الرأي

أطفال في انتظار الإعدام

 

جعفر خضر

ظل الأطفال في السودان يتعرضون لأقسى الانتهاكات ليس من الأنظمة الحاكمة فحسب، بل ومن المجتمع بأسره.

فقد ظلت الأنظمة السياسية الباطشة تنكل بالشعب السوداني ولا تستثني أطفاله، فعلى سبيل المثال منذ أن بدأ الاستشهاد  في ديسمبر ٢٠١٨ كان الأطفال حاضرين، فقد تم قتل مازن محمد مجذوب في مدينة القضارف في العشرين من ديسمبر، وقُتل في فض اعتصام القيادة طفل عمره ثماني سنوات، واستشهد الطفل دودو،. وكذلك استشهد شوقي الصادق إسحق  في منطقة “الجزيرة أبا” ، وغيرهم.

ولم يتقدم التقاضي الجنائي في مواجهة قتلة هؤلاء الأطفال مثلهم ومثل كل الذين استشهدوا.

وعلى صعيد آخر لا يزال هناك المزيد من الأطفال الموعودين بالقتل رغم أنف الوثيقة الدستورية وقانون حماية الطفل!!

إذ يواجه العشرات من الأطفال أحكاماً بالإعدام، وهنالك خمسة منهم قيد التنفيذ النهائي بعد أن استنفاد كل مراحل التقاضي.

إنَّ  الطفل عباس ضمن الأطفال الخمسة المحكوم عليهم بالإعدام وفي انتظار التنفيذ، فقد حُكم عليه بالإعدام بعد إدانته بقتل صديقه رغم أن عمره وقت ارتكاب الجريمة كان 15 سنة و6 أشهر.

ورغم أن المحكمة الجنائية حكمت بإيداع عباس  مؤسسة إصلاح ورعاية، إلا أن أسرة القتيل استأنفت الحكم بحجة أن الطفل بالغ، فحولت المحكمة الحكم إلى الإعدام شنقاً حتى الموت بموجب القانون الجنائي السوداني!! .

وأيدت المحكمة العليا القرار، ثم أيدته المحكمة الدستورية، وأخيراً أيدته دائرة المراجعة في المحكمة الدستورية، لتستنفد أسرته مراحل التقاضي كافة، وينتظر الآن عباس تنفيذ الحكم!! .

يحدث الحكم بإعدام الأطفال رغم أن المادة ٥٤ (ب) من الوثيقة الدستورية تمنع إعدام الأطفال، في مخالفة صريحة للدستور الذي يعلو ولا يعلى عليه.

كما يخالف هذا الحكم قانون الطفل لعام 2010، وللمواثيق الدولية والإقليمية التي وقّع عليها السودان.

إن القضاة الذين نظروا القضية في كل مراحلها عملوا بموجب القانون الجنائي الذي يسمح بإعدام الشخص في عمر أقل من 18 سنة حال ظهور علامات البلوغ الجسدية عليه، وتجاهلوا قانون حماية الطفل الذي يحظر إعدام من هم دون الثامنة عشرة، وضربوا بالوثيقة الدستورية عرض الحائط .

ومما يندرج في مسرح العبث أو الكوميديا السوداء أن مجلس السيادة اعتذر عن إصدار عفو رئاسي عن أولئك الأطفال، بحجة أن القانون الجنائي يستثني الأحكام الحدية والقصاص من سلطة العفو!!

في حين أن قادة مجلس السيادة هم المتهمون بقتل الأطفال في ثورة ديسمبر وفي دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان!!

نفس الزول الكاتل ولدك يرغب في قتل المزيد، ويظهر بمظهر الحريص على سيادة حكم القانون!!

وللمفارقة ففي الوقت الذي يواجه الأطفال أحكاماً بالإعدام، فإن الآباء الذين يقتلون أبناءهم يخرجون من الجريمة كخروج الشعرة من العجين !! فأقصى ما ينالوه من عقاب جراء القتل هو السجن لبضع سنوات!!

وفسّر ذاك الأستاذ ياسر سليم – مدير معهد حقوق الطفل – في الفعالية التي نظمتها حركة بلدنا الأربعاء الماضي تحت عنوان (انتهاك حق الحياة للأطفال.. سماح نموذجاً)، فسر ذلك بأن المشرعين للقانون الجنائي الإنقاذي اعتمدوا المذاهب التي ترى أن الوالد سبب وجود الولد أو البنت، فلا يمكن أن تكون البنت أو الولد سبب فناء الوالد، وشدد على أن هذه أبواب خطرة جداً تشجع على إزهاق أرواح الأطفال.

وقال إن الفقه المالكي يفتي بالقصاص من الأب، لذلك علينا عدم السماح لهم بأن يخوفوننا باسم الدين. وقال إن عدم القصاص من الأب فيه تبخيس لأرواح الأطفال، رغم أن الأطفال أحق بالحياة لأن المستقبل أمامهم.

وقال سليم إن تعريف الطفل في قانون ٢٠٠٤ كان بناءً على البلوغ وهذا سبب إشكالات كثيرة بأن يحدد المسؤولون الطفل حسب تقديراتهم الشخصية، وقد تم حسم التعريف في قانون ٢٠١٠ بأن الطفل هو الذي يقل عمره عن ثمانية عشر عاماً، وشدد على أهمية هذا التعريف لما يترتب عليه  من حقوق، ودعا إلى تأهيل القضاة في محكمة الطفل ووكلاء النيابة بأن يتلقوا دورات في علم نفس الأطفال وعلم الاجتماع وغيرها، حتى يكونوا مؤهلين لشغل الموقع.

وقد وسّع مفهوم القتل الأستاذ عثمان شيبة – الأمين العام للمجلس القومي لرعاية الطفولة – في ذات الفعالية بأن أوضح أن ميزانية وزارة المالية  في الفترة من  ٢٠١١ وحتى ٢٠١٩ خصصت ١٪ فقط من الناتج القومي الإجمالي للتعليم والصحة مجتمعين، مما تسبب في زيادة وفيات الأطفال .

وقال إن معدلات وفيات الأطفال دون سن الخامسة مرتفعة، وإن هذا الإهدار للحق في الحياة حله بسيط، بزيادة المخصص للصحة والغذاء في موازنة الدولة.

وبيّن شيبة الواقع المريع في المايقوما، وقال في فترة مسؤولية الجميعابي عنها كان ٨٠٪ من الأطفال يموتون، ولم يتحسن الأمر بعد، وقال إن بعض أطفال المايقوما في المشرحة اختفت أعضاء من أجسادهم، والشرطة لا تفعل شيئاً، والمجتمع لا يهتز لهذه الجرائم النكراء.

وأبدى شيبة استغرابه كيف تلقي بني آدم في الشارع، مثل كيس النايلون، ولا أحد يستنكر ذلك!!

وقال شيبة من قتل نفساً كمن قتل الناس جميعاً، وأردف: هذا دين! وتساءل: هل نحن متدينون  حقاً؟!!  . وقال إن القصاص من الآباء ضروري، وأن “سماح” تساوي الناس جميعاً، فهل يعقل أن ربنا يرضى بقتل الناس كلهم أجمعين!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى