الرأي

أنسنة المجتمع تتأتى بالخروج من ظلام القرون الوسطى

لا يمكن لنا أن نتصور ماهي مشاعر الحزن التي تعيشها أمهات وأسر الشهداء حتى وإن كنا نطالع بصورة راتبة بعض ما تسطره الأقلام في ذكر هذه المأساة الإنسانية أو ما تسطره أيادي البعض منهن أو منهم من حين لآخر كمدا وحزنا على فلذات الأكباد… كل لحظة حزن تواجهها الأمهات أو الآباء هي لحظات ينبغي أن تجعلنا نقف أمام ضمائرنا ونمتحن إنسانيتنا إن ماسطرته أم قصي كان قاسيا حيث أنها كتبت وهي تتساءل بين الدهشة والحيرة عن الطريقة البشعة التي قتل بها هؤلاء الشهداء في مجزرة القيادة فقد قالت :
منتهى القسوة.. وعدم احترام الموت.. وعدم احترام حقنا في الوطن.. ألم يكن بينكم حينها إنسان واحد؟؟.. ألم يكن بين صدوركم قلب ينبض؟؟
ألم تنجبكم أمهات؟
أليس لديكم أبناء؟؟؟
أعلم أنكم لا تخافون الله
أعلم أنكم لا تخافون التاريخ
أعلم حبكم للسلطة أقوى من إنسانيتكم
لكن هل أحبتتم أبناءكم.؟.. أشك في ذلك
هل بررتم أمهاتكم.؟…. أشك في ذلك
سؤالي ماذا يضيركم أن يمكث أبناؤنا حتى هذه اللحظة
أمام القيادة؟؟
مايضيركم إن تركتموهم جثثا في قارعة الطريق
صحيح لا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها
لكنكم ذبحتم وسلختم أهاليهم ورفاقهم
لماذ لوثتم سليل الفراديس بغدركم
لماذا زلزلتم الأرض بسوءة إخوانكم
اللهم أنت المستعان وإليك المشتكى
وأنت حسبنا ونعم الوكيل
اللهم اربط على قلوب أمهات المفقودين
(انتهى)
إنها بمثابة رسالة مفتوحة للمجلس العسكري الانتقالي (قاسي القلب)
فقد طرحت أم قصي سؤالا طالما ظللنا نطرحه طيلة عهد الإنقاذ المشؤوم منذ العام 1989 وهو من أين أتى هؤلاء؟ وفي نهاية مكتوبها رفعت أم قصي يديها إلى الله ترجوه بعد أن فشلت في الحصول على الحق ممن تولوا أمر هذا البلد، ليس هنالك شعور أقسى من أن تكون مظلوما ولا تجد العدالة، أمهات الشهداء ينتظرن عدالة السماء بعد أن فشلن في الحصول على عدالة الأرض ليس هنالك من دواء لما نعانيه من ظلم غير أن نكوي ذلك الجرح ليندمل .
يوميا تنبئنا الأخبار بأن مقابر جماعية وجثثا تم العثور عليها هنا وهناك القدر وحده أحيانا يقود إلى اكتشافها بعد أن دثرت في أعماق الأرض، وذلك ليس إلا أن أرواح هؤلاء الشهداء م لازالت معلقة بين السماء والأرض يخبروننا عن بشاعة ما حدث لهم وهو أمر لم يحدث في تاريخ الإنسانية القريب، معقول ما يحدث في هذا البلد، ومعقول هذا النكران والصمت المخزي والتهرب من نشر الحقيقة. إن أسوأ ما فعلته الإنقاذ وقسوة الإسلامويين فينا أنها نزعت الرحمة من قلوب البعض منا حتى أنهم لايشعرون بالذنب من شناعة أفعالهم ولا يألون جهدا ليس في إخفاء فعلتهم أو نكرانها أو التبرؤ منها بل يتباكون داعين إلى العودة إلى عهد كان كله عبارة عن نهب وسرقة وقتل واغتصاب .
نستطيع أن نؤكد أن هذا الجرح لن يندمل إلا إذا أخذت العدالة مجراها وتمت معاقبة هؤلاء القتلة المأجورين بذلك وحده ونكون قد أرسينا قيمة المحاسبة والعقاب ووضعنا إرثا إنسانيا يتم احترامه وفي نفس الوقت نكون قد تخلصنا من وحشية القرون الوسطى ونتخلص من الإرث التليد للنظام البائد الذي ظل يسعى طيلة فترة حكمه المشؤومة لجعلنا نتطبع مع كل ما هو سيء ابتداء من سرقة المال العام وانتهاء بأن جعل للاغتصاب خبراء ومتخصصين لا يخجل أحدهم أن يقر في محاكمة المعلم الشهيد أحمد الخير بذلك أمام الملأ، وليتحقق ذلك على هذا الشعب أن يثور وينتفض ضد تلك الوحشية.
وحتى تخرس تلك الأصوات الفاسدة للصوص والقتلة التي باتت تتعالى مؤخرا دون خجل وهي تتحدث عن الفقر والجوع دون أن يطرف لهم جفن ودون أن يشعروا بالذنب ويعتذروا عما سببوه من أذى وضرر للناس والبلد وذلك يحدث فقط لأنهم أمنوا العقاب ولقناعتهم بأن ثقافتهم التي أرسوها (30 عاما) في التطبع مع الفساد في أجهزة الدولة ووسط أقطاب الخدمة المدنية وأجهزته العدلية المختلفة لازالت سارية المفعول ويجتهد البعض منهم في إخفاء كل ما يؤدي إلى أن ينالوا العقاب الذي يستحقونه وهذه الأصوات ستظل تتعالى ما لم يقتص منها وتحاسب على جرائمها البشعة لأن أنسنة المجتمع تتأتى فقط متى ما توفرت العدالة ومتى ما اقتص من الجناة مهما كلفنا الأمر من تضحيات وإلا سنظل شعبا يعيش في القرن الواحد وعشرين بعقلية القرون الوسطى..
وحسبنا الله ونعم الوكيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى