روزنامة الأسبوع

إِنْزِلاقَاتُ الصُّدُوع! …. بقلم: كمال الجزولي

الأربعاء, 14 يوليو 2010

الاثنين

صديقي عالم عباس حلَّ، الأسبوع الماضي، ضيفاً عزيزاً على الرزُّنامة، فعرض، في أحد أيَّامها، لقضيَّة كانت نظرتها محكمة الملكيَّة الفكريَّة بالخرطوم، بين المدَّعي عبد العزيز محمود والمدعى عليه د. عبده مختار، وخلصت فيها إلى أن المدَّعى عليه انتحل، في كتابه (دارفور من أزمة دولة إلى صراع القوى العظمى)، فصولاً بأكملها من المدَّعي دون أن يشير إليه! ومن ثمَّ قضت بإثبات حق المدَّعي، وألزمت المدَّعى عليه بتعويضه مالياً، والاعتذار له في طبعة جديدة يصدرها خصِّيصاً لهذا الغرض! ومن تلك القضيَّة نفذ عالم لمشكلة السَّرقات الأدبيَّة، عموماً، والتي تفاقمت، مؤخَّراً، بشكل مزعج، ولم تعدم من يبرِّر لها، ويدبِّج التنظيرات في شرعنتها!

وأذكر، من خبرتي المهنيَّة، أن الناقد المجتهد عصام أبو القاسم قبض، قبل سنوات، على أحد (متنطعي) الكتابة، وهو (يسطو) على أجزاء من دراسة كان التشكيلي الناقد حسن موسى نشرها في عقد الثمانينات من القرن المنصرم بمجلة (الثقافة السُّودانيَّة)؛ لكن ما أن نشر عصام ملاحظته تلك بالملحق الثقافي لصحيفة (الأيَّام)، حتى انطلق (المتنطع) يفتح أبواب الجحيم عليه، وعلى الأستاذ محجوب محمد صالح، رئيس التحرير، (مُجرجراً) إياهما في المحاكم بتهمة (إشانة السُّمعة)، ومطالباً بـ (معاقبتهما)، وإلزامهما بأن يدفعا له ملايين الجُّنيهات على سبيل (التعويض) .. كمان! والعجيب أنه، مع (اعترافه) باقتراف الفعل المشين، ظلَّ يصرُّ على تسميته (تناصَّاً) وليس (سرقة)، حتى ألقمته المحكمة حجراً، في نهاية المطاف، بتبرئة خصميه، استناداً إلى بيِّنة الخبراء والأكاديميين التي فضحت جهله بالفرق بين (السَّرقة) و(التناص)، وهو الذي يدَّعي احتراف الكتابة .. فتأمَّل!

نعود إلى كلمة عالم، فقد عرَّج فيها إلى حادثة أخرى كشف عنها موقع (لصوص الكلمة) على الشبكة العالميَّة، وكنتُ أحد ضحاياها، حيث لم يعصم سَمْتُ الورع، وادِّعاءُ (التديُّن)، (الشيخَ!) السَّلفيَّ الكويتيَّ حامد العلي عن الإقدام، بكلِّ حُمرة عين، على سرقة أجزاء بأكملها من مقالتي (لاهوتُ البيت الأبيض)، المنشورة بصحيفة (الرأي العام) السودانيَّة عام 2004م، وكذا من مقالات لثلاثة كتاب عرب آخرين، دون أن يكلف خاطره بالإشارة إلى أيِّنا في هوامشه!

وأذكر أنني كنت عرضت لتلك الحادثة، ذات رزنامة سبقت، فأشرت إلى أن موقع (لصوص الكلمة) نفسه حدث أن (قبض)، أيضاً، على فهمي هويدي بالجرم المشهود، حيث انتحل أجزاء بأكملها من كتاب الشيخ يوسف القرضاوي، الموسوم بـ (الإسلام والفن)، والمنشور في موقعه على الشبكة العالميَّة، وضمَّنها مقالته (نظرة في جماليَّات القرآن الكريم)، المنشورة، في 8/12/2004م، بموقع (الشبكة الاسلاميَّة)، نقلاً عن مجلة (المجلة)، دون أن يشير إلى القرضاوي لا من قريب ولا من بعيد! ولم أستطع مغالبة إغواء التعليق، متفكهاً، وشرُّ البليَّة، حقاً، ما يُضحِك، بأن البادي من سلوك هؤلاء الاسلامويين أنهم يعتبرون النتاج الذِّهني لبعضهم البعض (مرابحة)، أو ربَّما (مشاركة)، بينما يعتبرون النتاج الذِّهني لأمثالي من الشِّيوعيين (فيئاً) أو ربَّما (غنيمة حرب)!

ما علينا! لكن أكثر ما لفت نظري في كلمة (عالم)، بوجه مخصوص، هو أنه ضرب مثلاً بنا، ونسي نفسه! فعلى حين يكاد هو يكون أحدث (مجني عليه) في هذا المجال، تعفف عن أن يقول “أنا”، وترفع عن أن يأتي على ذكر شئ مِن مصيبته الخاصَّة، متأسِّياً، في ذلك، بميراث زهده العائلي، وبسيرة الصَّبر على المكاره لدى أجداده أشياخ خلوة الطفولة في فاشر أبو زكريا، وإنْ كنت أرى، شخصيَّاً، أن (الترفع) ليس مُجدِيَاً دائماً!

الحكاية وما فيها أن البروفيسير صلاح الدِّين الدُّومة، نقل، تقريباً، كلَّ مقدِّمة (عالم) للترجمة التي أنجزها النور عثمان ابكر من الألمانيَّة إلى العربيَّة لكتاب جوستاف ناختيقال (سلطنة دارفور: أقاليمها وأهلها وتاريخهم، 2004م)؛ فضلاً عمَّا يربو على نصف ورقة عالم نفسه، الموسومة (في البحث عن الحكمة)، والتي نشرت في عدد من المواقع الأسفيريَّة، وصاغ من العملين معاً، بعد تقديم، وتأخير، وإعادة ترتيبٍ للفقرات، (الفصل الأول) من كتابه (أثر مشكلة دارفور على علاقات السودان الخارجيَّة، 2006م)، عامداً إمَّا إلى نسبة عمل (عالم) إلى سواه، أو مكتفياً بإشارات ملتبسة إليه، وبأسلوب لا يخلو من شبهة التدليس، حيث تتباعد هذه الإشارات، على شُحِّها، عن بعضها البعض، رغم استمرار انسياب (النقل)، حرفيَّاً، من (الأصل)، حتى ليصعب التمييز، على وجه الدقة، بين مواضع انتهاء (عالم) ومواضع ابتداء (الدُّومة). واعلم، يا رعاك الله، أن (السَّطو) يكون قد اكتمل نهائيَّاً، وانغلقت دائرته تماماً، في اللحظة التي تبدأ فيها صعوبة التفريق، داخل نفس النصِّ، بين كلام المؤلف وكلام غيره، دَعْ أن يكون الأخير، من حيث الكثافة والاستفاضة، هو (القاعدة)، في السِّياق، والأوَّل هو (الاستثناء)!

الثلاثاء

رغم معرفتي، سلفاً، بأن فاروق عبد القادر، هرم النقد المسرحي والأدبي المصري والعربي المعاصر، أصيب، قبل أشهر، بجلطة في المخ، وأن حالته ظلت تتدهور، خلال الفترة الماضية، بإيقاع متسارع، إلا أن نبأ رحيله شقَّ عليَّ، كثيراً، لمَّا دهمني في ذلك المساء الحزين من الشهر الماضي، ربَّما لأن إحساساً مبهماً ظلَّ يسكنني، لسبب ما، بأنه سينهض، عمَّا قريب، ويعود، سليماً معافى، إلى أوراقه، وأصدقائه، وندوته المرموقة. ففاروق من صنف الناس الذين يسرِّبون إلى عقلك الباطن، بقوَّة حضورهم الآسر، إيعازاً كتيماً بتنائيهم، دائماً، عن الموت .. وأستغفر الله، ولا قوَّة إلا بالله!

وُلد فاروق في بني سويف عام 1938م. وحصل على ليسانس (علم النفس) عام 1958م. وأصدر أوَّل كتبه عام 1962م. وعمل سكرتيراً لتحرير مجلة (المسرح)، ثم مجلة (المسرح والسِّينما)، حتى نهاية 1970م. كما عمل محرِّراً لملحق الأدب والفن بمجلة (الطليعة) التي أوقفت في مارس 1977م. وفاز بجائزة الدِّراسات الأدبيَّة والنقد، في دورة 1992 ـ 1993م، كما نال جائزة سلطان العويس بالإمارات، مناصفة مع الناقدة اللبنانيَّة يُمنى العيد، عام 1993م، ثمَّ فاز، للمفارقة، بجائزة التفوق في الآداب في بلده مصر قبل 24 ساعة فقط من وفاته، حيث كان ما يزال مغمى عليه، فلم يدر بها!

انتمى الرَّاحل، باكراً، إلى الحزب الشِّيوعي المصري. ومع أنه غادره، إلا أن ماركسيَّته بقيت تفصح عن نفسها من خلال عموم منهجه في النقد والكتابة الإبداعيَّة. وقد روى بنفسه، في بعض حواراته، أن تلك العلاقة وفرت له التوازن الضروري بين النظر إلى الفرد، وبين ادراك العوامل الاجتماعيَّة والطبقيَّة الموجودة في الواقع؛ وأن كتاب (الثقافة المصريَّة) لعبد العظيم انيس ومحمود امين العالم، والذي ظهر على أيَّام سنواته الجامعيَّة، بمنهجه المختلف عن السائد، وقتها، كان كثير التأثير عليه وعلى جيله؛ مثلما تأثر، كذلك، بمجموعة علامات مضيئة على مداخل الفكر اليساري في النقد المصري والعربي، كمحمد مندور، وشكري عيَّاد، وعلي الرَّاعي، وغالي شكري، وغيرهم (الشرق الأوسط، 21/1/05).

فاروق عاش وحيداً، لم يتزوج حتى وفاته عن عمر يناهز الـ 72 سنة. وعلى حين لم يكن نادماً على ذلك القرار، ولا فخوراً به، كان يقول إن عدم تحمُّله مسؤوليَّة زوجة وأبناء دفعه للمحافظة على استقلاله عن مؤسَّسات الدَّولة، فلم يلتزم لصحيفة رسميَّة، ولم ينشر كتبه لدى أيٍّ من الهيئات الحكوميَّة (موقع “منبر الرأي” على الشَّبكة الدوليَّة، 22/6/10).

وفي حواره المار ذكره مع (الشَّرق الأوسط) كشف فاروق عن أن اهتمامه بالمسرح، كفنٍّ جادٍّ يردم هوَّة التواصل مع الجماهير، يعود إلى خمسينات وستينات القرن الماضي، والتي شهدت حركة صعوده في مصر، مثلما شهدت ظهور موجة جديدة من كتابه وفنانيه ونقاده، كنعمان عاشور، والفريد فرج، وسعد الدين وهبة، ويوسف إدريس، وعبد الرحمن الشرقاوي، وفرقة المسرح الحر التي تكوَّنت كأوَّل استجابة ليوليو 1952م.

من ذلك الحين توالت أعمال فاروق في مجال النقد المسرحي، ومن أبرزها: (البحث عن اليقين المراوغ، 1965م)، (مسافر إلى بلاد الضَّباب، 1965م)، (مساحة للضوء .. مساحات للظلال، 1967م)، (ازدهار وسقوط المسرح المصري، 1979م)، (نافذة على مسرح الغرب المعاصر، 1987م)، (أوراق من الرَّماد والجمر، 1985م)، (رؤى الواقع وهموم الثورة المحاصرة: دراسات في المسرح العربي المعاصر، 1990م)، (من أوراق الرفض والقبول، 1993م)، (من أوراق التسعينات: كراسة سعد الله ونوس وأعمال أخرى، 2002م)، (في المسرح المصري ـ تجريب وتخريب، 2004م). كما ترجم نصوصا لبيتر بروك وغيره من أعلام المسرح الإنجليزي.

وقد اعتنى الرَّاحل، أيضاً، بالسَّرد المصري والعربي، ومن مؤلفاته في هذا المجال: (من أوراق الزمن الرخو: شرفات ونوافذ، 2006م)، والذي عرض فيه لأعمال طائفة من أهمِّ السَّرديين المصريين والعرب، كنجيب محفوظ، والطيب صالح، وعبد الرحمن منيف، وإبراهيم أصلان، ومحمد المخزنجي، ومحمد البساطي، وعلاء الأسواني، وبهاء طاهر؛ وقد خصَّص أحد أواخر كتبه لجيل التسعينات، تحت عنوان (في الرِّواية العربيَّة المعاصرة، 2004م)، حيث قرأ 40 رواية كي يختار منها 15 نصَّاً جعلها موضوعاً لدراسته تلك. ومن استنتاجاته المثيرة للجَّدل أن رواية الجيل الجديد في مصر والعالم العربي، وبسبب فقدانه الأمل في المستقبل، وتعرضه للبطالة وتزييف الوعي لفترة طويلة، إنما هي رواية بعيدة كل البعد عن الاهتمام بالمجتمع، أو بالناس، بعد مرحلة طويلة من الروايات التي لها طابع اجتماعي، حيث نجد في الرِّواية الجديدة الاهتمام بـ (الفرد) كـ (وحدة معزولة) تقطعت روابطها بالناس والمجتمع والعالم، وليس كعضو في نظام اجتماعي. لكنه ظلَّ، مع ذلك، شديد الثقة في أن هذه مرحلة طبيعيَّة ستنتهي، حيث سيتولى الزَّمن غربلة كلِّ شئ.

أشتهر فاروق بالاستقامة، والصِّدق، وعدم المجاملة، في ما يصدر عنه من آراء نقديَّة، وقد قال ما يعتقد، بشجاعة، عن أسماء كبيرة في المسرح والرِّواية والمشهد الثقافي العام، دون أدنى اعتبار لمن يسعده ذلك أو يغضبه!

لقد أشار (مركز المحروسة للنشر والخدمات الصحفيَّة والمعلومات) إلى هذه الناحية، عند تقديمه لكتاب فاروق (في المسرح المصري ـ تجريب وتخريب)، حيث قال: “ليس كل ما يضوى ذهباً، ووسط الأضواء الملوَّنة المُبهرة، ومع ارتفاع صخب الطبل، والزَّمر، وتهليل الإعجاب، والاستحسان، قد تغيب الرُّؤية، ويختلط الأصيل بالمزيف .. حينئذ ينهض دور الناقد النزية، المسلح بالعلم والمعرفة، والمستند إلى تاريخ طويل من الخبرة، كى يفرز السَّمين من الغث، والصَّادق من الكاذب، والجَّاد من العابث. فاروق عبد القادر، الناقد الكبير، بنزاهته المعهودة، وشجاعته على قول الحقيقة، وبمعاييره الدقيقة، وأسلوبه السلس الجميل، ينفذ إلى جوهر العروض المسرحيَّة والمهرجانات، متخطيا ضباب الدِّعاية، متجاوزاً دخان حارقى البخور، ليقدِّم تحليلاته وتقييماته لما يحدث فى المسرح المصري”.

كذلك أشار فاروق نفسه إلى هذه الناحية، في مقدِّمته لإحدى طبعات كتابه (رؤى الواقع وهموم الثورة المحاصرة: دراسات في المسرح العربي المعاصر)، بتعرُّضه لأربعة من ألمع الأسماء في فضاءات المسرح المصري والعربي، وهم: عبدالعزيز حمودة، العميد السَّابق لكليَّة الآداب بجامعة القاهرة، وسمير سرحان، الرئيس السَّابق لهيئة الكتاب المصري، ومحمد عناني، أستاذ الأدب الإنجليزي بكلية الآداب بجامعة القاهرة، وفوزي فهمي، الرئيس السَّابق لأكاديميَّة الفنون ورئيس مهرجان القاهرة الدَّولي للمسرح التجريبي، قائلاً: “أصارح القارئ بأنه قد لفت نظري، وأنا أعدُّ هذه الطبعة الجديدة، ما جاء عن مسرح أولئك (الدكاترة الأربعة)، من أن مسرحهم لا يدعو إلى شئ ولا يبشر بشئ ، وهو مسرح آمن لأنه يأتي بعد الأحداث، تالياً عليها، ذيلاً لها (..) هم جميعا لا يتطلعون نحو الجماهير، ولا يعنيهم أمرها، لكنهم متعلقون بأذيال السُّلطة، وهم، من ثمَّ، حريصون على إرضاء المسئولين، وترديد أفكارهم، وتنظير نزواتهم، والدِّفاع عن مصالحهم (..) إن المسرح عندهم لا يحمل رسالة ما، هو ليس (مركب أفكار) يعنيهم أن يوصلوها لجمهورهم، إنما هو، ببساطة، وسيلة ارتزاق وصعود وتواجد في السَّاحة الثقافيَّة، ورخصة شاملة للبقاء في مواقع القيادة من هذه السَّاحة .. وقد تحقق لهم ما كانوا يتطلعون إليه، فشغلوا، وما زالوا يشغلون، مواقعهم المؤثرة في أجهزة الثقافة الرسميَّة، ومنها إلى السُّلطة، والشُّهرة والمال، والحياة الرَّخيَّة”! كان فاروق، إلى ذلك كله، مهتماً، أشدَّ الاهتمام، بالنتاج الإبداعي والفكري السوداني؛ وقد احتفى، بالأخص، بالطيب صالح، وعلي المك، ومحمد المكي إبراهيم، ومروان حامد الرشيد، وأغلب إصدارات مركز عبد الكريم ميرغني ودار مدارك. ولكم يحزنني أن ظروفي لم تسمح، أبداً، بتلبية دعوته المتكرِّرة لي، مباشرة عبر الهاتف، أو عن طريق صديقنا المشترك الشَّاعر والكاتب الياس فتح الرَّحمن، لحضور منتداه الأسبوعي الذي يديره بمقهى وسط القاهرة، مبدياً إعجابه بأعمالي الشِّعريَّة شبه الكاملة (أم درمان تأتي في قطار الثامنة)، إضافة إلى ثلاثة من كتبي، هي: (الآخر)، و(إنتلجينسيا نبات الظل)، و(نهاية العالم خلف النافذة)، حيث اقترح مناقشتها في بعض جلسات المنتدى؛ وكنت أنشغل، فأؤجِّل ذلك، المرَّة تلو المرَّة، وما دريت أن الزَّمن غدَّار متلاف إلى هذا الحد!

رحم الله أستاذنا الناقد الكبير، والمفكر الفذ، والمثقف الثوري، وغفر له، وعافاه، وعفا عنه، ولقاه الأمن والبشرى، والكرامة والزلفى، وجعله في منازل المقرَّبين إليه، المرضي عنهم منه، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

الأربعاء

في حلقة نقاش انعقدت، الأسبوع الماضي، بقاعة الشهيد الزبير، تحت عنوان: (تزكية المجتمع بين السُّلطان والوجدان)، لم يجد العقيد ماهر عبد الله، مسئول فرع الجنايات بإدارة أمن المجتمع، كفاية في النطاق الواسع لشبكة القوانين التي تسند عمل إدارته، كـ (القانون الجَّنائي)، و(قانون الصيدلة والسُّموم)، و(قانون المخدِّرات والمؤثرات العقليَّة)، وغيرها، فطالب، بل لعله (بشَّر) بصدور قانون جديد يجري سنُّه، ووصفه بأنه أكثر (مواكبة) من (قانون النِّظام العام لسنة 1996م) الحالي (الصَّحافة، 9/7/10).

قد لا نجد مبرِّراً منطقيَّاً لإلقاء أيِّ لوم على عاتق النِّظاميين التنفيذيين حين تنصبُّ مطالبتهم على سنِّ قوانين (مواكبة) لشواغلهم وهمومهم في ملاحقة وضبط ما قد يعتبره المشرِّع (جريمة)، دون أن تكون لهم كلمة في ما إنْ كانت تلك القوانين (عادلة) أم لا، فهذا، بالأساس، عمل المشرِّعين والقضاة. ولذا فإن علينا أن نضع هذا التقدير نصب أعيننا، ونحن نستقبل مطلب العقيد ماهر، مثلما فعلنا، قبل عشر سنوات، إزاء الطرح الصريح الذي تفضَّل به مدير شرطة النظام العام بولاية الخرطوم، وقتها، من خلال مساهمته في ورشة العمل التي شاركنا فيها معاً، وكان نظمها مركز التدريب القانوني بالخرطوم من 8 إلى 10 فبراير 2000م، بعنوان (قانون النظام العام ومدى مساسه بالحقوق والحرِّيَّات). وكنت صوَّبت نقدي، ضمن الكثير مِمَّا تناولت من مواد ذلك القانون، إلى المادّة/7/1/ب التي تحظر الرَّقص المختلط بين النساء والرجال، كما تمنع رقص النساء أمام الرجال، كشرط لـ (قانونيَّة) الحفلات. وبافتراض أن المشرّع يدرك واقع التنوُّع الثقافي في السودان، حيث تشيع الطقوس الاحتفاليَّة المختلطة، فإن الأمر الوحيد الذي أمكنني استنتاجه، هو أن المشرّع يفترض أن (العاصمة) بلد آخر (!) وسكانها شعب آخر (!) ولذا فالمنطق الوحيد الذي يتأسَّس عليه القانون المطبق فيها، ومدى إلزاميته بالنسبة لأهل السودان (الآخرين) عند قدومهم إليها، هو نفسه المنطق الذي يفرض عليهم الخضوع لقانون الدولة (الأجنبيَّة) عند حلولهم (ضيوفاً) عليها! غير أنني لم أندهش، البتة، لتعقيب مدير شرطة النظام العام على قولي ذاك، بل اعتبرته (أصاب) كبد الفهم الدقيق لمنطق الاقتصاد السِّياسي الكامن في خلفيَّة هذا النص، إذ قال بالحرف الواحد: “مَن كان لا يرغب في الخضوع لهذا القانون، فإن عليه ألا يأتي إلى هذه الولاية”!

عدم عدالة هذا القانون لا تقتصر على أهل الهامش وحدهم، بثقافاتهم المتنوِّعة، بل تطال، أيضاً، جنس النساء، من حيث هنَّ نساء! إذ يمكن، لأعجل نظرة، أن تبصر، في هذا القانون، القدر الهائل من التحيُّز ضدَّ المرأة، الناشئٌ عن نظرةٍ ذكوريّةٍ مترتبةٍ على أوضاع اقتصاديَّةٍ سياسيَّةٍ واجتماعيَّةٍ ثقافيَّةٍ ظالمةٍ للمرأة، بشكلٍ عام، وعن موقفٍ فكريٍّ متوارثٍ تاريخيّاً، داخل الجَّماعة العربيَّة المسلمة الأكبر في المنطقة، وبالتبعيَّة داخل الجَّماعة المستعربة المسلمة الأصغر في السودان، مَدْخُولاً ومُلتبساً بتأثيراتٍ إغريقيّةٍ ورومانيّةٍ وفارسيَّةٍ بعيدةٍ كلَّ البعد عن جوهر التعاليم والتوجيهات والمقاصد الكليَّة للإسلام بشأن المرأة.

فوضع المرأة في إطار الحضارتين الإغريقيّة والرومانيّة كان وضع الكائن المهمَّش، أو هو بالأحرى وضع (المتاع المصون)، حتى أن أفكار أرسطو حول تعليم المرأة اعتبرت، بالمقارنة لاحقاً، أفكاراً ثوريَّة. وكان الفرس أيضاً يعتبرون المرأة كائناً شرِّيراً قادراً على جلب النحس وتخريب الدنيا، فكانت تعامل على هذا الأساس! وقد اجتمع استضعاف المرأة مع تهميشها في مجتمعات القرون الوسطى البربريَّة، الجيرمانيَّة، الصِّربيَّة والآريَّة، حيث سادت العقليَّة الثيوقراطيَّة، باجتهاداتها الفقهيَّة الكنسيَّة، التي تبرِّر ذلك الاستضعاف والتهميش.

أما الإسلام فقد اتخذ، على النقيض من ذلك، ومنذ فجره الباكر، موقفاً إيجابيَّاً من المرأة، إذ نَزَل القرآن الكريم منزِّهاً لها من صفات الشَّيطان الرَّجيم، جالب الشرِّ، التي كانت ألصقت بها: “فاستجاب لهم ربهم إني لا أضيِّع عمل عاملٍ منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض” (195 ؛ آل عمران) ـ “إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعدَّ الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً” (35 ؛ الأحزاب). وتلاحظ باحثة مسلمة مجتهدة أن هذه الآية، على وجه التخصيص، تنصّ بوضوحٍ “.. على أن الجنسين متساويان، وبدقة، بصفتهما أعضاءً في الجماعة، فالله يُفاضل بين هؤلاء الذين هم جزء من أمَّته، هؤلاء الذين لهم الحقّ في ثوابه بدون حدٍّ. وليس الجنس هو ما يحدِّد فضله. إنه الإخلاص والرغبة في خدمته وطاعته” (فاطمة المرنيسي؛ الحريم السِّياسي ـ النبي والنساء، ط 2،  دار الحصاد، دمشق 1993م، ص 150). ويمكن التماس أدلة كثيرة في هذا المجال من سيرة النبي (ص)، ومن سلوك صحابته الأجلاء والسَّلف الصالح.

فمن أين، إذن، تسلل مفهوم (الحريم ـ مصدر الشَّر) إلى (تديُّن) وثقافة المسلمين العرب، والمستعربين السودانيين بخاصة؟! والإجابة: من تركيا! لقد جاءنا هذا المفهوم في السودان، مثلنا مثل كل بلدان الشرق التي كانت قد اخضُعت وألحقت بتركيا، ليس من الإسلام، وإنما من هذا البلد الذي تأثرت ثقافته، إلى حدٍّ بعيد، بثقافة القبائل الآريَّة التي كانت قد نَزَحَت من منطقة بلاد البلقان، حاملة معها الفكرة الفارسيَّة عن (المرأة ـ الشر) لتتلاقح مع الفكرة الرومانيَّة عن (المرأة ـ المتاع) لتنتج، منذ ذلك الحين، النظرة السَّلبيَّة التي ما زالت تؤثر، حتى الآن، على معاملة الرجل الأوربي العادي للمرأة، بالأخصِّ في منطقة البلقان. وقد لعب انتهاء الخلافة الرَّاشدة، وتحوُّلها إلى ملكٍ عضود، بانتقالها إلى الشَّام ثمَّ إلى بغداد، أي إلى مركز الثقل بالنسبة لتأثير الحضارتين الرُّومانيَّة والفارسيَّة، الدور الأكبر في تعطيل الإسلام المستنير، والابتعاد عن أصوله في القرآن والسُّنة، في ما يتصل بمسألة المرأة. وبعد أيلولة الخلافة إلى الباب العالي كان لا بُدَّ أن تنداح دوائر ذلك الأثر الثقافي السالب لتركيا، كي تطال كافة الأصقاع التي انبسطت سلطتها عليها، ومن بينها السودان (أنظر: مبحثنا “في الاقتصاد السِّياسي للنظام العام ـ قانون النظام العام لسنة 1996م نموذجاً”، نشر على حلقات بجريدة (الصحافة)، يونيو 2000م).

ظلم هذا القانون لأهل الهامش، ولجنس النساء، ولعلاقات الجِّيرة، بل للعلاقات الأسريَّة نفسها، يتبدَّى في كلِّ موادِّه تقريباً، وليس ثمَّة أساس للاعتقاد بأيِّ خير في أيِّ قانون بديل يصدر، دون إصلاح جذري لهذه الذهنيَّة الرَّابضة خلف النصوص الحاليَّة!

الخميس

حلايب خنجر حقيقي من الخناجر المغروسة في خاصرتنا الوطنيَّة، فلا يصحُّ أن تستحيل محض مناسبة لـ (التهارُش) الموسمي بين بلادنا وبين مصر! حرِّروها، سلماً، يرحمكم الله، فثمَّة أكثر من سبيل لذلك، أدناها التحكيم الدَّولي، إنْ لم تكن محكمة العدل الدَّوليَّة!

الجمعة

في أبوجا بدأت الحكومة مفاوضاتها، أصلاً، مع عبد الواحد، ولما رأته لا يستجيب لرؤيتها، أدارت له الظهر، واتجهت لإبرام الاتفاقيَّة مع مناوي الذي استجاب شيئاً!

لكن مناوي، عندما اكتشف أنهم جعلوه مجرَّد “مساعد حلة!”، كما قال، بدأ يتململ، ثمَّ (أضرب!) عن العمل، فجأة، قبل أن يظهر، مغاضباً، بلباس الميدان، وسط قواته في دارفور! ولم يُنهِ إضرابه حتى اجتمع به علي عثمان في الفاشر، وأبرم معه (مصفوفة زمنيَّة) لتنفيذ اتفاقيَّة أبوجا، وهي (المصفوفة) التي نسيت فور توقيعها!

في الأثناء، وعلى حين راح موقف مناوي يتضعضع على الأرض، استقوى خليل، بدعم من انجمِّينا، جزاءً للحكومة على دعمها للمعارضة التشاديَّة التي كادت تطيح بدبِّي مرَّتين على الأقل؛ وفي السِّياق دخل خليل أم درمان بقوَّاته عام 2008م!

القوى الإقليميَّة والدَّوليَّة نفسها التي دفعت باتجاه أبوجا ما لبثت أن اكتشفت الخطأ الذي ارتكبته، فعادت تبحث عن سبيل آخر للسلام، حتى أفضى بها البحث إلى الدَّوحة، برعاية أفريقيَّة دوليَّة، ودخلت إنجمِّينا على الخط، فأوصلت خليل والحكومة إلى بروتوكول إطاري لأوَّل مرَّة، قبل أن يستأنفا مفاوضاتهما في الدَّوحة!

وفي الدَّوحة اصطدمت الوساطة بأن عبد الواحد ما زال يستعصم بـ (شروطه) القبْليَّة للتفاوض، وهي: تحقيق الأمن، أولاً، على الأرض، ونزع سلاح الجنجويد، وطرد المستوطنين النيجريين والماليين من حواكير الإقليم، وتمكين أصحابها السُّكان الأصليين منها! لكن الوسطاء والمضيفين استصعبوا هذه الشروط، وبالنتيجة أصابهم اليأس من ضمِّ الرَّجل إلى التفاوض، فصرفوا النظر عنه!

ومع أن الحكومة كانت قد بدأت مفاوضاتها، أصلاً، مع خليل، إلا أنه ما لبث أن أصرَّ على أن يجري التفاوض مع حركته وحدها، فأدارت له الظهر، وذهبت، يساعدها الوسطاء والمضيفون، ترتب للتفاوض مع مجموعة فصائل انشقت عن حركاتها الأصل، وتجمعت على عجل، باسم (حركة التحرير للعدالة)، تحت قيادة تجاني السيسي. لكن أحداً لم يسمع بها من قبل!

فجأة، فتحت مصر أبوابها على مصاريعها لأضخم وفد من حركة خليل، برئاسته، قضى أسبوعاً في القاهرة، وأجرى مباحثات مع قيادات عليا في الدَّولة. وفور انتهاء تلك الزيارة التي وترت علاقات السودان بمصر اتجه خليل ووفده إلى دارفور، مروراً بطرابلس وإنجمِّينا!

على أن المياه التي جرت، في الأثناء، تحت الجسور، غيَّرت، في ما يبدو، موقف إنجمِّينا إزاء خليل 180 درجة، حيث رفضت السَّماح له بدخولها، وأتلفت جوازاته هو ومرافقيه، وأمرت طائرته بالعودة من حيث أتت .. فعادت إلى طرابلس!

وجود خليل في طرابلس طوال الأشهر الماضية وتر، في ما يبدو أيضاً، أجواء العلاقات السودانيَّة الليبيَّة، حيث تطالب الخرطوم طرابلس بـ (إرغامه) على الذهاب، فقط، إلى الدَّوحة لإبرام اتفاق سلام معها، في حين تكتفي طرابلس الرَّسميَّة بالصَّمت، فلا هي تستجيب للمطالبة، ولا هي تجاهر برفضها! لكنها، في الوقت نفسه، لا تخفي تحريضها على تأسيس منبر جديد للتفاوض في طرابلس، بدلاً عن الدَّوحة!

فجأة تنقل الصحافة وأجهزة الإعلام خبر لقاء عبد الواحد، في باريس، بأحمد العبد الله، وزير الدَّولة القطري للخارجيَّة، وجبريل باسولي، الوسيط الأفريقي الدَّولي، وإبداء موافقته المبدئيَّة على التشاور حول مقترح مشاركته في منبر الدَّوحة، متخلياً، بالمرَّة، عن كلِّ (لاءاته) السَّابقة (وكالات وقنوات، 10/7/10).

وبعد، ليت عبد الواحد استشار منذ البداية، فلما كان سيجد نفسه في وضع يصعب عليه فيه أن يدفع عن نفسه تهمة الخضوع لضغط الجيوبوليتيكا الفرنسيَّة التشاديَّة، وأن يبرِّر تغييره المفاجئ لتشدُّده القديم! وليت د. خليل ما أصرَّ على أنه وحده من يُفترض أن يجري التفاوض معه، واستجاب لمقتضيات مكانة من يتمتع، حقاً، بالقوَّة الماديَّة والمعنويَّة في الإقليم، فعمل على جمع الآخرين حوله، محاربين ومدنيين، لكان يسَّر، إذن، التوصُّل إلى حلول جذريَّة لهذه المعاناة الطويلة! وأخيراً، ليت مجموعة تجاني السيسي عرفت، أصلاً، قدر نفسها، ورفضت أن تلعب مثل هذا الدَّور، فلما كانت ستضطرُّ لـ (استلاف) هذا التشدُّد المفاجئ المضحك في المطالبة بالإقليم الواحد، وبمنصب نائب رئيس الجُّمهوريَّة، في ذات اللحظة التي اكتشفت فيها أن مقعدها في الدَّوحة معروض للبيع!

السبت

كتب صديقي فيصل محمد صالح، ذات (أفق بعيد)، حول مدى تأثير (السِّحر) و(الخرافة) على الشعب المصري، كأحد شعوب العالم الثالث؛ وعقبتُ عليه، ذات (رُزنامة) سلفت، بما كنا لاحظنا، على أيام دراستنا في كنف الشعب (السُّوفيتي)، زعيم العالم الاشتراكي في زمانه، من تأثر ثقافته، هو الآخر، بـ (السِّحر) و(الخرافة)، لدرجة أن ليونيد بريجنيف، السكرتير العام الأسبق للحزب الشِّيوعي، وقتها، لم يجد ما يشبِّه به خوف الإدارات البيروقراطيَّة من استخدام منجزات الثورة العلميَّة التكنولوجيَّة في دورات الإنتاج، سوى “خوف الشيطان من البخور ـ كاك تشورت أت لادينا”، أو كما قال!

والآن، ها هو مونديال كأس العالم بجنوب أفريقيا يؤكد، أيضاً، على أهميَّة (السِّحر) و(الخرافة) في حياة أيِّ شعب، وكاشفاً عن وجهٍ آخر من وجوه التعلق بها في البلدان الرَّأسماليَّة، من خلال ظاهرة (الأخطبوط العرَّاف بول) الذي درج على التنبُّؤ بنتائج المباريات! وكان آخر ذلك فوز إسبانيا على ألمانيا، تماماً وفق نبوءته التي كان أدلى بها، قبل المباراة، في بثٍّ تلفزيونيٍّ حيٍّ ومباشر، نقلته كبريات الفضائيَّات من (حوض الحياة البحريَّة) في مدينة أوبرهاوزن بغربي ألمانيا، مِمَّا أكسبه كراهيَّة ملايين الألمان، بل وتهديدهم بشيِّه وأكله، الأمر الذي استدعى تدخُّل خوسيه ثاباتيرو، رئيس وزراء إسبانيا، منذراً بإرسال قوَّة إسبانيَّة لحماية الأخطبوط!

وأمس الجمعة 9/7/2010م، عاد (الأخطبوط بول)، حسب ما أوردت الـ (سي إن إن) من نفس الموقع، للتنبؤ بانتصار إسبانيا على هولندا، في المباراة النهائيَّة مساء غدٍ الأحد، وفوزها، من ثمَّ، بكأس العالم!

وعند نشر هذه الرزنامة بعد غدٍ الإثنين تكون نتيجة المباراة قد عُرفت في كلِّ أنحاء المعمورة؛ فهل، تراها، تصدق نبوءة (بول)، فيزداد بريقاً وأهميَّة، وربَّما يقرِّر حلف الناتو أن يشتريه من صاحبه، ليعهد إليه بمهام أعظم وأجل من مجرَّد التنبُّوء بنتائج المباريات؛ أم سيكذب الهولنديون نبوءته، هذه المرَّة، فينطفئ بريقه، ويصبح مضحكة لـ (اليسوَى والما يسواش)، ويُحال، من فوره، على المعاش!

الأحد

إحتمالان لا ثالث لهما: فإما أن الذي وقع بعد ظهر أمس الأوَّل، ووصفته (هيئة الأبحاث الجيولوجيَّة) بأنه هزة أرضيَّة من النوع الموضعي المحلي الناتج عن تأثيرات خارجيَّة، قد اقتصر أثره، فقط، على مدينة الخرطوم، أو أنني لم أشعر به في بيتي، بمدينة الخرطوم بحري، لأنني كنت غافياً! ورغم عدم إلمامي بعلم الجيولوجيا، إلا أنني أغلب الاحتمال الأوَّل، مستبعداً أن تقع هزة في مدينة الخرطوم بحري، ولو بقوَّة 3 درجات على مقياس رختر، ولا أشعر بها، لمجرَّد أنني غفوت، أي حتى لم أنم تماماً!

على العموم لقد طمأننا اللواء عبد الله عمر الحسن، مدير الدِّفاع المدني بالولاية، إلى أن “السودان خارج منطقة الحزام الزَّلزالي”، يعني لن يضربه زلزال، كما أن مختصِّين في (الهيئة العامَّة للأبحاث الجِّيولوجيَّة) أكدوا ما معناه أن الهزَّات، حتى إنْ كانت متوقعة في أواسط السودان، فبسبب “تجدُّد انزلاقات الصُّدوع التي كوَّنت الأحواض الرُّسوبيَّة”!

لا أستطيع، بطبيعة الحال، أن أدَّعي فهم هذا الكلام الكبير على جميع وجوهه ودقائقه؛ غير أن ما فهمته منه هو أن المسألة بسيطة! فلقد وقعت دلالته عندي، على أيَّة حال، موقع حكاية الأعرابي مع الخليفة المنصور بالمسجد؛ حيث وقف الخليفة يخطب، قائلاً:

ـ “أنظروا! منذ أن وُليت عليكم رفع الله عنكم الطاعون”!

فإذا بأعرابي يبرطم من آخر المسجد قائلاً:

ـ “ويحك! إن الله لأرحم من أن يسلط علينا الطاعون مع المنصور”!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى