حوارات

وزيرة الخارجية مريم الصادق: تنسيق مصري سوداني وتلاقٍ فى الرؤى بشأن سد النهضة

حوار ــ سمر إبراهيم
العلاقات بين الخرطوم والقاهرة تتمتع بتوافر الإرادة السياسية للتعاون
الملء الثانى لسد النهضة يهدد حياة 20 مليون سودانى بخطر داهم
التصرفات الأحادية لأديس أبابا خلال العام الماضي سببت لنا ضررًا بالغًا
منطقة الفشقة سودانية 100% وتحتاج فقط لزيادة نقاط ترسيم الحدود وتحديد مداخل العبور
مماطلة إثيوبيا مقدمة لضم الأرض بـ«الحيازة» بموجب القانون الدولي
**
حوار خاص مع سيدة تُعبر شخصيتها المُركبة والمتعددة عن «سياسية مقاتلة» فهي ضابط ومقاتل سابق بصفوف المقاومة، وطبيبة، ومناضلة اعتقلت دفاعا عن مواقفها، وسياسية تشغل منصب نائب رئيس حزب الأمة الذي يُعد من أكبر الأحزاب بالسودان، وأيضا هي ابنة واحد من أبرز الزعامات التاريخية السودانية الراحل «الإمام الصادق المهدي»، وأخيرا عينت وزيرة للخارجية في الحكومة السودانية الجديدة، لتحمل أعباء استعادة دور بلادها ومكانتها في محيطها الإقليمي والعربي والإفريقي، إنها الدكتورة مريم الصادق المهدي.

ففي أحد فنادق القاهرة، التقيت وزيرة الخارجية السودانية على هامش زيارتها الأولى إلى مصر عقب توليها الحقيبة الوزارية في 8 فبراير الماضي، وفي حوار لـ«الشروق» هو الأول لصحيفة مصرية، جاء غداة لقائها الرئيس عبدالفتاح السيسي ومباحثاتها مع وزير الخارجية سامح شكري، وحضورها اجتماعات وزراء الخارجية العرب، تحدثت الوزيرة على مدى أكثر من 40 دقيقة عن خصوصية العلاقات «المصرية ــ السودانية» وآفاق التعاون بينهما خلال الفترة المقبلة، وتناولت مستجدات ملف سد النهضة والنزاع الحدودي مع إثيوبيا بشأن منطقة «الفشقة»، والتطبيع مع إسرائيل، وإلى نص الحوار:
**
<* العلاقات بين مصر والسودان تشهد في الوقت الراهن زخما سياسيا بوتيرة سريعة، ويتجلى ذلك في زيارتك للقاهرة وزيارة الرئيس السيسي للسودان وزيارة رئيس الوزراء المرتقبة لمصر، كيف سيؤثر ذلك على مستقبل العلاقات ايجابيا لاسيما أن هناك أيادي تسعى لتخريب العلاقات بين البلدين؟
ــ أتوقع أن يكون هناك من يسعى لذلك، ولكن نحن لا ننطلق من رد فعل على مخربين أو غيرهم، لاسيما أن الواقع في الوقت الراهن أتاح فرصة كبيرة بين البلدين للعمل والتعاون في مختلف المجالات بصورة قائمة على إرث ضخم بين الخرطوم والقاهرة، وذلك في إطار العديد من الاتفاقيات الثنائية والآليات الموقعة ولكنها جميعا كانت تصطدم سابقا بحاجز غياب الإرادة السياسية بشكل ما، وهو ما جعل العلاقة أسيرة لفعل ورد الفعل من أي من الطرفين، وجعلها أيضا عرضة للتراشق الإعلامي على مر العصور، مما كان له أثر سلبي في الاتجاهين.
أما الآن فتتوافر الإرادة السياسية لدى البلدين، وأيضا الحاجة الحقيقية للتعاون على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني والاستراتيجي في ظل التعاون بمجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن والتي تحتم علينا التنسيق بيننا، فضلا عن التنسيق والتعاون فى إطار معابر الحدود البرية المشتركة، والبحر الأحمر، ونهر النيل، حتى نتجاوز أزمة الحدود والمعابر أيضا بمعادلة كسبية لشعبي البلدين.
فكل هذه القضايا تشير إلى أن الزخم الحالي بين مصر والسودان ليس لحظيا، وفي وزارة الخارجية نشعر بكثير من المسؤولية لأننا نُعد الحافظين لشكل تلك العلاقة وتحقيق مكاسب على أرض الواقع، وتجلى ذلك في شكل التحضير الذي طُلب من الوزارة لزيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى السودان، وهو ما يعزز الشعور بأهمية الزيارة وأن تحقق ثمارها على أرض الواقع.
*< ملف سد النهضة من القضايا التي تنذر بمخاطر على دول حوض النيل ومنطقة القرن الإفريقى في ظل التعنت الإثيوبى إزاء التوصل إلى اتفاق قانوني مُلزم.. ما هي رؤية السودان تجاه هذا الملف؟ وكيف يسير التعاون المصري السوداني بشأن هذه القضية؟
ــ هناك تنسيق بين مصر والسودان بشأن هذا الملف، يقوم على مواقيت محددة وتلاق كبير بينهما في الرؤى، وعزيمة على استمرار التنسيق لاسيما في الفترة القريبة المقبلة، لاسيما في ظل إعلان إثيوبيا عزمها الملء الثاني للسد في يوليو المقبل مما يهدد شعبي مصر والسودان، ولكن التهديد بالأساس للمواطنين السودانيين فهناك 20 مليون مواطن مهددون بخطر داهم.
ونأمل أن يعمل التنسيق والتلاقي في الرؤى بين البلدين على تحقيق المصلحة حتى يكون سد النهضة، سدا يبلور التعاون ما بين جميع دول حوض النيل ويحقق التعاون بين الدول الثلاثة (مصر، السودان، وإثيوبيا). كما أن هناك تنسيقا بشأن دعم «الرباعية الدولية» للوساطة التي يقودها «الاتحاد الافريقى، الاتحاد الأوروبى، الأمم المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية» ليكون لها دور سريع في إعادة إثيوبيا للمفاوضات لنفرغ من الوصول لاتفاق مُلزم وقانوني، والتوصل إلى صيغة كسبية للدول الثلاثة، فنحن لا نريد أن يشعر طرف بعزلة أمام الطرفين الآخرين، أو أن هناك تكتل عليه، ولكن بالتأكيد التصرفات الآحادية المنفردة لإثيوبيا خلال العام الماضي سببت لنا كثير من الضرر، ونسعى بكل الوسائل الدبلوماسية لعودتها إلى طاولة المفاوضات.
*< التصعيد الإثيوبي في منطقة الفشقة السودانية يثير المخاوف من تفاقم الوضع كيف يرى السودان سبل إنهاء هذه الأزمة؟ وهل يمكن التعويل على دور للاتحاد الإفريقي في نزع فتيل الأزمة؟ وهل هناك إمكانية لحل الأزمة عبر الوساطة التي طرحتها دولة جنوب السودان؟
ــ نعم، بالفعل هناك العديد من المبادرات من دول عزيزة وتعلم كثيرا عن السودان مثل جنوب السودان، واستقبلنا زيارة هامة من مبعوث مفوضية الاتحاد الإفريقي محمد الحسن ولد لبات للدعوة إلى التهدئة وهناك دعوات من كثير من الأصدقاء الآن مثل الكونغو الديمقراطية التي تترأس الاتحاد الإفريقي حاليا.
وفيما يتعلق بقضية «الفشقة» هناك واقع يجب تأكيده إنها «أراضى سودانية» بموجب اتفاق بشأن الحدود بين البلدين عام 1902، والذي تم في عهد الإمبراطور الإثيوبي منليك الثاني وتولى المباحثات عن الجانب السوداني المستعمر البريطاني، إذن كانت إثيوبيا دولة مستقلة والسودان هي التي كانت دولة مستعمرة فكيف لأشقائنا الإثيوبيين ترديد أنها اتفاقيات استعمارية؟
إن الفشقة منطقة سودانية 100 % بلا شك، وكل ما تحتاجه فقط هو زيادة نقاط ترسيم الحدود وتحديد مداخل العبور، نعلم أن هناك متغيرات سياسية فى الداخل الإثيوبي ونتعامل مع الموضوع بضبط للنفس، خاصة أن هناك بعض المسؤولين الإثيوبيين لديهم مصالح مباشرة في أرض الفشقة ويستخدمون مواقعهم لخدمة مصالح جزء من القوميات الإثيوبية بينما نحن في السودان نعلم أن العلاقات بين إثيوبيا والسودان علاقة استراتيجية ولذلك عملنا على أن يكون بيننا سياسة حوارات مفتوحة.
لكن لم يكن بالإمكان الصمت على سياسة المماطلة التي دأب الجانب الإثيوبي على اتباعها تحديدا منذ عام 2013، ونخشى أن تكون تلك المماطلة مقدمة لأن تكون الأرض لهم بالحيازة بدعوى مرور 50 عاما دون مطالبة سودانية بالأرض، ولذلك تقدم جيشنا بلا إراقة للدماء، وفي الوقت الذي أريقت فيه الدماء بين الإثيوبيين ظل السودان يستقبل أعدادا كبيرة من اللاجئين بلغ عددهم أكثر من 70 ألف شحص نتعامل معهم بكل ترحاب.
وبشأن الوساطات من الدول الشقيقة بخصوص الفشقة، هناك صد كبير جدا من هؤلاء المسؤولين الإثيوبيين الذي يدافعون عن حقوق خاصة بهم ويُعرضون علاقة استراتيجية حقيقية مع السودان للخطر.
*< قبيل تعيينك فى الحكومة الجديدة بشهور، كان لك موقف من مسألة التطبيع مع إسرائيل وربط الإدارة الأمريكية هذا الموضوع برفع اسم السودان من قوائم الدول الراعية للإرهاب.. كيف تنظرين كوزيرة وقيادية في حزب الأمة القومي إلى ملف العلاقات مع إسرائيل؟
ــ بشأن رفض التطبيع مع إسرائيل، هذا رفض الحزب وموقف حزبي، لاسيما أن موقف «حزب الأمة القومى» كان ولا زال يرفض التطبيع. أما فيما يتعلق بالدولة السودانية، نحن توافقنا في مجلس الشركاء على أن نتناقش وتعرض جميع القضايا بصورة شفافة، لاسيما أننا جميعنا وطنيون ننشد السلام والاستقرار في بلادنا، إذن لا شك بأننا سنلتقي في الرأي والتوجه وكل ما نحتاج إليه التعامل بشفافية من أجل السودان، ففي الفترة الماضية بعض الملفات كانت غير مطروحة للجميع، ولذلك ما توافقنا عليه الوصول لرؤية سودانية موحدة في المحتوى والآليات.
وبشأن كيفية اتخاذ القرار في الدولة، هناك جدل فهل سيتخذه المجلس التشريعي الحالي القائم ما بين مجلسي الوزراء والسيادة، أم المجلس التشريعي المُعين، أم المجلس التشريعي المنتخب؟ فكل هذه الآن قضايا مطروحة للبحث والتوافق حولها بآفق منفتحة من أجل السودان.
ولكن كل ما يتعلق بملف التطبيع في الوقت الراهن هو محل بحث بصورة شفافة من مجلس الشركاء، لأن المجلس هو المعنى بوضع أطر الشركاء في الحكم، كما أنه يُمثل البعد السياسي، حيث يضم «قوى الحرية والتغيير ومن بينهم حزب الأمة، والعسكريين، وأطراف العملية السلمية» ونأمل خلال الفترة المقبلة أن يُمثل فيهم قيادات التغيير فى الدولة حتى الذين من خارج الحرية والتغيير.
*< العلاقات «السودانية ــ الأمريكية» شهدت تدهورا في عهد النظام البائد ثم تطورت إلى الأفضل عقب الثورة، هل هناك مؤشرات من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على وضع العلاقات مع السودان في دائرة الاهتمام بدعم النظام الجديد؟
ــ أتوقع بأن تمضي في مسار موضوعي، ومسار فيه المزيد من التعاون بأسس واضحة قائمة على مصالحنا المشتركة، لذلك نحن الآن في وزارة الخارجية نتحدث بوضوح لنقل ملف السودان في طبيعة علاقاته مع أمريكا إلى مرحلة طبيعية من العلاقات الاستراتيجية على مستوى جميع القضايا المشتركة من الأمن والسلم العالميين، والتعاون الاقتصادي، وتنمية الديمقراطية، وغيرها من القضايا التي تجمع بين الخرطوم وواشنطن بصورة كبيرة.
*< سيرتكم الشخصية تحمل تركيبة مثيرة للدهشة، فأنتِ نجلة الزعيم السوداني الراحل الصادق المهدى، وطبيبة، وضابط برتبة رائد في جيش التحرير، ونائب رئيس حزب الأمة القومي.. كيف تؤثر هذه التركيبة على مهمتك الصعبة كوزيرة للخارجية؟
ــ صحيح، من الممكن أن تكون تلك التركيبة مدهشة، ولكن إذا تحدثنا عن جانب واحد في حياتي سنجد السمة الغالبة هى «كسر الأطر» وهو الذى يعبر عنه الآخرون بالتمرد، بالفعل أنا أنتمي لأسرة دينية كبيرة تتمتع بوجود اجتماعي ومن ثم الطبيعي أن أكون شخصا تقليديا، ولكن من يعرفني منذ طفولتي سيجد أنني كنت أنتمي للكشافة منذ عمر الـ12 عاما، وفي الفروسية واصلت قدما حتى وصلت إلى الأردن بنادي الجواد العربي، وفي العمل اخترت الطب لشعوري الشخصي بالخدمة العامة وتحديدا لخدمة القضية الفلسطينية، وحتى عند لحظة اختياري للكلية التي أريد الالتحاق بها، فكرت ما بين كليتى «الطب، والحربية» ووالدي دفعني بقوة نحو دراسة الطب، وبالتالي فكرة القتال من أجل ما أحمل من أفكار هي فكرة أساسية بالنسبة لي.
وفي آخر جلسات والدي الراحل الإمام الصادق المهدي مع أشقائي وأبنائهم، طلب منا أن يسرد كل شخص للأطفال تجربة أو بعضا مما أفاده في حياته، فذكرت: «وأنا في مطلع مرحلة التعليم العالي كنت عندما أذهب لأي مكان، أقوم برسم شكل يدي على ورقة وأكتب عليها « لا.. لن أستكين» وأضعها أمامي، إيمانا بعدم الرضوخ للأمر الواقع وعدم القبول بما أعتقد أنه خطأ وعدم الاستكانة، ومن ثم وجدت كل الأطر تنفتح، والتحقت بأعلى درجات المقاومة المسلحة، وبعد ذلك أصبحت سياسية مقاتلة في وجه النظام السابق، وعندما شاركت القوى السياسية في الحكومة دفعت بمن تعتقد أنهم كوادر مؤهلون للعمل بها.
*نقلا عن (الشروق) المصرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى