حوارات

وكيل التخطيط الاقتصادي بالمالية د. أمين صالح لـ (الديمقراطي): الاستثناءات تهزم القوانين.. هنالك إعفاءات ضريبية بها شكل من التحايل على القانون

حوار – شذى الرحمة
استند البرنامج الثلاثي الاقتصادي للحكومة الانتقالية المفترض العمل به خلال الفترة من (2021-2023) على رؤية للخروج بالإنسان السوداني لتحسين أوضاعه المعيشية وانتشاله من براثن العوز والفاقة والمعاناة الطويلة، وذلك بتسخير كافة إمكانيات السودان حتى تكفل له حياة كريمة بتأهيل المشروعات التي (تعين) على هذه الرؤية من أجل استعادة الدولة لامتلاك القرار الاقتصادي وقيادة عملية التغيير الشامل وإزالة آثار الفوضى الاقتصادية والفساد المزمن بالعهد البائد. جلست صحيفة (الديمقراطي) مع المسؤول عن البرنامج الثلاثي، وكيل التخطيط الاقتصادي بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي د. أمين صالح يس وخرجت بالإفادات التالية:
*حدثنا عن البرنامج الثلاثي الذي ستبدأ مشروعاته مطلع العام الجاري
البرنامج الثلاثي للاستقرار والتنمية الاقتصادية ويغطي الفترة من 2021 إلى 2023 جاء التفكير في البرنامج بعد تكوين الحكومة الانتقالية لكن هنالك عدة أسباب عطلت المشروع، وهو يؤسس للتخطيط التنموي الاقتصادي بشكل جديد يعتمد على الشراكة والمسؤولية المجتمعية والحماية الاجتماعية والبيئية والإصلاح الاقتصادي والتي تشكل ثلاث ركائز أساسية للبرنامج، كما يعتمد على مرجعيات محددة (الوثيقة الدستورية، أولويات الحكومة الانتقالية ومقترح الاحتياجات العاجلة للأولويات للفترة الانتقالية بالإضافة إلى أهداف وغايات التنمية المستدامة)، وحينما تم صياغة البرنامج الثلاثي لم يتم التوقيع على اتفاقية السلام لكن البرنامج أفرد برنامجا كاملا لمتطلبات السلام تم مناقشتها بشكل مستفيض.
*محاور البرنامج كما تم نشرها ركزت على المواطن، ومعيشة المواطن في أولى المحاور هل سار البرنامج على ذات الطريق؟
البرنامج لديه محاور أساسية للعمل تشمل محورا خاصا بالاستقرار والتنمية الاقتصادية والذي يناقش (الاقتصاد الكلي والمالية والتضخم والمالية العامة والعلاقات بين القطاعات الإنتاجية المختلفة)، ومحور للتنمية والحماية الاجتماعية (كل ما يلي المسائل الاجتماعية في الدولة من التربية والتعليم والقضايا الصحية، المياه والسكان والشؤون الدينية وكل الأبعاد الاجتماعية، ومحور للحوكمة والعدل من أجل البناء المؤسسي والإصلاح القانوني والتشريعي لأنظمة الدولة، ومحور للبنيات الأساسية متعلق بقطاعات النقل وجميع البنيات التحتية، ومحور للولايات، ومحور للبيئة يتناول كل القضايا البيئية خاصة المتعلقة بالتغير المناخي والتنوع الإحيائي وتنمية الموارد الطبيعية، ومحور للزراعة والثروة الحيوانية، ومحور للصناعة والتجارة ومحور للسلام. على ضوء هذه المحاور تكونت لجان فنية برئاسة وكلاء الوزارات مع استصحاب بعض الخبراء الوطنيين لتتناول هذه المحاور بشيء من التفصيل بالإضافة إلى تحديد الأهداف والبرامج وكل ذلك من أجل بناء دولة اقتصادية مبنية على التخطيط السليم والتخصيص الأمثل والإدارة الجيدة للموارد حتى يتحول السودان إلى دولة ديمقراطية ذات مؤسسات بها مسؤوليات محددة.
*هل رفعت هذه اللجان توصياتها؟
اللجان فرغت من تقاريرها وسلمت التقارير لوزارة المالية وتم تجميعها في ملف موحد يمثل الوثيقة الخاصة بالبرنامج الثلاثي للاستقرار والتنمية الاقتصادية.
*مقاطعة: إصلاح الاقتصاد هو مطلب المواطن السوداني وهو المفتاح لإصلاح كثير من القطاعات الأخرى؟
نعم. بيد أن الإصلاح الاقتصادي، يتطلب إصلاحات أخرى؛ مثلاً بعض الإصلاحات الجوهرية في الاقتصاد (ترشيد الدعم لبعض السلع) بحيث أنك تدعم صغار المزارعين والمنتجين في بعض المناطق الإنتاجية فإذا لم يكن هنالك خطة واضحة للقطاع الزراعي للاستفادة من الدعم المتوفر عبر الإصلاح الاقتصادي قد لا يستجيب بإنتاجية عالية، من الإصلاحات الأخرى تحسين الضرائب حتى يكون لها دور في الاقتصاد برفع الضرائب لتنعكس في شكل خدمات وتهيئة للبيئة التي يمكن أن تستثمر أو تنتج بها فالقاعدة الضريبية الآن ضعيفة والكثير من المؤسسات لم تنضوي تحت المظلة الضريبية فلن يكون هنالك فائدة ملموسة مما يفتح الباب للتهريب والتهرب الضريبي وعدم الشفافية في الإفصاح عن النشاط الاقتصادي، فالمسألة لديها بُعد يتعلق بسلوك الإنسان ونظرته للمؤسسة الاقتصادية والاستجابة لأوامرها وشكل العلاقة.
*في الدول الأخرى يدفع المواطنون الضريبة (صاغرين) برغم ارتفاع نسبتها، لأنها ستعود عليهم في الخدمات الأساسية المقدمة لهم من الدولة من تعليم وصحة وخدمات أساسية بعكس ما يحدث في السودان، لذلك يكون هنالك تهرب ضريبي. فهل سيكون التوسع رأسيا بزيادة الضريبة أم إدخال المؤسسات خارج المظلة الضريبية؟
التوسع سيكون أفقيا أكثر من رأسيا بمعنى أن هنالك مؤسسات كثيرة خارج الضرائب وبإدخالها ستوفر موارد يمكن توظيفها في الخدمات حتى تشجع الآخرين في المساهمة مع الدولة في الضرائب ففي حال توفير الخدمات لن يعترض دافع الضريبة لكن ما يحدث (النقمة) والتهرب الضريبي بأن هنالك إعفاءات ضريبية لكثيرين بها شكل من التحايل على القانون ولن يستطيع الآخرون المنافسة معه لأنه (محمي) فبالتالي تطبيق الإصلاح الضريبي بعدالة على كل النشطاء اقتصادياً وصحيح أن مواطني الدول الأخرى يدفعون الضرائب لأنهم يرون عائدها أمامهم.
*ما هي مخرجات لجنة الاقتصاد لأنه (هَم) المواطن السوداني؟
لدينا مشكلة أساسية وهي أن المواطن (يتخيل) بأن الحكومة من المفترض (تعيش) الناس وتأكلهم وتشربهم ولو لم يتغير هذا المفهوم لن تنقدم؛ فالتغيير يبدأ من نفسك، فإذا لم تصبح منتجا ولك دور إيجابي في مجتمعك لن تتقدم إلى الأمام فالغلاء الطاحن في المجتمع الآن المتضرر الأول صاحب (الماهية) والعاطل لكن أي مواطن آخر (الأعمال الحرة) لا يهمهم الغلاء وإن كان صاحب (درداقة) فإذا كنت (أحمل) بضاعة المواطن عبرها بـ (10) جنيهات مع الغلاء سأزيد السعر إلى (50) جنيها وينسحب الأمر على عمال اليومية بزيادة قيمة (اليومية) على حسب ارتفاع الأسعار بالسوق بالتأكيد غلاء الأسعار مخيف لكن لم يتوقف أحد من الشراء، الناس أصابهم هلع حتى التجار ساهموا في ذلك بتهيئة المستهلك نفسياً بأنه مقبل على زيادات أخرى ليست لها تبرير أو سند (إذا لم تشتر اليوم بخمسة آلاف جنيه فسأبيعها لك غداً بـ (7) آلاف) هنالك كثير من الزيادات مفتعلة من فئة من المحتكرين والسماسرة ويدفعها المواطن الذي يعيش في هذا الهلع والخوف.
*يفترض على الحكومة وضع لوائح وقوانين لكبح جماح السوق؟
اللوائح والقوانين موجودة..
*مقاطعة: إذا هي موجودة وغير مفعلة سيان .
نعم هذه مشكلة، فالحكومة تصدر القانون لكن بمجرد عمل استثناء يعني ذلك أنك هزمت القانون فأي شخص لديه بضاعة محتكرة من المفترض تصادر، وليست تغريمه (10) آلاف ويتم إرجاع البضاعة.
مقاطعة: لا توجد عقوبات رادعة لذلك يسهل التحايل على القانون.
بالضبط (كده) فإذا تمت مصادرات للبضائع وتوزيعها ستقلل من عمليات الاحتكار مرة أخرى فليست هنالك عقوبة أردع من المصادرة، بالإضافة إلى أنه يجب أن يكون لدى التاجر أخلاق فمثلاً في أيام (كورونا) وبعد إلزام المواطنين بلبس الكمامات (اختفت) من السوق تماماً ولكنها ظهرت لتباع في الشوارع بأرقام (فلكية) فاستغلال حاجة الآخر (مشكل) إنساني في حين أن دول العالم الأخرى هنالك شركات أنتجت (الكمامات) وعملت على توزيعها مجاناً فأين الشهامة والإنسان السوداني (والحاجات دي ما بتشبهنا) فهنالك مشاكل كثيرة في الاقتصاد الإنسان السوداني سبب مباشر فيها ويحملها للدولة.
مقاطعة: الدولة هي التي تصحح المسار المعوج ولا تترك الحبل على الغارب، كما أن المسؤولين مهمتهم إدارة الدولة بشكل أمثل من أجل المواطن.
صحيح لابد أن يكون للدولة يد طولى في فرض هيبتها بالذات في المسائل التجارية وذلك بتقليل الوسطاء وبتعامل المنتج مباشرة مع المستهلك، فالدولة لها دور أساسي لكن يتطلب أن ينتصر المواطن لمبادئ الدولة ولا تتعامل على الدولة على أنها هي (البوليس) وإنت (الحرامي) فلابد للمواطن أن يساعد الدولة في التطبيق فالدولة في النهاية من الشعب.
مقاطعة: لكن على الدولة أن تساعد الشعب على الإنتاج لا أن تعيقه، فزيادة أسعار الوقود ستوقف الكثيرين من الإنتاج سواء كانوا مزارعين أو مصنعين، فعلى الدولة دعم ما يدير لها عجلة الإنتاج.
بعض ممارسات الإنسان تؤكد بأنه العدو الأول ويعلي مصلحته على الآخرين حتى وإن حاولت الدولة مساعدة بعضهم على الإنتاج، فمثلاً وجدنا (ترعة مياه) في طريق (أم مرحي) بولاية الجزيرة وبالقرب منها مساحات مزروعة لكننا اكتشفنا لاحقاً بانه تم إحداث عطل في الترعة (قنوات الري) التي تمرر المياه لمناطق زراعية أبعد والتي قتلها العطش العطل بسبب ممارسات بعض المواطنين الذين يزرعون خارج المشروع.
*مقاطعة: نرجع للبرنامج الثلاثي وإصلاح الحال.
البرنامج الثلاثي يتناول أهدافا محددة خلال ثلاثة أعوام لمشاريع تنموية بالإضافة إلى مشاريع تأهيل الكادر البشري من أجل حُسن إدارة الموارد وتخصيصها بشكل أنفع للمواطن مع المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية تجنباً لمنع التلوث لها وهدرها ومشاريع للحماية الاجتماعية للفقراء، من ضمنها برنامج (ثمرات) وهو عبارة عن تحويل نقدي باعتباره أحد الأدوات التي يتم استخدامها بواسطة الدول لمحاربة الفقر، وقد لا تكون الأداة المثالية والأنجع للمحاربة لكنها مهمة في خفض الفقر خاصة للمواطنين الذين ليست لديهم المقدرة على الإنتاج مثلا (كفيف) ولايوجد لديه عائل ليعيش بها (حد الكفاف) حتى ولو تم توفير أدوات إنتاج فلا يقوى.
مع أزمة الغلاء الطاحنة لن تساوي قيمة التحويل النقدي التي تم تحديدها مؤخرا مرة (2) دولار وأخرى (5) دولارات ثمن خبز (حاف) لمواطن أو تكلفة المواصلات في الشهر.
التحويل النقدي الذي وصفته بالقليل قد يعني الكثير لإنسان الريف كأن يشتري به مواطن تقاوي لخضروات ويزرعها أو يقتني بها (بهيمة) توفر له الحليب وهذا المبلغ (حلم) لإنسان فقير ليست لديه (أي شيء) وهنالك آخرون اشتروا بها دجاج بلدي وحمام وأصبح لهم مصدر دخل لاحقاً وهنالك الكثير من المشروعات لا تحتاج إلى (رأس مال) كبير، فتكلفة المعيشة في العاصمة تختلف عن الأرياف.
*البرنامج الثلاثي والاهتمام بالبنى التحتية؟
وضعنا في البرنامج تأهيل قطاعات النقل من السكة حديد والنقل النهري لأنه تأهيلها يوفر عمالة كبيرة من الشباب المهرة خريجي التدريب المهني والتلمذة الصناعية والدبلومات الفنية الوسيطة يمكن استيعابهم في خلال فترة وجيزة بإيجاد فرص عمل وصقل لمهاراتهم وفي نفس الوقت يؤهلوا قطاع (النقل) أساسي في تحريك الاقتصاد، خلال هذه السنوات من عمر البرنامج لو تم تأهيل قطاع السكة حديد والنقل النهري وبنيات الري في المشاريع المروية سيكون إنجاز الأمر الذي سيسهم في الإنتاج عموماً والصادرات خاصة صادر القطن، وبإعادة هذه المشروعات ستخلق فرص كبيرة بتأهيل هذه المشروعات وتوقع أن تدرج مشاريع (الجزيرة حلفا السوكي والرهد) ضمن المشروعات التي سيتم تأهيلها والتي ستدعم حوالي (6) مليون أسرة بتحريك العمل بها.
*مقاطعة: لو تم تسييل المبالغ التي كانت بحوزة منسوبي الحكومة البائدة في البنك الزراعي من أجل (اللحاق) لتمويل المزارعين قبل الموسم الزراعي (لكان) تم استرداد ما تم اقتراضه إلى البنك من جديد وزادت المساحات المزروعة.
السودان يحتاج إلى مؤسسات قوية لإدارة التسليف والتمويل فالبنك الزراعي لوحده لا يستطيع لابد من وجود مؤسسات أخرى تدعمه.
*هل هذا فتح باب لعودة مؤسسة الثروة الحيوانية؟
صحيح . فمؤسسة الثروة الحيوانية بها نظام عمل متكامل، نحنا لدينا مشكلة كبيرة نمتلك مساحات كبيرة جداً لكن عدد السكان قليل فهنالك دراسات تقول إن لتعمير السودان نحتاج إلى (100) مليون نسمة والآن لدينا (40%) من المطلوب لإعمار السودان.
*مقاطعة: يمكن إعماره بالتقانات وليس أعداد السكان.
نعم التقانات لم تترك مجالا لكن السودان له حوالي (30) عاما محروم من التقانات حتى التقانات الموجودة (قديما) أصبحت قديمة وتخطتها موجة التطور ولا توجد إسبيرات لها والتي كانت يمكن أن تحدث تحولا في الإنتاج الزراعي لذلك حتى اليوم يتعامل قطاع كبير من المزارعين بالطريقة التقليدية والبدائية للإنتاج والتي تسد الاكتفاء الذاتي للمزراع وبعش الربح لكنها لم تتخط إلى الإنتاج الاقتصادي الاستثماري بقيمة مضافة أكبر.
*هل في البرنامج الثلاثي قفزة إلى الصناعات التحويلية حتى يكسب السودان نسبة (القيمة المضافة) من منتجاته التي تصدر خاما للدول الأخرى؟
عقلية الإنسان السوداني أصبحت محصورة في المضاربات والتهريب والسمسرة، وليس لديهم ذهن خلاق للعمل في مجالات الصناعات التحويلية فـ (الطحنية والدكوة) يمكن أن يتم صناعاتها في المنازل فلماذا يتم استيرادها، يمكن تكوين جمعيات لصناعات تحويلية لمنتجاتنا، فصاحب (عربة البرادو) لو استغنى عنها واشترى (سحانات) للفول السوداني يمكن أن يؤسس لصناعة تحويلية ويفتح فرص لعمالة آخرين.
*لكن الدولة (من محلية وولاية وحكومة مركزية) وبزيادة وتعدد الضرائب والجبايات على الصناعات أقعدت بالصناعات؟
إذا تم تغيير العقلية لأصحاب المال للدخول في الإنتاج الحقيقي..
مقاطعة: كثير من المنتجين توقفت صناعاتهم بسبب سياسات الدولة؟
المنتجون الحقيقيون أصبحوا ضحية، فالعدالة لما تختل في التعامل من مستثمر لآخر بإعفاءات وتسهيلات، لكن الآن هنالك تحول لابد من استثماره (ما تتمترس في مكانك) فالنظام السابق سقط منذ فترة وجار إصلاح القوانين لكن نحتاج إلى همة وعزيمة وأنا متأكد بأن رأس المال الوطني الموجود كاف جداً لخروج البلاد من (الورطة النحنا فيها دي) فهناك كثير من السلع المستوردة من المأكولات (لا لزوم لها) (حلاوة لبان وحلاوة مصاصة) وكل ذلك عملة صعبة والأدهى والأمر استيراد الخضروات والفواكه، فمنتجاتنا قد تكون صحية أكثر من المستوردة العالم كله أوقف بعض المنتجات المستوردة من الخضر والفواكه والتي يمكن الاكتفاء الذاتي منها محلياً بجودة أعلى لكن مازلنا نستوردها ونحتاج إلى مبادرات من المواطنين للنهوض بالبلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى