الرأي

اشتهرت بفضلِ تطبيق “تيك توك”

قرأتُ لَكُم:
د. عصام محجوب الماحي
قصّة حسناء رومانيّة سائقة شاحِنة تجوب الطُرق الأوربيّة السريعة
%90• من الوقت نقضيه في الشاحِنة، لدينا في المقصورة أسِرَّة وأغطية ولا ندخُلها أبداً بالأحذية
• المناظِر الطبيعيّة لبُحيْراتِ وجِبال شمال النرويج تنقُل إليك الكثير من الهدوءِ والطُمأنينةِ
أصبحت الحسناء الرومانيّة أدريانا أولتيان، 28 سنة، واحدة من أشهر سائقي الشاحناتِ، من خلال المنصّة الاجتماعيّة (تيك توك)، فلديها ما يقْرُب من 600000 مُتابع، وغالباً ما تصل مقاطع الفيديو الخاصة بها إلى ذرْوة المُتابعة وتقول أدريانا لصحيفة (ليبرتاتيا) الرومانية الواسعة الانتشار “يسألني الكثيرون عن مهنتي ويطلبون تقديم نصائح لهم. إنهم فضوليون بشأن عملي سائقة شاحِنة، ومدى صُعوبة ما أقوم به، وكم من الوقتِ يمُرّ لأعود إلى المنزل، ويتساءلون إنْ كُنت أخشى النوم ليلاً في مواقفِ الشاحِناتِ”، ثُمّ تُجيب أدريانا على الأسئلةِ بالإضافةِ إلى بعضِ النصائحِ حول تعليم آداب حركة المرور والسواقة في الطُرقِ بأنواعها داخل وخارج المُدن، “الأمر الذي يُمْكِن أنْ ينقِذ حياة العديد من شركاءِ الطريقِ العام” بحسبِ قولها.
الشابة الحسناء أدريانا أولتيان من مدينة ريتياج بمحافظة بيستريتسا. والِدها ميكانيكي سيّارات، غرس في نفسها شغف قيادة السيّارات، واتبعت أختها الصُغرى نفس مسار حُب الجلوس خلف مقود السيّارة، وأرجعت أدريانا الأمر لوالِدها بقولها “لقد أرشدني لأصبح سائقة شاحِنة”.
في سن 18، حصلت أدريانا على رُخصة القيادةB، وفي سن 24 تخرّجت من مدرسة قيادة السيّارات فئة الشاحِنات”TIR”، وقبل أنْ تبدأ بجديّةٍ مهنتها عملت في مصنع بمدينة بيستريتسا لمدة 4 سنوات. وتضيف أدريانا “تزوّجْت في سن 22 من نفسِ الصبي الذي قابلته عندما كنت في المدرسةِ الثانويّةِ”.
ذهبا معاً إلى مدرسة لتعليم قيادة السيّارات للذين يريدون احتراف مِهنة السواقة واختارا “الحياة على عجلات”، وانتقلا إلى مدينة ألميريا الإسبانيّة. وتقول أدريانا أمام الصُحفيّة يوليا روشو “الناس ليسوا معتادين بالضرورةِ على قيادةِ النساءِ للشاحِناتِ، ولكن هنا في إسبانيا تُرى الأشياء بشكلٍ مُختلِفٍ، يوجد سائقات شاحِنات في إسبانيا، وكذلك في بلدانٍ أخرى”.
اختارت أدريانا الهِجرة من الطُرق السيّئة في رومانيا إلى الراتب الأعلى كسائقة شاحِنة في إسبانيا، وهي تتغلب على المصاعب مع زوجها ولذلك تعتقد أنّها لم تتعرّض أبداً لحوادِث تحرُّش جنسي أو عُنف جسدي. وتشرح ذلك قائلة “لم أقُدْ شاحِنتي بمُفردي أبداً، لكنّني لن أواجه مُشْكِلة إذا اضطررت لذلك”، وهي تدرك أنّ الطُرق التي تسلُكها بالشاحِنة من إسبانيا إلى النرويج وفرنسا أكثر أماناً.
بالإضافة إلى الراتبِ الكبير الذي تكسبه في أوروبا الغربية، حوالي 5000 يورو شهرياً مع زوجها كعائلة، تقول أدريانا عن سبب عدم اختيارها البقاء والعمل في رومانيا “أنّ القيادة على الطُرق الأوروبيّة السريعة أسهل بكثير وأكثر أماناً من القيادة على الطُرق الوطنيّة في رومانيا حيث معظم الناس يقودون سيّاراتهم عبر البلدات والمُدن الصغيرة والقُرى وهذا أمر خطير للغاية، لأنّ الأطفال يلعبون على جانبي الطريق وقد يقفِزون أمامك، وتوجد عربات تجُرّها الخيول وراكبو دراجات وقد تعترِضك الحيوانات”. وتحفظ أدريانا البيانات الإحصائيّة وتقول “في رومانيا هنالك أعلى مُعدَّل لحوادِثِ الطُرقِ المُميتة بين دول الاتّحاد الأوروبي، حوالي 96 ضحيّة لكلِ مليون نسمة، وفقاً لتقاريرِ مكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات) لعام 2018”.
لا تُحبِّذ أدريانا النوم في الفنادقِ على جانبي الطُرق السريعة، لأنها تقضي راحتها الأسبوعيّة عادة في منزلها في ألميريا. وإذا لم تصل إلى المنزل في الوقتِ المحدّدِ، فإنها تنام في مقصورةِ الشاحِنة، في مواقفِ انتظار السيارات. وتقول أدريانا وكأنّها تصِف منزلاً على عجلات “لدينا الكثير من الأشياء الشخصيّة في مقصُورةِ الشاحِنة، لأننا نقضي 90% من وقتنا فيها. لدينا دولاب للملابسِ، وثلاجة، وميكروويف، ومكان لتخزينِ الطعامِ، وطاولة للأكلِ والتمتّع باحتساءِ قهوة، وسريرين، وقد زينّا شاحِنتنا بستائرٍ، وبساطٍ ناعمٍ، وأضواءٍ مُلونةٍ، ولا ندخل الشاحِنة أبداً بالأحذية، نتركها دائماً على السِلِّم”.
حول أوّل رحلة قامت بها بالشاحِنة في طُرق النرويج تقول أنّها كانت خائفة ومُجهدة “كنت خائفة من حجم الشاحِنة (حوالي 17 متراً). كنت أنظر في المِرايا وشعرت أنّ نصف المقطورة لم ينته، ولطالما اعتقدت أنّها ستصطدم بسيارات أخرى”.
بعد ذلك اكتسبَت الثقة في نفسها وفي مهارةِ قيادتها، ومن الرحلة الثانية بدأت تشعُر بالاسترخاء. وتضيف بفرحٍ طاغٍ “لقد بدأ الأمر يثير إعجابي أكثر وأكثر.”
في أوّل عامين كانت تقوم برحلاتٍ بين إسبانيا والنرويج، وتقول أدريانا “كانت تلك الرحلات طويلة وجميلة، خاصة في الصيف، عندما يكون النهار طويلاً في النرويج. كنّا نحَمِّل الفواكه والخضروات من إسبانيا إلى النرويج ومنها نشحن أسماك السلمون إلى إسبانيا وفرنسا. الشتاء صعب على كل الناس وأصعب بالنسبة لأي سائق خاصة في الشاحِناتِ”. وتتذكّر أدريانا قائلة “ما زلت أتذكّر عندما اضطررت إلى التحميل والتفريغ في بعض الشركات في النرويج ولم أتمكن من إخراج الشاحِنة من ساحة انتظار السيارات بسبب الثلوج، وفي كثيرٍ من الأحيانِ لا تساعدنا حتّى السلاسل التي أضعها على دواليب الشاحِنة مع زوجي، فتنقطِع”. وتضيف “في العامين الماضيين، كانت الرحلات إلى إسبانيا والسويد، وأحيانًا الدنمارك، هي الأكثر تكراراً. نأخُذ الفواكِه والخُضروات إلى دولِ الشمالِ، ومن هناك نعود بالألبانِ ومنتجاتها والحبوب والبيرة لمحلات السوبرماركت في إسبانيا”. وتواصل أدريانا “تأثّرُت بالمناظر الطبيعيّة في شمال النرويج، بالبحيرات والجبال التي تنقُل إليك الكثير من الهُدوءِ والطُمأنينةِ، وأخذت كامل إعجابي المنازل المبنيّة في الغالب من الخشب بهندسةٍ مِعماريّةٍ مُختلِفةٍ عن تلك التي في رومانيا، وهناك العديد من الأنفاقِ تحت الماء”.
عادة تبدأ الرحلة من جنوب إسبانيا (ألميريا) وتنتهي في السويد (هيلسينجبورج)، والرحلات الأطول إلى شمال النرويج.
أنْ تكون سائق شاحِنة يعني أنْ ترى العالم على الطُرق المُمْتدّة العابِرة لحدودِ الدول في أوروبا الغربيّة. وقد وصلت أدريانا في السنوات الأربع الماضيّة إلى البرتغال وفرنسا وإيطاليا ودولة التشيك وألمانيا وبلجيكا وهولندا والدنمارك، وباختصار عبرت أدريانا أوروبا طولاً وعرضاً، وتقول “أحِب هذه المِهنة وأنا سعيدة جداً عندما أكون خلف مقود الشاحِنة. أحِب حقاً القيادة والسفر ومعرفة أماكن جديدة كما أنّ الراتب مُغرٍ وجذّاب”؛ ومع ذلك تتحسّر وتضيف “لكنك تفتقِد العائلة والأحباب الذين تترُكهم خلفك في رومانيا، وتراهم مرة واحدة في السنة في إجازةٍ قصيرةٍ”.
وحول حوادث السواقة لمسافاتٍ طويلةٍ ولصوص الشاحنات، تقول أدريانا “أنّ قيادة الشاحِنات في الطُرق الطويلة لا تخلو من المخاطرِ، سواء كان ذلك بسبب الطقس المُتقلب، أو الثلوج المُتجمِدة على الطُرق، أو من مُستخدِمي الطريق الآخرين أو حتى اللصوص الذين يهاجمون الشاحِنات”. وتستدرك مُتذكِّرة “كان لدينا مؤخراً تفريغ في مدريد، ولأنّنا قًدنا طوال الليل، كُنّا متعبين للغاية وبعد أنْ انتهينا، استرخينا قليلاً. عندما استيقظنا، كان اللصوص قد سرقوا القواعد الخشبية التي تُضع عليها البضائع. قبل ذلك لم يكن لدينا أقفال لها وعندما ذهبنا إلى مدريد، وبسبب سرقتها هناك، حاولنا عدم النوم أو ننام بالتبادل ليكُنْ أحدنا يقظاً. في الشركة التي نعمل بها الآن، وضعوا أقفالاً خاصة لها ولا يمكن سرقتها”. وتواصل أدريانا مُتذكِّرة حادثاً آخر وقع لها في ألمانيا “قُمنا بتحميلِ بطاطس في أكياسٍ كبيرةٍ بوزن طن للواحد، وكُنّا نَحْمِل 20 كيساً. تبقى لنا حوالي ساعة حتى تفريغ الحُمولة، وكان الوقت ليلاً وكنت على المِقوَد. كان الطريق السريع خالياً ولم يكنْ أمامي سوى شاحِنة واحدة كانت تسير ببطء شديد وبدأت في تجاوزها، وظهرت سيّارة صغيرة خلفي. وبما أنّه لم يكُنْ هناك سوى مسارين، كان عليها أنْ تنتظر خلفي حتى أنتهي من تجاوز التي أمامي. أعتقد أنّ السائق الذي كان خلفي انزعج، فاستمرّ في استعمال وميض المصابيح الأماميّة. بعد أن عُدت إلى المسار الأول وتخطاني سائق السيّارة الصغيرة، وقف أمام شاحِنتي وفرمّل فجأة. كنت على وشك أنْ اصطدم سيّارته، لأنّني لم أتوقع ذلك، ولكنني فرملت وفعلت ذلك مرّات عديدة، عندما وصلنا إلى التفريغِ، كانت أكياس البطاطس مائلة بسبب الفرملة وسقط على الأرض أكثر من 500 كجم من البطاطس، ولم يرغب المستودع في تفريغ شاحِنتنا إلّا بعد أنْ جمعنا أنا وزوجي لوحدنا كل البطاطس. لقد فقدت الكثير من الساعات بسبب ما حدث”.
الأسباب الرئيسيّة التي تؤدي إلى تفادي وقوع حوادث على الطريق هي احترام جدول القيادة، كما تقول أدريانا على وجهِ التحديدِ، لأن إرهاق السائقين هو السبب الأكثر شيوعاً لحوادِثِ الطُرقِ. وتضيف “لا يمكنك القيادة لأكثر من 20 ساعة عندما تكون ضمن طاقم، كل سائق 10 ساعات، وبعد ذلك عليكما أن تأخذا راحة لمدة 9 ساعات ثم يمكنكما الانطلاق مرة أخرى”.
وتختم أدريانا حديثها حول عدم وجود طُرق سريعة طويلة وكافية في رومانيا، وتقول “ليس بالضرورة فقط وجود كيلومترات طويلة من الطُرقِ السريعةِ، ولكن تعلُم القيادة وآدابها واستعمال الطُرق هو الأكثر أهميّة”. ومن النصائح الأخرى للسائقة الشابة التي تقدِّمها لمتابعيها على منصة (تيك توك) “احْتفِظ دائماً بمسافةٍ آمِنَةٍ من السيّارةِ التي أمامك؛ احْترِم قواعد المرور؛ عندما تكون الظروف الجويّة غير مواتية يجب تكييف السُرعة وفقاً لذلك؛ وبالطبع يجب تجنُب استخدام الهاتف المحمول أثناء القيادة”، وتضيف “أعتقد أنّ هذه هي الأسباب الرئيسيّة لوقوعِ مُعظمِ الحوادِثِ. في عام 2020 وحده، تم تسجيل 6268 حادِثاً مرورياً خطيراً في رومانيا، مِمّا أدى إلى إصابةِ 5481 شخصاً وتوفي 1644، وفقاً لبياناتِ وتقاريرِ شُرطةِ المُرور”ِ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى