حوارات

أول حوار شامل بعد الاستقالة، النائب العام السابق تاج السر الحبر لـ (الديمقراطي): هذا ما جرى.. (٣-٣)

-إن كان ثمة تأخير في تطبيق القانون فهو يرجع لعدم التعاون الإيجابي من قبل الأجهزة الشرطية والأمنية مع المؤسسات العدلية وعدم مد النيابة بالمعلومات المطلوبة وتنفيذ الأوامر الصادرة من النيابة العامة

– ما أحزنني حقاً هو أن هذا (الأوكتاي) لا أعرفه ولم أره من قبل

شكلنا (نيابة الرئاسة) لمتابعة قضايا الشهداء والانتهاكات وقامت بأعمال كبيرة

قضية (وداد) لم أُدخل فيها يدي إطلاقاً وبدأت واستمرت كقضية ثراء حرام وصدر فيها قرار من وكيل نيابة الثراء الحرام

لجنة التفكيك أصدرت قرارات بفصل أشخاص بالنيابة ليس لهم علاقة بالنظام السابق ولم نعلم الآلية التي تم اتباعها في اتخاذ القرار

في 2/5/2021 وهو نفس يوم صدور قرار لجنة التفكيك بفصل وكلاء النيابة والقضاة تقدمت باستقالتي وتم الاصرار عليها لأن إصلاح الأجهزة العدلية من مهام مفوضية إصلاح الأجهزة العدلية وفق قانون 2020
/////////

تابعت صعود الأستاذ تاج السر علي الحبر/ المحامي إلى منصب النائب العام، وكان صعوداً صعباً ومرهقاً. إذ تردد الرجل كثيراً في قبول المنصب، وتداخل كثيرون من أجل إقناعه باعتبارها مهمة وطنية تقتضيها ظروف المرحلة التي تجتازها البلاد بعد العقود الثلاثة العجاف التي تحطّمت خلالها أسس العدالة وقواعد دولة القانون ضمن الدمار الشامل الذي طال كل وجه من أوجه حياة السودانيين.
وبأريحية هي بعض طبع الرجل؛ قبل المنصب على أمل أن يُصلح مع الآخرين بعض ما أفسده دهر الانقاذ. لكنه صادف ما توقّعه تماماً منذ أن وضع قدمه في النيابة العامة، ومنذ أن أطل من موقعه ذلك على مجريات الأحوال داخل جهاز الدولة التي لم تكن تسعفه ولا تسعف نيابته حديثة التأسيس ”٢٠١٧“ في اكتمال هيكلها أو إعادة هيكلتها لتؤدي واجبها كمؤسسة عدلية مستقلة، فتقدم باستقالته ثلاث مرات متتالية ورُفضت؛ إذ لم يكن يقبل لنفسه ولا لبلده أن يتحمل لعنة الفشل في إصلاح القوانين والمؤسسة العدلية برمتها بعد أن تعثرت أعمال مفوضية الإصلاح المقترحة، مع ضغط الرأي العام المتكاثف والمتصاعد الذي يريد أن يرى العدالة تأخذ مجراها، وأن تسترد الحقوق المنهوبة، وأن ينال الوالغون في دماء الناس العقاب المستحق. وفعل الرجل كل ما يستطيع في ضوء الظروف العقيمة والمحبطة، حتى جاءت لحظة فارقة، عندما تدخل بعض أفراد الجهاز التنفيذي -لجنة تفكيك التمكين- بفصل بعض العاملين معه دون علمه أو أخذ رأيه، الأمر الذي اعتبره إهداراً لاستقلال النيابة، وتهميشاً لدور النائب العام باعتباره سلطة التحقيق والاتهام العليا في البلاد، فتقدّم باستقالته الرابعة وأصر عليها إلى غير رجعة.
تفاصيل تلك التجربة والمسيرة القصيرة في أروقة النيابة العامة يجدها القارئ في هذا الحوار الشامل الذي خَصَّ به مولانا تاج السر الحبر (الديمقراطي) مشكوراً..

حوار- طه النعمان

* هنالك الكثير من اللغط يدور حول إطلاق سراح المستثمر التركي أوكتاي، قبل أن تنشر النيابة طلب إذن له بالسفر من قبل مجلس السيادة لأسباب تتعلق بالكهرباء والاستثمار كما ورد في الطلب، فهل كان من الضروري أن تستجيب النيابة لذلك الطلب، وما هي تفاصيل ما حدث؟
قبل الإجابة أشكرك كثيراً لإثارتك هذا الأمر، بالنسبة لقضية أوكتاي فإن البلاغ ضده قد فتحته منظمة (زيرو فساد) وكلكم تعلمون ماهية هذه المنظمة واختفاءها واخفاء أحد مؤسسها من المشهد، وفُتح البلاغ على أساس أن أوكتاي جاء كـ (ترزي) إلى السودان وأثرى ثراءً حراماً، وهو شريك استراتيجي لشركة (سور) التابعة للقوات المسلحة . كانت تجرى التحريات حينها تحت طائلة الثراء الحرام، والثراء الحرام لديه قانون يحكمه صدر في العام ١٩٨٩م ولائحة تحكم الاجراءات. ووفقاً لنصوص هذا القانون يتم التحري والتحقيق من قبل وكيل النيابة المختص ، وحدث ذلك أن حقق أحد وكلاء النيابة مع هذا المتهم تحقيقاً تفصيلياً لمدة أسبوعين، ثم اعيد استجوابه مرة أخرى لمدة اسبوعين وتم حصر ممتلكاته بالاضافة إلى كيفية وصوله إلى السودان، وأشياء أخرى لا أستطيع الإفصاح عنها لأنها قضية أمام سلطات التحقيق والتحري، لكن وفقاً لقانون الثراء الحرام فإن أي شخص يُتّهم يتم التحقيق معه ومعرفة مصادر ثروته وكانت هنالك بينة مبدئية تُحجز ممتلكاته ويتم إطلاق سراحه بالضمانة. هذا المبدأ تم تطبيقه في عدة قضايا ولم يُثِر ضجة.
بعد التحقيق وجّهت بالحجز على كل ممتلكات أوكتاي والإفراج عنه بضمانة ضامن كفؤ وبمبلغ كفالة يصل إلى أربعة ترليون جنيه سوداني على ما اذكر وكفاءة الضامن أمر متروك لوكيل النيابة المختص. أما الخطاب الذي جاء من مجلس السيادة فيوضح وجه المصلحة العامة من خلال توضيح أن هنالك منطقة تعاني من انقطاع التيار الكهربائي. تساءلت حينها لماذا يتم ربط مصير الكهرباء بشخص وفوق ذلك شخص أجنبي، وتشاء الصدف أنه وبعدما تم الإفراج عنه بضمان أنه طالب حكومة السودان باستحقاقات متعلقة بكهرباء نيالا، وتمت تسوية معه بمبلغ 2 مليون دولار دون تدخل أوعلم النيابة العامة ولم يعترض احد على ذلك. الشيء الذي أحزنني جداً هو أن أوكتاي هذا أنا لا أعرفه ولم أره من قبل، وتسربت أقاويل بأنني محاميه، أول مرة رأيته فيها كانت بالنيابة العامة وسألت حينها عن هويته فقالوا لي أن اسمه أوكتاي شعبان وجاء للتحري، وبعد ان اتضح من هم محامو أوكتاي،
تسربت أقاويل أخرى مفادها أن مجلس السيادة ضغط على النائب العام لإطلاق سراح أوكتاي، وما أود قوله إن هذا القرار قد انبنى على القانون، وإن كان ثمة أمر يجب معالجته هو تعديل هذا القانون.
وبالمناسبة حتى وقبل خروجي من النيابة العامة كانت هنالك ثلاثة طلبات امام دائرة الفحص مقدمة من ثلاثة محامين للإفراج عن أموال أوكتاي المحجوزة ورُفضت.
ما أود التأكيد عليه هو أنني لم أمارس سلطة بوقف الإجراءات في قضية أوكتاي ولا في أي قضية أو دعوى سواء أكانت قيد التحريات امام النيابة العامه او القضاء ، ولم تتم تسوية في البلاغ، ولازال هذا البلاغ أمام النيابة العامة قيد التحريات.
* ماهي قصة السيدة وداد بابكر ووضعها القانوني الآن؟
يجب أن يعلم الجميع أن هنالك عملية تغبيش تجري. النيابة العامة لديها نظام يوضح من يتولى التحقيق ودرجات للاستئناف تبدأ من وكيل النيابة إلى أن تصل للنائب العام. لذلك كل ما يصدر عن وكيل النيابة العامة في المرحلة الابتدائية يُظَن أنه صادر من النائب العام، ومن المؤسف أن بعض القانونيين وهم يعلمون الاجراءات ظلوا يرددون وخدمة لاجندة خاصة أن النائب العام أطلق سراح فلان وعلان، وهذا أمر يتنافى واخلاقيات العمل المهني.
من خلال متابعتي جاءتني هذه الدعوى المتعلقة بهذه السيدة على مرحلتين، الأولى لديها علاقة بالقبض على رموز النظام، وطلبت تقريراً جاء فيه أن هذه السيدة متهمة بالثراء الحرام هي وأبناؤها، ويتعلق الأمر بقِطع أراضي، في النهاية صدر قرار من وكيل نيابة الثراء الحرام بعدما استوفى كل الإجراءات وحقق معها حول أراضيها وأراضي أبنائها. كما كان هنالك حديث عن وجود أموال خارجية، وللمعلومية الأموال الخارجية لا تُسترد بهذه الطريقة، ولديها مسار مختلف تماماً، لأن هنالك فرق بين النظام المحلي والنظام الدولي.
ما حدث في قضية وداد هو أنني لم أدخل يدي فيها إطلاقاً، وبعد طلبي للتقرير وجدت أن هذه السيدة قد بقيت لفترة طويلة وأفرج عنها بضمانة ضامنين، وتم الحجز على جميع أموالها، وحُددت إقامتها وهي الآن تحت الإقامة المحددة.
أعتقد أنه من العبث بمكان أن يتداول الناس أن النائب العام قد قام بالإفراج عن وداد ورموز النظام السابق الذين خرجوا من البلاد، وما لا يعلمه الناس أنني وفور توليَّ لمنصب النائب العام فتحت هذه الملفات وقمت بإجراءات وفقاً لقوانين التعاون الدولي لاسترداد هؤلاء المطلوبين.

* إن كان للسودان أموال ضخمة بالخارج، هل يمكن استردادها؟
السودان موقع على العهد الدولي الخاص بمكافحة الفساد الصادر عام ٢٠٠٤م، ووقع عليه في ٢٠١٤م ، وبموجب نصوص هذا العهد فإن على الدول التعاون في استرداد الأموال المنهوبة، وهنالك جهود تُبذل على مستويات عُليا لاسترداد الأموال المنهوبة، ويتم ذلك عبر خطوات معينة، أولها معرفة مكان الأموال؛ ويتم ذلك بالتعاون مع وحدات المعلومات المالية الدولية، ثانياً الحجز على الأموال أو تجميدها ، ثم اتخاذ خطوات قضائية وفقا للاجراءات المعمول بها في دول موقع الاموال ثم استردادها عبر إجراءات تتم بسرية تامة لأن تسريب أي معلومة يمكن أن يُهرّب هذه الأموال من أماكنها، والخوض في التفاصيل ليس من المصلحة.
*ماذا عن قضايا الشهداء؟
المشكلة التي واجهتنا عند بداية العمل هي مسألة رفع الحصانات، ووفقاً لقانون التعديلات المتنوعة فقد نصَّ على الغاء الحصانة الاجرائية من منسوبي جهاز الأمن، وكان لا يمكن إلقاء القبض على أي عنصر ينتمي للجهاز لكن الآن يمكن القبض عليه و إخطار الجهة التي ينتمي إليها أو الطلب منها تسليم المتهم للنيابة المختصة.
قمنا بإنشاء مجموعة عمل مخصوصة لقضايا الشهداء، وشكلنا نيابة الرئاسة لتتولى مهام قضايا الشهداء والانتهاكات، وهي من أهم النيابات، حيث قامت بعمل كبير جداً، واستطاعت تقديم قضية الشهيد حسن محمد عمر(ود العمده) الذي قُتل في شارع الزيتونة، وقمت بتقديم خطبة الاتهام الافتتاحية، وهذه القضية صدر فيها حكم الإعدام شنقاً على المدان في السابع والعشرين من يوليو الماضيوتولى فيها الاتهام ثلاثة من أميز وكلاء النيابة العامه وتحت اشرافى المباشر، قرار المحكمه بالاشادة بالجهد الذى تم كان واضحا.
قضية شهداء الأبيض أيضاً قدمت فيها خطبة الاتهام الافتتاحية والمتهمين فيها ستة من منسوبي الدعم السريع، وفي الأيام القادمة إن شاء الله سيصدر فيها الحكم. كذلك قضية الشهيد حنفي عبدالشكور اكتملت وصدر فيها الحكم بالإعدام. كما أن قضية الشهيد محجوب التاج اكتملت تماماً وتم وضعها أمام القضاء. هنالك قضايا كثيره مستمرة فيها التحريات ووصلت مرحلة مقدرة لوضعها أمام القضاء.
بالنظر إلى واجبات الأجهزة المختلفة فإن التحريات والتحقيقات كانت تتم على النحو الآتي: جهاز المخابرات يقدم المعلومة ثم الشرطة تُجري التحريات تحت اشراف النيابة العامة، أما الآن فالنيابة العامة تقوم بكل هذه الخطوات لأنها لا تجد معلومات، فمثلا عندما نخاطب الأجهزة مثل الشرطة وجهاز المخابرات تأتي الردود بأنهم لا يملكون بيانات. ففي قضية الشهيد وليد الذي قتل في بحري المزاد، وللمصادفة أنني في ذلك اليوم سمعت صوت إطلاق النار من منزلي القريب من تلك المنطقة، خاطبت مدير شرطة ولاية الخرطوم وجاءني الرد بأنهم لا يملكون سجلات لهذه الحادثة. وبخصوص التأخير وعدم التعاون الذي يتم من الشرطة خاطبت مجلس السيادة ورئيس مجلس الوزراء، وهنالك تقرير بخصوص قضية الشهيد وليد هذه أمام رئيس مجلس الوزراء.
هنالك عدد من القضايا بأم درمان أظهرت البيِّنات وجود قوات الشرطة لحظة وقوع عمليات الانتهاكات، وعندما خاطبنا رئاسة الشرطة نفوا وجود قواتهم في تلك الأماكن. لذلك أقول إن كان هنالك تأخير في تطبيق القانون فهو عدم التعاون الإيجابي من قبل الأجهزة الشرطية والأمنية مع المؤسسات العدلية. أتفهم تماماً تطلعات شعبنا لتحقيق وسيادة القانون لكن غياب تقديم المعلومة يؤثر سلباً على أداء النيابة العامة لمهامها، وكما تعلم النيابة العامة ليست لديها جهاز مباحث أو مخابرات وتعتمد في عملها على الأجهزة الرسمية، وفي قانون النيابة العامة سميت هذه الأجهزة بالمساندة والمساعدة للنيابة العامة.

* ملابسات تقدمك بالاستقالة؛ ماهي أسبابها الجوهرية وتلك الأخرى المباشرة، وهل كانت تتصل باجراءات لجنة التفكيك بفصل عدد من العاملين بالنيابة والقضاء دون استشارتك ؟
إن استقلال الأجهزة العدلية مبدأ جوهري وضروري؛ بل هو شرط صحة لتتمكن الاجهزه العدلية من أداء مهامها دون خوف أو محاباة. بتاريخ ٢/ مايو ٢٠٢١م فوجئت بخطاب من لجنة التفكيك مفاده فصل ٢٦ من وكلاء النيابة ومنهم ١١ يتولون ملفات مهمة للغاية، وثلاثة منهم رؤساء نيابة من أميز المهنيين ولا يوجد فى ملفاتهم أو سلوكياتهم ما يمكن أن يسند إليهم من انتماء للمؤتمر الوطنى أو النظام السابق.
إزاء ذلك تقدمت باستقالتى موضحاً أنه فى وجود قانون إصلاح الأجهزة الحقوقية والعدلية لسنة ٢٠٢٠م فإن إصلاح الأجهزة العدلية أمر متروك لمفوضية إصلاح الأجهزة العدلية وليس لأي جهة أخرى. صحيح أن الأجهزة العدلية تحتاج لإصلاح جذرى وقد أصابها ما أصاب أجهزة الدولة الأخرى، لكن الوضع داخل الأجهزة العدلية وضع حساس للغاية ويجب أن تتصدى له المفوضية حتى لا تفقد استقلاليتها.
أصبح الوضع يحتاج لموقف واضح للحفاظ على استقلالية الأجهزة العدلية، إذ لا يمكن لوكيل نيابة يباشر عملاً أن يكون مستقلا ويؤدى عمله بصورة مهنية ويظل الفأس على رأسه بالفصل هكذا دون الرجوع للنائب العام.
فى نفس يوم صدور قرار اللجنة تقدمت باستقالتى وشددت فى الإصرار عليها، وأنوه أن تعيين وكيل النيابة وحسب القانون يتم بموجب قرار من مجلس السيادة وكذلك يتم فصله بموجب قرار من مجلس السيادة، وهو أعلى سلطة دستورية فى الدولة.
نعلم أن هنالك مراكز قوى تم خلقها داخل النيابة العامة وتمت رعايتها بشكل ممنهج وقطعاً فإن ذلك يخلق ظروفاً غير مواتية لأداء العمل بشكل مهني، وأحسب أن من يأتي بعدي سيجد صعوبة فى الاستمرار ما دامت الظروف كما هي.
يجب أن ندرك أن المرحلة القادمة ستشهد ملفات معقدة وعلى رأسها قضية الاعتصام وقضية حماية الحقوق الأساسية وخلق نيابة تستوعب روح الحياة الديمقراطية وسيادة حكم القانون. ذلك يتطلب التزاماً وأداءً مهنياً متقدما.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى