الرأي

أنا والأفران وأخواتهم

عايدة عبد القادر

المعاناة وحدها تكفي أن تصنع منك شخصاً قوياً صبوراً أو أن تحول مسار سلوكك الطبيعي نحو منعطف آخر وفق مقتضى الحاجة والضرورة، وفي ظل معاناتنا للحصول على ثلاثية الإحتياجات الضرورية المتمثلة في الخبز والوقود والغاز لعلنا جميعاً ووجهنا بالعديد من المواقف المؤلمة أحياناً كثيرة والطريفة أحياناً أخرى. فكون أن أحدنا يقضي نصف يومه في إحدى الصفوف فتغلق أمامه الطلمبة أو ينتهي الخبز فهذا أمر متكرر مر به السواد الأعظم من الناس، أو أن تصل مرحلة شباك الفرن فيظهر لك تيم متسلل لواذاً يحاول إقناعك بأنه حجز هذا الموقع سلفاً وذهب ثم عاد تارة أخرى وهنا يظهر شهود الإدعاء زوراً لمعرفتهم لهذا الشخص فيبدأ التآمر الخبيث لتنتصر فئة على حساب الأخرى فهذا وارد  باستمرار. ولكن على الصعيد الشخصي فقد تعلمت في ظل هذه الأزمات مواقع متعددة لما ظهر من الأفران ومابطن، قاصيها ودانيها، آليها وبلديها، وفي سياق يحسب إيجاباً ذهبنا أبعد من ذلك إلى معرفة أسماء العديد من الخبازين والعمال في مخابز متفرقة، وامتلأت هواتفنا بأسماء مهمة مثل منتصر الآلي، آدم فرن، مجيب الإحسان، فضل الشهيد، مبارك الفاخر وهكذا، ولكن خلال هذا السباق المارثوني للبحث عن الخبز أذكر أنه قد غاب الغاز عن منزلي لمدة تقرب الشهرين ذقت خلالها الأمرين مع الفحم وبطئه في ظل صراعنا مع الوقت الممحوق، وأذكر أنني سجلت اسمي رقم 416 في إحدى مخابز العاصمة ولكن لم أتحصل على شيء نسبة لنفاد الكمية، ولأن الحاجة أم الإختراع ذهبت إلى المطعم المجاور للمخبز وطلبت طلبين فول وزيادة عيش كحل عاجل للمشكلة ففي البيت من ينتظرون. لفت لنتباهي ذات مرة في قلب سوق ليبيا بأمدرمان وجود فرن ممتلئ عن آخره بالخبز نوعين بلدي وآلي، والله على ما أقول شهيد، ولكن اللافت ليس هنالك زحام ولا صفوف فدخلت دون هوادة وأنا أرفع حاجب الدهشة هل أنا في حلم أم حقيقة؟ أين الناس؟ أين الصفوف؟ ماذا هناك؟ قطع حبل أفكاري أحدهم، بكم يـ أستاذة، قلت له بفرح عظيم: جيب بمية، وكان في بالي أن آخذ أكبر كمية أخزنها ليومين أو ثلاثة. سألني تارة أخرى بلدي ولا عادي وأنا بين مصدقة ومكذبة قلت بلدي. ولكن قبل أن أسدل حاجب الدهشة فاجأني بكمية قليلة جداً كادت أن تقضي على الدهشة والفرح، سألته بكم هذا؟ قال لي تسعة عيشات بـ تسعين جنيه والكيس بـ عشرة كده تمام؟

خرجت وأنا أتساءل هل مايعرف بالخبز التجاري يُعد حلاً أم معضلة أخرى؟ قطعاً بهكذا حال سيستفيد التاجر على حساب المواطن المضطر، لتقفز أسئلة أخرى كيف عجزت الحكومة عن توفير هذا الخبز ولماذا؟ وإن كان هذا هو حال العاصمة فما بال االأقاليم؟ وإذا أتيحت للولايات فرصة الإتجار بما يسمى بالخبز التجاري. فبكم ستكون قطعة الخبز الواحدة قياساً بالعاصمة؟ معلوم أن هنالك سوق سوداء للخبز على مرأى ومسمع وبأسعار خرافية باهظة في وضح النهار مما يؤكد على عدم الرقابة والمتابعة وعدم وجود قوانين رادعة للكف من العبث بقوت المواطنين. ونحن لازلنا نعزف على نفس الوتر أن المدارس على الأبواب فاحذروا ثورة الجياع الحقيقية التي بدأت بوادرها تلوح جلية في الأفق، اللهم قد بلغت فاشهد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى