الرأي

أم درمان في الذاكرة (6) في 1968 حدث شنيع

مأمون عيسى
من الذكريات الفاجعة البئيسة الموجعة والتي لا تفارق الذاكرة ما يمكن أن يسمى عام مصرع الديمقراطية.
كالفريسة طرحوها أرضا –عقروها وسلخوا جلدها وفي نشوة مجنونة ونصر زائف خضبوا أياديهم بدمها وكأنهم يتأهبون لحضور ليلة الفرح المتوهمة ولو كان بينهم ذو لب رشيد لصاح فيهم أفيقوا أفيقوا وأزيلاو من بصائركم الغشاوة. إنها ليلة التشييع والدفن وليست ليلة الفرح.
كان الجناة القتلة جميع رؤساء الأحزاب الطائفية القديمة ارتضوا الانسياق وراء الحزب الإرهابي سيء السمعة المعروف عالميا بالولوغ في دماء البشر حزب الإخوان الشياطين الذي نسبوه زوراً للإسلام مما أضر بسمعة الإسلام نفسه عالميا.
يوم رفعت مؤججة الفتن الكبرى ومُزكية ضرامها قميص عثمان مستصرخة ومستنفرة الدهماء المغيبين وااااإسلاماه وتذرف دموعاً رخيصة بمعنى أنها ليست نابعة من مشاعر حقيقية كعملة بلا غطاء مثل عملة رب رب التي اقترحها ذلك الكوز الجهول ذات يوم أغبر وثورة ديسمبر في مرحلة مخاض متعثر أُريقت فيه أطهر الدماء.
وقد لاقى ندائها هوى من نفس رافع علم الاستقلال وأبو الحرية والديمقراطية لوجود ذلك الثأر الدفين البائت بينه وبين الحزب الشيوعي عقب نتيجة انتخابات دائرة أمدرمان الجنوبية التكميلية. ولمن لم يعاصر الأحداث أو يجهلها فهناك مشهد لازال ماثلا أمامي في الذاكرة، مشهد الأزهري يعتلي شرفة منزله القائم حتى الآن بالشارع المسمى باسمه بأمدرمان وهو يصيح كأنه مجرد واحد من غمار الناس وليس رأس الدولة داعيا الجموع لمطاردة الشيوعيين والقبض عليهم وحقيقة لم يكن ذلك منه مجرد استجابة لصراخ مؤججة الفتنة ولكن لأمر مبيت بإصرار أحيكت له من قبل مؤامرة باتفاق بين مجموعة من المتربصين وكانت مسرحية صبي معهد المعلمين رديئة الإخراج وكأنها هدية قدمت على طبق من ذهب للرئيس.
وكان أن تم حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان في جلسة دخلت التاريخ من أسوأ أبوابه صوت فيها بالإجماع أعضاء حزبي الأمة والاتحادي على حل الحزب وضمت مضابط الجلسة أقوال هي الهتر والهذر بعينه تبارى في أدائها أولئك النواب متظاهرين بالدفاع عن الإسلام والذود عن حياضه نفاقا ورياء مع أن كثيرا منهم لم يتجه يوما إلى القبلة طاهرا مصليا إلا أنه وبالرغم من ذلك يسجل التاريخ بفخر موقف ثلاثة نواب رفضوا الانصياع لأمر حزبهم بالمشاركة في هذه الجريمة فكان جزاؤهم الفصل.
أكتب هذه المقالات من الذاكرة وليس
نقلا من كتب الأمر الذي يجعل وجود
الخطأ غير مستبعد عليه إن وجد قارئ
هذا الخطأ فلا تثريب عليه إن صوبه
بل على العكس له كل الشكر بشرط أن
يكون جادا ومتأكدا وليس مجرد مكابرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى