حوارات

وزير المالية الأسبق والخبير الاقتصادي د. التجاني الطيب إبراهيم لـ(الديمقراطي) (2-2):

استغرب لعدم مناقشة المؤتمر لاتفاق صندوق النقد

التوافق في ملفات الذهب والشركات العسكرية مهم

السودان ليس في نعيم ضريبي

لا يمكن الرهان على دعم خارجي دون اصلاحات داخلية

الإنقاذ فشلت في تطبيق 13 برنامجا لصندوق النقد

<<< 

يحذر وزير المالية الأسبق والخبير الاقتصادي د. التجاني الطيب من رفع الدعم في ظل ارتفاع معدلات التضخم وعدم استقرار سعر الصرف، الطيب الذي حصل الماجستير والدكتوراة من جامعات ألمانية عمل كخبير اقتصادي بصندوق النقد والبنك الدوليين ووزير دولة للمالية والاقتصاد إبان الديمقراطية الثالثة، يدعو إلى التدرج في عملية الاصلاح الاقتصادي، مؤكدا أن هناك تسلسلا يجب أن يتبع في إصلاح السياسة العامة لتحقيق تأثير أكثر فعالية،  وإلا فإن الإخفاق في ترتيب الأولويات وإدارة التوقعات سيخلق أوضاعا كارثية، في هذه المساحة تواصل (الديمقراطي)  طرح التساؤلات حول تحديات الاصلاح الاقتصادي.

<<<< 

<<<< 

حوار- محمد عبدالعزيز

تصوير- يحيى شالكا

<<< 

·       كيف تقيم ما توصل إليه المؤتمر الاقتصادي؟

هدف المؤتمر هو إيجاد حلول للمشكلات الاقتصادية وإجراء نقاشات مجتمعية للتوافق حول ما يتم التوصل إليه، لقد وضعوا العربة أمام الحصان، ما حدث كان تجمع غاب عنه الاقتصاد، لقد خلطوا بين المؤتمر الاقتصادي والحوار المجتمعي، فلم يخرجوا بحلول واضحة.

·       لماذا لم تشارك في المؤتمر الاقتصادي؟

لم أتلق دعوة ولكن تابعته عبر الإعلام.

·       هناك انتقاد أخلاقي للحكومة يتعلق بتوصلها لاتفاق مع صندوق النقد لتنفيذ سياسة محددة وتأتي لعقد مؤتمر اقتصادي للبحث عن رؤى دون الإشارة للاتفاق؟

هذا أمر جدير بالتساؤل، واستغرب لعدم إشارة الحكومة إلى اتفاقها مع صندوق النقد منذ يونيو الماضي، كما أن اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية لم تسأل عن الاتفاق، في تقديري لو عرضت الحكومة الاتفاق على المؤتمر وناقشت كيفية تنفيذه لخرج المؤتمر بنتائج أفضل وقيمة مضافة لمعالجة الأوضاع الاقتصادية، الحكومة نجحت في الخروج من المؤتمر بتوصية (ترشيد الدعم) التي يمكن أن تكون مبررا لتنفيذ الاتفاق الواجب التنفيذ منذ الأول من يوليو ولفترة زمنية تمتد لـ12 شهراً تنتهي في 30 يونيو عام 2021م، ولا يقتصر البرنامج على ترشيد الدعم بل يتضمن أيضا تحرير سعر الصرف وإكمال استراتيجية مكافحة الفقر المتعطلة منذ العام 2013، وكان يجب أن تنجز قبل بدء الاتفاق، والبرنامج صعب، ويراجع كل 3 أشهر، وفي حال تعثر أي شيء يلغى وتبدأ من جديد، الإنقاذ فشلت في تطبيق 13 برنامجا خلال الألفية الجديدة آخرها في 2016.

·       حسب الاتفاق يفترض أن يدخل التنفيذ في يوليو الماضي والآن مضت الـ 3 أشهر الأولى دون أن يبدأ؟

أدرج رفع الدعم في الموزانة المعدل باعتباره سينفذ، وإذا لم ترفعه حتى أكتوبر فإن العجز الذي يصل لـ255 مليار يستوجب إضافة 100 مليار أخرى، البرنامج فشل قبل أن يبدأ والجهات الرسمية لم تتخذ قرار التنفيذ بعد.

·       هل الأمر رهين بغقناع الحاضنة السياسية؟

الأمر خطير وشبيه بما حدث عند زيادة الأجور وبشكل أسوأ، الوقت الراهن غير مناسب لرفع الدعم في ظل وصول معدلات التضخم 212 في المئة، فذلك يعني تصاعد معدلات التضخم بوتيرة أسرع ليصل لنحو 400 في المئة وهذه معدلات خيالية، وسيدفع ثمنها الاقتصاد وسيستغرق معالجتها وقتا طويلا لإنزال معدلات التضخم وسيكون بدوره مكلفا للحكومة والمواطن لذلك ستدفع التكلفة مرتين.

·       وما الحل في ظل هذه التعقيدات؟

العمل على الحد من التضخم وتثبيت سعر الصرف، وهذه الأهداف بالمناسبة أعلنها رئيس الوزراء ووزير المالية، ولكن بعد عدة أشهر تركوا هذا الجانب وانصرفوا لزيادة المواهي والأجور وأشعلوا السوق.

·       كيف يمكن الحد من التضخم وتثبيت سعر الصرف في ظل الأوضاع الحالية؟

إصلاح المالية العامة والحد من الطلب الفائض 240 مليار جنيه بشكل متدرج، للهبوط بمعدلات التضخم، ويمكن أن يتم ذلك سواء من خلال إلغاء زيادة الأجور أو تقليصها، أيضا إمكانية تقليص النفقات العسكرية والأمنية، إضافة لكل ذلك مراجعة حجم الحكومة الحالية وهل يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية الحالية، مع الأخذ في الاعتبار استحقاق السلام.

·       ولكن لا يمكن تحقيق إصلاح اقتصادي دون استقرار سياسي؟

لا يمكن أن يكون الاستقرار السياسي رهين بتوظيف الناس، المشكلة تتعلق في توزيع الثروات في البلد، الآن هناك مشكلة في أنه لا توجد ثروة، وفي ظل إنفاق الموارد الحالية على المنصرفات التشغيلية من رواتب وغيرها لا يمكن تحقيق التنمية وتوفير الخدمات للمواطنين، وفي السودان درجنا على عقد اتفاقات سلام دون أبعاد اقتصادية، بعد الاتفاق نبدأ البحث عن مصادر التمويل، لتأتي وزارة المالية وتتحدث عن حاجتها لـ 7.5 مليار دولار لتغطية بنود السلام من أين تأتي.

·       ألا يمكن زيادة إيرادات الحكومة عبر الإصلاح المؤسسي، مثلا زيادة التحصيل الضريبي من نسبة 6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 12 في المئة على الأقل؟

المؤتمر الاقتصادي وقع في ذات الخطأ، وهي أسطوانة يكررها صندوق النقد بالحديث عن السودان نعيم بالنسبة للضرائب، وفي الواقع الصندوق يتحدث عن الإيرادات الضريبية الرسمية، لذلك لا يدخل التجنيب والزكاة ورسوم الولايات، وإذا تم حساب كل ذلك سنجد أن نسبة التحصيل الضريبي تصل لنحو 12 في المئة من الناتج الإجمالي وهو ما يجعل السودان في صدارة الدول النامية.

·       هذا يقود لسؤال عن مدى دقة الأرقام والإحصائيات الرسمية؟

يمكن اعتبارها مجرد مؤشرات، وعادة في التحقق منها تكتشف عدم دقتها، على سبيل المثال العلاقة بين الكتلة النقدية والتضخم لا تكون متسقة، عند حساب معدل النمو (إجمالي الأسعار الجارية مطروحا منه التضخم) تجد الحسابات غير منضبطة، معلومات الإحصاء الكلي تأتي من الإحصاء، والمالية من وزارة المالية، لا يوجد من يستطيع التدقيق في تناسق المعلومات بين الجهتين وهو ما يجعلها تخرج (سلطة)، وهو ما يجعل صندوق النقد يشير كل عام إلى ضرورة تحسين طرق الإحصاء والضبط التي تعتبر جزءا مهما من عملية الإصلاح.

·       فشل السودان في الإيفاء ببرنامج صندوق النقد سيؤثر سلبا على مطلوبات إعفاء الديون من قبل الدائنين الحكوميين وفقا لمبادرة (هيبك)؟

لا يوجد أحد ينشغل بهذا البرنامج في الوقت الراهن سوى السودان، بعد أن قطعت الدول الأخرى أشواطا في تسوية ديونهم خاصة مع المؤسسات السيادية صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وبنك التنمية الأفريقي، تقريبا نحن الدولة الوحيدة حاليا ولا يوجد أمامنا خيار سوى هذا البرنامج، وكما قلت لك الإنقاذ لم تنجح في الـ13 مرة السابقة في الالتزام بالبرنامج للحصول على شهادة حسن سير وسلوك في التخطيط وتنفيذه، وحتى لو نجنا في ذلك فلن نكون مستعدين فـ(هيبك) لديها مشكلات أخرى، أبرزها عند إنشائها السودان لم يكن جزءا منها لذلك لم ترصد له موارد، وهذا يستلزم دفع أمريكا 3 مليار دولار للاستفادة منها، وهو أمر يبدو غير وارد في ظل الأوضاع الحالية، علاوة على موافقة 75 في المئة من المانحين لخلق ضغط على واشنطن للتمويل، وهو أمر لم يتم التطرق له في مؤتمر أصدقاء السودان في برلين، أضف لذلك ورقة استراتيجية مكافحة الفقر التي لم تكتمل بعد.

·       في حال تجاوز خيار صندوق النقد هل يمتلك السودان خيارات أخرى بالاتجاه شرق للحصول على دعم صيني مثلا؟

التوجه نحو العالم في ظل الظروف الحالية قفزة في الظلام ولا يمكن الرهان عليه، علينا القيام بعمل داخلي مكثف لإحداث استقرار نسبي في الاقتصاد الكلي، عبر ضبط المالية العامة، والنمو، وخفض معدلات التضخم، واستقرار سعر الصرف، وتحسين بيئة الاستثمار، قبل البحث عن أي دعم خارجي.

·       هل يتطلب ذلك كفاءة أم إرادة سياسية؟

الاثنان معا، يمكن ترتيب البيت الداخلي وتحقيق نفس مطلوبات صندوق النقد ولكن بالوتيرة التي تناسب الأوضاع في السودان وهو ما قد يستغرق نحو 3 سنين، وليس عاما كما يطلب الصندوق.

·       فيما يلي الإصلاح الاقتصادي هناك حديث عن ضرورة ولاية المالية على المال العام خاصة فيما يلي الشركات العسكرية والأمنية، وسط مخاوف من حدوث انقلاب في حال رفض العسكريين المساس بمصالحهم؟

من المهم أن يحدث توافق بين المدنيين والعسكريين في ملف الذهب والشركات العسكرية والأمنية، الذهب يرتبط بالصرف على المنظومة العسكرية والأمنية، في الموازنة العامة للدولة يتم تخصيص البند الأول المرتبات والأجور وقليل من المنصرفات للسلع كالشاي والقهوة والأثاث، فمن أين يأتي باقي الصرف؟ في الماضي جنبت الإنقاذ جزءا من حصة النفط في الخارج لهذا الغرض، بعد انتهاء النفط اتجهوا للذهب وهو ما يستمر حتى الآن، هذه قضية تستلزم المصارحة بين الجانبين، فلا يمكن أن تنتج 10 أطنان من الذهب وإيرادها 1.2 مليار دولار، وتنتج 100 طن وتكون الإيرادات 1.5 مليار دولار، ما يحدث هو استمرار للتجنيب ولكن هذه المرة مع الذهب.

·       هناك تفسير آخر بحدوث تهريب لثلاثة أرباع الإنتاج بسبب السياسات الحكومية؟

البعض يقول ذلك، ولكن من يقوم بالتهريب؟ من الممكن أن تهرب إبرة أو دولارات، ولكن لا يعقل أن تهرب 80-90 طنا من الذهب، والجهات التي يفترض أن تقوم بحماية الذهب قد تكون مستفيدة من هذه العمليات، لذلك لابد من المصارحة بين الطرفين لتكشف المؤسسات العسكرية والأمنية عن مصادر تمويلها للبنود غير التشغيلية.

·       الحديث هنا عن وجود شركات ومؤسسات استثمارية؟

هذا يعني أن حجم الحكومة حسب الموازنة العامة لا يعكس حقيقة حجمها في الاقتصاد، هذه المؤسسات يجب أن تدرج كملك للدولة، لا يوجد مانع أن تقوم هذه الشركات بتصدير الذهب بشكل رسمي بدلا عن تهريبه وتستفيد من عائداتها شريطة أن تكون للمؤسسات العسكرية والأمنية موازنات معروفة وتناقش وتراجع كل عام، وأي فائض يعود للمالية العامة.

·       في ظل ضعف الموارد كيف يمكن للحكومة توفير الاحتياجات الأساسية من وقود وقمح ودواء؟

لدينا تجربة في السياسات المالية بالعام 1988، تقوم على وجود سعرين للصرف، رسمي للضروريات وسوق مواز للكماليات، لجنة السياسات المالية درجت على الاجتماع كل صباح في بنك النيلين المحطة الوسطى الخرطوم لتحديد السعر الموازي بعد تقييم السوق.

·       ألا يعتبر ذلك أيضا تشوها؟

ليس أكثر مما يحدث فالحكومة لديها الآن 6 أسعار للصرف، ولكن هذه السياسة لن تنجح لوحدها، والإصلاح يتطلب التدرج حسب مقتضيات الواقع، وأعتقد أن هناك عدة جوانب أولها شراء النقد الأجنبي عبر الجهاز المصرفي حسب أسعار السوق الموازي دون مساءلة أحد عن مصدر أمواله، المصارف تعمل في الأماكن التجارية والحيوية على مدار اليوم صباحا ومساءً حتى لا تعطي ثغرة لتجار السوق الأسود، وأي دولار تشتريه يدرك السوق الموازي أنه سلاح سيستخدم ضده مستقبلا لذلك سيكون حذرا ولن يجرؤ على المضاربة بذات سرعة الأوضاع العادية، وستزداد مهمته صعوبة بعد حصول الجهاز المصرفي على قدر كبير من العملات الأجنبية خاصة أن إدارة السوق الموازي مكلفة جدا بسبب التسلسل الطبقي للعاملين فيه وحجم الفوائد التي تجنيها كل شريحة، وهو ما يعني أن الجهاز المصرفي سيكون أكثر فعالية وقدرة على التنافس، هذه السياسة حققت نتائج إيجابية في الأسبوع الأول حققت 50 ألف دولار في اليوم، وهو رقم محبط، ولكنه تصاعد سريعا ليصبح خلال شهر نحو مليون دولار، بعد استقرار التجربة لثلاثة أشهر وصلنا لنحو 3 ملايين دولار في اليوم، وهو ما سهل توفير نقد لشراء السلع الضرورية، واستقرار في سعر الصرف، ذات الأمر يطبق على الصادر، لا يعقل إجبار المصدريين على شراء المدخلات بالسوق الموازي وحسابها بالسعر الرسمي، هذه السياسة يجب أن يتبعها إصلاح المالية العامة بشكل يتزامن مع تخصيص موارد حقيقية للتنمية لتحقيق توزان في الاقتصاد الكلي لرفع وتيرة الإنتاج وتوفير معروض محلي وتعزيز الصادر، وهنا يمكن ضمان تحويلات المغتربين، هذه السياسات يجب أن تمضي بهذا التناسق والتسلسل وفقا لجدول زمني محدد.

·       هل يمكن القول إن تجربة سعر الصرف المرن المدار التي طبقتها الإنقاذ كانت مشابهة لتجربتكم؟

الإنقاذ كانت تلعب، اللجنة تحدد سعر ولا تواكب تطورات السوق الموازي، في المقابل لقد حققنا نجاحا في ذلك الوقت إلا أننا فشلنا في مجال المالية، فقد دفعنا لمجلس الوزراء بمقترحات لزيادة الأسعار لتوزيع العبء وتقليل العجز، على سبيل المثال رطل السكر كان يساوي 95 قرشا رفع ليصبح 125 قرشا، الـ25 قرشا كانت ستسد الفجوة العامة في الموازنة خاصة فيما يلي توفير مليار جنيه لزيادات الأجور بعد اتفاق مع اتحاد العمال بدلا عن طباعتها وهو ما لم يدركه السياسيون، إلا أن وزيرا في اجتماع مجلس الوزراء (حلف طلاق) بألا تتم زيادة أي شيء سوى السكر ليصل لنحو 3 جنيهات، وهو ما أتى بمظاهرات السكر، وزاد الطين بلة تراجع الحكومة عن الزيادات لتستقيل بعدها في فبراير 1989.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى