الرأي

يوم المرأة: الهوس الديني يعوق حقوقهن

 

بثينة تروس

شعار اليوم العالمي للمرأة ٨ مارس ٢١ هذا العام بعنوان (اختر التحدي) ولقد قدر للمرأة على كوكب الأرض أن تكون في قتال دائم ومراهنة على كسب معركة الحقوق وتحدي الاستضعاف. والمرأة في بلادي حتى بعد ثورة ديسمبر الظافرة اختارت التحدي، وهي تشهد التمثيل السياسي الضعيف، ومخالفة الوثيقة الدستورية التي أعطتهن حق الشراكة بنسبة 40%.

وفي يومهن لابد من أن نتوقف على شواهد تدلل على أكبر معوق يقف أمام تحقيق مطالب المرأة العادلة في الشراكة السياسية ورفع التمايز وعدم المساواة، ووقف العنف ضدها، ألا وهو فهم الهوس الديني الرجعي، الذي يلقي بظلاله في حكومة الثورة، ويقعن النساء فريسة له، ولجهل الموظفين بدوائر الحكومة من الذين لم يتعافوا من أمراض التمكين الإسلامي، وأعان على ذلك عدم تغيير القوانين بالصورة الرادعة التي تواكب تطلعات الشعب للحكم المدني والديمقراطية.

طوابير البنات:

في يوم الخميس 11 مارس 21 محكمة الناشطة الحقوقية وعد بهجت التي تواجه تهم الإزعاج العام، والإساءة وانتهاك الخصوصية بالتصوير، بعد أن قدم ثلاثة من أفراد الشرطة بلاغات ضدها، عندما رفض عمال محطة وقود التعامل مع وعد، وقامت بتصوير الحادثة في بث مباشر على صفحتها بالفيسبوك، في حادثة تؤكد على ممارسة التمييز النوعي في الأماكن العامة، وفصل الرجال عن النساء في مرافق الخدمات العامة بأن يخصص صف للمرأة وآخر للرجل!

وظاهرة صفوف البنات والنساء في المخابز وحتى في المطارات لا تزال موجودة بصورة مزرية، إذ يصرخ رجل الشرطة بصورة لا تشبه بروتوكولات المطارات الحضارية، مطرقعاً أصابعه بصورة مهينة لأسرة تقف كاملة في انتظار آخر مراحل المغادرة، مخاطباً النساء (أنتن أقيفن هناك في صف النسوان)! ومن السخرية أن الصفين متجاورين والمسؤولين في كلا الصفين رجال! وهذه الظواهر وخلافها، هي تركة المشروع الإخواني، وترجع جذورها المفاهيمية لدعاوى تطبيق الشريعة الإسلامية، وفهم الفقهاء بحرمة الاختلاط بين الرجال والنساء! ولقد سنت حكومة الإخوان المسلمين مواد قانون النظام العام سيئة الذكر! بناء على ذلك الفهم الديني المتأخر، فلقد عرفت الاختلاط في مادتها 145 ممارسة الدعارة (يقصد بمحل الدعارة، أي مكان معد لاجتماع رجال أو نساء أو رجال ونساء لا تقوم بينهم علاقات زوجية أو صلات قربى وفي ظروف يرجح فيها حدوث ممارسات جنسية).. ولقد كان قدر المرأة أن تفسير مثل غموض عبارة (يرجح)! الواردة في المادة وغيرها من العبارات المبهمة، متروكة لفهم ولأمزجة رجال الشرطة والأمن. ولقد فشلت الحكومة السابقة في دعاوى تطبيق الشريعة الإسلامية، وذلك لأن أحكامها التي ناسبت المرأة في القرن السابع الميلادي ومجتمعاته وكانت حكيمة كل الحكمة وقتها، لا تصلح لبشرية اليوم، ولا يوجد فيها حلول لقضايا النساء المعاصرة، وتتقاصر عن مستحقاتها كمواطنة يكفل الدستور لها الحقوق والواجبات المتساوية مع الرجل!! بل وجميع قوانين ومعاهدات حقوق الإنسان، وتجلت صور تناقض الإسلاميين، في منع الاختلاط وتجريمه في الشارع العام، في حين أنه واقع معاش في حياة المجتمع السوداني المتصوف الأصل، وفي برلمان النظام السابق حيث تسن القوانين نفسها، وأكثر من ذلك القانونية بدرية سليمان هي مشرعة الدساتير الإسلامية في عهد الإخوان المسلمين وحتى منذ عهد شريعة حكم النميري (قوانين سبتمبر 1983) في تعارض بادٍ لآية القوامة (الرجال قوامون على النساء) وحديث (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)..

وبعد الثورة نجحت الحكومة الانتقالية ووزير العدل نصر الدين عبدالباري في إلغاء تلك القوانين المذلة، إلا أنها في الواقع لاتزال متروكة لتقديرات رجل الشرطة والأمن بصورة أخرى! ولا تزال الشابات والنساء يقع عليهن العنف والتحرش والبطش الإسلاموي، إذ لم يتم تطهير للنظام القانوني والعدلي والشرطي بالبلاد بالصورة التي تتناسب ومكتسبات المرأة بعد الثورة.

طرحة البنات والحكومات:

جلست الشابة فرح بعد ثورة ديسمبر مواجهة للكاميرا أمام ضابط مجمع الخدمات لاستكمال إجراءات الرقم الوطني، الذي طلب منها أن تغطي رأسها، تحسست طرحتها فإذا بها لاتزال في مكانها، مندهشة استفسرت عن ماذا يقصد! رد عليها بأن تغطي جميع ما ظهر من شعرها! قالت له لا أجد سبباً مقنعاً، هل هنالك قانون مكتوب حتى أقف ضده! أم هو مزاجك الشخصي! رجع للخلف غاضبا ورفض أن يكمل عمله، ارتفع صوته واجتمع حوله ضابطان آخران ضاعفا من العنف والتجريح لقهرها، وأصرت هي على صحة موقفها، فتدخلت ضابطة برتبة عقيد، بقولها (هي ما مسلمة ولا شنو! خلوها بي طريقتها).. وهكذا لاتزال السلطة الدينية الموروثة من النظام السابق والفهم السلفي في فرض الحجاب! تتحكم في المؤسسات الحكومية بقوانين (المادة (152) من يأتي في مكان عام فعلاً أو سلوكاً فاضحاً أو مخلاً بالآداب العامة أو يتزيا بزي فاضح أو مخل بالآداب العامة يسبب مضايقة للشعور العام يعاقب بالجلد بما لا يجاوز أربعين جلدة أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً)..

إن قوانين منع الاختلاط وفرض الحجاب، وحظ النساء من أحاديث (ليس لكن أواسط الطريق وإنما لكن حافات الطريق) ويقول الراوي (كانت المرأة تلصق ظهرها بالحائط حتى يتعلق بعض ثوبها بالحائط)! هذا زمان ولى بتولية امرأة قاضية تساوي في الواقع شهادتها شهادة الرجل بل في المحاكم ترفض شهادة الرجل البالغ العاقل! وتعيين الأستاذة نعمات محمد خير لمنصب رئيسة القضاء، لابد أن يسترعي انتباه جماعة الفهم السلفي في معالجة طرحهم القاصر لمعالجة قضايا المرأة، التي تجاوزت عجز المؤسسات الدينية التقليدية، ونالت حقوقها المدنية بنضالاتها، وبموجب القوانين المدنية وحكم وقتها الحاضر ولا رجوع القهقرى.

محطة سيدة وقوانين الأحوال الشخصية:

يقول بيان كلنا سيدة (سيدة محمد حمزة طالبة في جامعة أم درمان الإسلامية قسم علم الاجتماع هي إحدى ضحايا زواج القاصرات حيث تم تزويجها وهي في الثالثة عشر من عمرها دون موافقتها وتم إكمال مراسم زواجها وهي مكبلة بالقيود، وتعرضت للضرب والتعذيب عند دخولها المرحلة الجامعية وتم حلاقة شعر رأسها ونجحت في الهروب وقامت بفتح بلاغات جنائية ما تزال أمام الجهات العدلية حتى الآن، تعرضت مجدداً للخطف في منطقة أبو قمري وتم نقلها إلى منطقة كرنوي بمحلية شمال دارفور من بعض أفراد أسرتها ولا تزال حتى الآن، وتشير آخر المعلومات إلى تدهور مريع في صحتها).. وبشعار يوم المرأة (اختر التحدي) نحن مواجهون بتعديل قوانين الأحوال الشخصية، التي تخالف ما أعطاه الإسلام للمرأة من حق في قبول أو رفض الزواج، وولاية المرأة على نفسها، وذلك لن يتم إلا إذا تم تعديل القوانين التي تستند على مفهوم الفقهاء للعلاقة الزوجية نفسها (هو عقد على مجرد التلذذ بآدمية) كما يقول بذلك المالكية، ويقول الفقهاء بحبسها وضربها بحق إنفاق الرجل عليها، وللأسف الشديد الطالبة سيدة حمزة ستظل ملاحقة ببيت الطاعة وقوانين الفقهاء، وبالرغم من جهود وإنصاف المنظمات النسوية إلا أن الظلم الواقع على سيدة وصويحباتها، ينتهي عند عتبة قصور قوانين الأحوال الشخصية، ومرجعية الشريعة الإسلامية،، فيها مهما بلغ شأن المرأة من تعليم ووعي مجتمعي وتطور معاصر، أن للرجل سلطان ووصايا عليها ولو كان أقل منها تعليماً وأدنى أخلاقا وتديناً، بحسب فهم الهوس الديني ورجال الدين القاصر للإسلام.

ونحن اليوم ننعم في ظل حكومة ثورة ديسمبر لابد من مواصلة الثورة الحقوقية الدستورية لتعديل تلك القوانين، وكذلك ثورة دينية تعين على تطوير قوانين الأحوال الشخصية، والمطالبة بالمصادقة على قوانين اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى