الرأي

يرفضون العلاج ثم يصرخون..!!

خالد أبو أحمد

الحقيقة دائما مرة كالعلقم، هكذا علمتنا الأيام والمواقف والتجارب الإنسانية، والحقيقة هي علاج مثلها ومثل الدواء يكتبه الطبيب ليشفي به المريض من سقمه، لكن المتعنت الذي يرفض العلاج مصيره الموت الزؤام بطبيعة الحال لأن المرض سيتمكن منه لا محالة.

إن الإسلامويين كانوا ولا زالوا يرفضون سماع الحقيقة تماما كالذي يرفض العلاج، ويشتكون من أعراض المرض برغم النداءات والنصائح التي تقدم لهم من أقربائهم ومن يهمهم الأمر، يصرخون ويصرخون، مجددين رفضهم لكل الوصفات وبإصرار شديد، حتى يستغرب المرء من الرفض والصراخ معا.

في الزمن القريب جدا بعض الناس لم يصدق بأن هناك فيروس فتاك اسمه كورونا (كوفيد 19) لكن عندما أصابهم أيقنوا خطأ اعتقادهم وتعنتهم، لكن جماعتنا هذه وأنصارها يصرون إصرارا بليغا على أنهّم الحق، وأنهّم الأصلح لحُكم السودان، وأنهّم مؤيدون من الخالق العظيم، وأن كل ما قيل عن فسادهم ما هو إلا حسد وحقد دفين، هذه الجماعة عندما تتحدث عن الشعب والسودان هم في الحقيقة يقصدون منسوبيهم والمتعاطفين معهم، لأن الشعب السوداني الذي خرج في ثورة ديسمبر التي شهد عليها العالم قال قولته.

أنّ الحقيقة الثابتة هُم جماعة فاسدة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، وهذا أمر مسلم به وأي طفل سوداني يدرك ذلك إلا هُم، قد أصابهم مرض التعنت والكِبر والاستعلاء الأجوف، بحيث يكذبون كل من أسدى لهم نصيحة، فراحوا يتحدثون عن إنجازات عظيمة حققوها في بلادنا، نعم أسسوا إمبراطوريات ضخمة لأثرياء التنظيم في السودان وفي بلاد أخرى، لكنهم لم ينشئوا أي مصانع ومشاريع يعود نفعها للمواطنين.

الهتاف والصراخ..

وفي بداية العشرية الثالثة من حُكمهم وصل بهم التعنت مرحلة مع زيادة الضغط عليهم من الأقلام الوطنية الشريفة فأسسوا عددا من المؤسسات الصحفية لإعلاء الصوت والهتاف والصراخ، حتى يطمئنوا أنفسهم بأنهم على حق، فكانت صُحف (المستقلة) و(الحرة) و(العاصمة) فضلا عن صحفهم الأخرى، جمعوا فيها كوادرهم الفاشلة لتحقيق أكثر من هدف في آن واحد- الأول التشويش على ما تبثه الأقلام الوطنية، والثاني هو تشغيل العطالى من الصحفيين والإعلاميين التابعين لحزبهم، فضخوا للصحف الجديدة الأموال الطائلة من الخزينة العامة ومن عرق المواطن المسكين.

لكن هل استمرت هذه الصحف في أداء رسالتها؟ بالطبع لا.. فالقلم عندما يكون مأجورا للقتلة وسُراق المال العام لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقنع أحدا من القراء بوجهة نظره أيا كانت، فمن الطبيعي جدا أن مثل هذه الصحف لم تصمد فأصبحت نسيا منسيا، لأنها خلت من أصحاب الضمائر اليقظة بينما شمخت المواقع والصحف الإلكترونية التي كانت ملاذا للأقلام الشريفة، للقابضين على جمر القضية فنالوا محبة الناس ودعواتهم الصادقة.

طاغوت الشهوات

عندما يتابع المرء صفحات مؤيدي الحزب البائد ومن كبار مثقفيه في (الفيس بوك) يستغرب أنهم بعد كل المآسي التي ارتكبوها في البلاد والعباد لا زالوا يمنون أنفسهم بالعودة للحُكم، شاتمين وسابين كل القوى المتحالفة في الحُكم الانتقالي، ليس لهم نغمة غير (الشيوعيين) و(القحاطة) مثل شخص قد حمل على جلده من الأوساخ أكواماً، يغطس في الماء ثم يخرج منه في الحال مُكتفياً بذلك، ظانا أنه قد أصبح نظيفاً رغم أنه لم يفقد من أوساخه شيئاً، حال طاغوت الشهوات في سنوات حكمهم الأخيرة صُم بُكم عُمي لا يقدرون على رؤية الصورة الحقيقية للأحداث، وبعد السقوط التاريخي العظيم لم يروا حتى الآن أنهم فعلوا شيئاً يُغضب الناس عليهم!!.

لا أدري لم الغضب والصراح والعويل؟ قبل السقوط بأيام قليلة اعترف رئيسهم بأنه لا يملك حلا لأزمة البلاد التي أدخلنا فيها، وكانوا جميعا عسكريين ومدنيين في انتظار الساعة، وقد حدث، فلماذا يعيبون على الحُكم الانتقالي حديث العهد  بالسلطة الأخطاء والإخفاقات، ألم يكونوا هُم السبب في الأزمات التي نعيشها؟.

مراجعة المسيرة..!!

إن التجربة الإسلاموية في السودان تعتبر هي الأطول في الحُكم، وقد أثرت كثيرا على تماسك السودانيين وعملت على دمار المكونات الاقتصادية، بسبب فظاعة الممارسة وما ارتكب فيها من مظالم ومن أحداث شاذة سواء على مستوى الاقتصاد وما حدث من تجاوزات يندي لها الجبين في الاستحواذ على قطع الأراضي، وطباعة العملة ظنا منهم أنها الحل الأمثل للأزمة، هنا نتذكر (الفاتح عزالدين – رب رب رب)، أو على مستوى الأخلاق، فحدث ولا حرج، وسقوط الخطاب الإعلامي، خاصة فيما يتعلق باستفزازات قادة الحزب البائد للمواطنين، فهذه يمكن أن نؤلف فيها كتابا.

وبعد كل هذا وذاك لم نجد للجماعة أي وقفة مع النفس لمراجعة مسيرتهم المدمرة في حق شعبنا وبلادنا بحيث يقيموا التجربة ويتعرفوا على مجمل الإخفاقات، بل المآسي والكوارث ومن ثم الاعتذار، لكن شيئا من هذا لم يحدث ولن يحدث أبدا لأنهم غير حريصين على البلاد، ولا على مصلحتهم الحزبية، ولا على سمعتهم، هم حريصون فقط على إعاقة البلاد وتدميرها والوصول بها إلى أسفل سافلين، إن بعض الجماعات والحركات (الإسلامية) في العالم العربي قد أحدثت مراجعات فكرية لعموم التجربة كما حدث في مصر والجزائر، فوقفت على المفاهيم الخاطئة في النصوص التي كانوا يعتمدون عليها في ممارساتهم للعنف.

أعتقد جازما أنّ ما مارسه التنظيم في السودان من تعذيب و تنكيل واغتصاب للذين يختلفون معهم في الفكر والرأي ليس له أصل في الدين على الإطلاق لا في القرآن الكريم، ولا في السنة النبوية المطهرة، وقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحروب فقال “لا تقطعوا شجرة، ولا تقتلوا امرأة ولا صبيا ولا وليدا ولا شيخا كبيرا ولا مريضا، لا تمثلوا بالجثث، ولا تسرفوا فى القتل”.

لكن هؤلاء في دارفور وجبال النوبة ارتكبوا كل ما نهى عنه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، خاصة حرق القرى بالطيران الحربي القاذف للهب فمات الإنسان والحيوان معا.

إن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى