تحالف حول الاجندة.

هناك براح لتيار نسوي عريض

* هل هنالك فاعلين جدد في الفضاء المدني واذا وجدوا من هم؟

المجتمع المدني تغير بعد قيام ثورة ديسمبر2018، مع انه لم يصل الى المرحلة المطلوبة وتأخر في الوصول الى التغييرالمرجو وذلك لاسباب كثيرة، على سبيل المثال قِصر الفترة الانتقالية  والتقصير في العمل على تقوية المجتمع المدني بالاضافة الى تباطؤ تعافيه مما اصابه مثله مثل المؤسسات والقطاعات الاخرى وما اصابها من الانظمة السابقة، اما ما يختص بالفاعلين الجدد فإن افضل ما حدث ان المجتمع المدني اصبح اكثر تخصصية من ذي قبل والاقبال على فكرة التنظيم بشكل واسع، فهنالك مجموعات قررت العمل في الدعم النفسي ومجموعات اخرى قررت العمل في العون القانوني ومجموعات غيرها تعمل في تمكين النساء اقتصاديا وغيرها، وهذا النموذج لا يمكن ان نطلق عليه انه نموذج صحيح او خاطئ بقدر ما انه يوضح شكل الاختلاف ليس فقط من ناحية الاعداد الكبيرة التي اصبحت منضوية تحت مظلة المجتمع المدني، بل من الناحية التخصصية في تناول القضايا والعمل عليها.

* دور المجتمع المدني في البناء الديمقراطي للمجتمعات ودعم الانتقال؟

المجتمع المدني شريك اصيل للشعب السوداني منذ اندلاع الثورة، شريك في التفكير وفي الانتقاد ودوره في العملية السياسية الحالية في أن تكون مرضية لأكبرعدد من الاطراف وذلك عبر مشاركة كل الاطراف في هذه العملية وضمان وجود الشباب والنساء والفئات المختلفة في العملية السياسية، وعلى مستوى آخر نجد ان المجتمع المدني ملئ بالخبرات والعقول الثرة التي لها باع طويل سواء كان سياسيا اومدنيا، وهنالك افكار كبيرة ممكن ان ترفد العملية السياسية، وتجدر الاشارة هنا الى ضرورة دعم المجتمع المدني للموجودين في السلطة، وعلى وجه الخصوص قيام المجتمع المدني بأدوار لا يمكن ان تقوم بها الحكومات، متمثلة في المراقبة ورفع التقارير وتأهيل وتدريب  الشباب والشابات وتحفيزهم على التنظيم لضمان فهم ماهية العمل الديمقراطي والانخراط فيه، وكيفية التعامل مع الخلافات وما هو المقبول وغير المقبول، بافتراض انه تم تكوين حكومة انتقالية في الايام القادمة، فإن دور المجتمع المدني يأتي من خلال تقديم استشارات في اشكال مختلفة من- العصف الذهني ودعم وتعديل السياسات العامة- وايضا تقديم التوصيات للاصلاحات التي لها علاقة بالقوانين، ولا نعني هنا فقط قوانين الاحوال الشخصية بل حتى القوانين الخاصة بالاستثمار والاقتصاد والسياسات الخاصة بالملكية، وغيرها من التوصيات التي تمت صياغتها  بشكل علمي تساعد صانعي القرار الموجودين في السلطة على فهم ما هي السياسات التي يجب تغييرها، وتساعد ايضا صانعي القرار على عمل التكتلات والتحالفات الخارجية. ويقدم ايضا المجتمع المدني بيوت الخبرة ويكون ذلك بشكل منظم يمَكّن كل الاجسام الراغبة في تقديم استشارات بالمساهمة.

 ثورة ديسمبر خلقت بيئة جديدة للنساء والشباب

* التكوينات النسوية الجديدة هل يمكن ان تسهم في خلق تيار نسوي جديد؟

هنالك عدد كبير من النساء والفتيات طموحهن في التكوينات النسوية كان مختلفاً عما هو موجود، وانا أمثل جزءاً من هذا التيار. وعندما انظر الى الاجسام الجديدة بما فيها الحارسات أجد ان هنالك براح لتيار نسوي عريض أكبر مما كان موجوداً وأكثر احتمالاً للاختلاف، وشعوري الخاص انه لم أعد مضطرة الى تقديم نموذج محدد لكي اتواجد في المجال النسوي، ويرجع ذلك لارتباطي الوثيق بقضايا كثيرة بالمجتمع السوداني كنت أرى انه من الممكن ان نستثمر الجانب الايجابي منها، فكانت إحدى اشواق الحارسات خلق نموذج محلي تقوم بتطويره بالكامل السودانيات، وذلك ليس لأن النموذج الموجود سيئ، لكنه كان مكبلاً ومقيداً بمعوقات وحمولات من النظام السابق حدت من حركته ومن اعداده لنفسه وتوفير البراح العام الذي يمكن ان نقول انه الآن شبه موجود، والذي لم يكن متوفراً خلال فترة الحكم السابق، فالتجربة لابد ان تتطور وتستوعب عدداً اكبر من الفتيات والنساء وتكون اكثر احتمالاً للاختلافات الاجتماعية المتواجدة في كل السودان.

* الحارسات، هل هي تجربة مماثلة لما سبقها من تجارب ام لها ما يميزها؟

افتكر ان الحارسات، ليست زيادة فقط في عدد التكوينات المدنية الجديدة، بل هي تجربة مختلفة طرقت قضايا مهمة واشركت فئات عريضة فيها، واجد ان الحارسات كنموذج تنظيمي، مختلف عن بقية الاجسام، أدى الى اختلاف في طريقة التفكير والنهج الذي تعمل به المنظمة.  فعضوية الحارسات عضوية مختلفة تضم ربة المنزل والعاملة بالكوافير والحنانة والطالبة الجامعية والموظفة في المنظمات والاكاديميات وغيرهن، وايضا تضم الحارسات طيفاً واسعاً من السيدات ذوات الانتماءات السياسية المختلفة وايضا السيدات المختلفات في عقائدهن الدينية العامة. كل هذه الاختلافات تجمعها قيم اخلاقية واهداف محددة. في وقتها الاول كان الجامع هو الحراك الشعبي  لثورة ديسمبر، تلى ذلك الهدف العام للحارسات الذي يتمثل في دعم الانتقال المدني الديمقراطي والعمل على استدامة الديمقراطية، وتمكنت الحارسات في فترة زمنية قصيرة جداً من الوصول الى مشاركات نوعية متميزة رغم الاختلافات في توجهات عضويتها إلا انها تمكنت من اصدار عدد من البيانات القوية ذات الاثر، لها علاقة بإزالة التمكين والاشارة الى الانقلاب بفترة قبل حدوثه ومع الاشارة دائما الى التركيز على العدو الاساسي وهو نظام الحركة الاسلامية.

 المجتمع المدني أصبح أكثر تخصصية

من أكبر داعمي الحارسات هي المجتمعات القاعدية التي عملت معها الحارسات وعضوية الحارسات. ومن ايجابيات تجربة الحارسات انها تمكنت من خلق علاقات طيبة مع المجتمع السياسي السوداني سواء على الجانب الشخصي او على مستوى الاحزاب السياسية بشكلها الرسمي، وقد جمعتنا بهم مشاريع كبيرة ونحن موجودين في العمليات السياسية ليس فقط عن طريق اصدار البيانات، ولكن عن طريق دعواتنا لاجتماعات تضم اطيافاً واسعة من كل الاطراف المدنية للتفاكر حول قضايا سياسية يجب ان يكون حولها اجماع كامل. وجزء مما يميزنا  اننا نحاول ارجاع وتحفيز الرأسمالية الوطنية لدورها الوطني، وتمكنا من خلق علاقات جيدة، وايضا لم نعزل نفسنا عن مثيلاتنا من المنظمات الاخرى، ونحن نتشارك الاجتماعات والدعوات وندعم اجندات الاجسام الاخرى في المجتمع المدني، وايضا تواجدنا على مستوى التعاون مع المجتمع الدولي من خلال منظماته في السودان.

أرى ان الحارسات كفكرة جاءت لدعم خلق التيار النسوي العريض الذي يتحمل الاختلافات. والحارسات ليست التجربة الوحيدة، فهناك العديد من التجارب ومهما كانت المنظمة قوية لا يمكنها تغطية كل الحوجة في السودان، فالعمل الجماعي المتواصل والتحالفات القوية هي مفتاح التغيير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى