الرأي

نصح للنائب: احذر شيوخ السلاطين

رباح الصادق
(1)
إذا كان رئيسا مجلسي السيادة والوزراء كثيرا ما يعملان بسرية وغموض، كلقاء السيد عبد الفتاح البرهان السري بنتنياهو في عنتبي، وخطاب السيد عبد الله حمدوك السري للأمم المتحدة في يناير، وكذا تعديله السري في فبراير 2020م، فإن مما يحمد لنائب رئيس السيادي السيد محمد حمدان دقلو (حميدتي) أن نوافذ الشفافية لديه تعمل بشكل أفضل، وظل يفتحها من حين لآخر ليطلعنا على ما يدور في غرف الحكم، وقد فعل مؤخرا ليرينا عزمهم المضي باتجاه التطبيع مع إسرائيل، مطلقا مبررات نهتم اليوم بنقاش ثلاثة منها وهي: أن التطبيع في مصلحة السودان، وأنه أمر رباني بنص الآية الكريمة من سورة النساء (وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا)، وأن القادة السودانيين (شيوخ البلاد) سلموا بالتطبيع وجدواه.
(2)
نبتدر نقاشنا بتأكيد أننا نفهم أن موضوع التطبيع ليس أمرا مسلما به، فقد طبعت الحكومة الفلسطينية ذاتها، وبعد موجة مصر والأردن الأولى، تعلو الآن موجة جديدة ذات سنامين انتخابيين يركب الأولى الرئيس الأمريكي الأحمق دونالد ترامب ويعلو الثاني رئيس الوزراء الإسرائيلي المجرم بنيامين نتنياهو، وعلينا أن نناقش الأمر بموضوعية حتى لا تكون مواصلتنا للمقاطعة أو لحاقنا بالموجة كالإمعة، بل بناء على بصيرة، فكما قال الإمام المهدي: من دخل في أمر بلا بصيرة خرج منه بلا بصيرة.
(3)
المصالح المذكور أننا سوف نجنيها من التطبيع تشمل رفع السودان من قائمة الإرهاب، وبعض الأموال، وقد أوردت الواشنطن بوست (1 أكتوبر 2020م) نقلا عن مسؤولين سودانيين طلبا حجب هويتهما إن السودان عرضت عليه مساعدات تبلغ “أقل من مليار دولار معظمها في شكل وقود ووعود استثمار لا كنقود”، وأن الجانب السوداني طالب “بمبلغ ضعف المعروض على الأقل كثمن للتطبيع مع إسرائيل”.
مع العلم أن إزالة وصم الإرهاب مربوطة بأن يدفع السودان 330 مليون دولار تعويضات عن جرائم نظام خنق الشعب السوداني ودمره في 1989م قبل أن يفجر سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998م والمدمرة “كول” عام 2000م.
نستحضر هنا كتاب الفرنسي آلان دونو “نظام التفاهة”، والذي عرضته مترجمته للعربية قائلة: ” بذلك، وعبر العالم، يلحظ المرء صعودا غريبا لقواعد تتسم بالرداءة والانحطاط المعياريين: فتدهورت متطلبات الجودة العالية، وغيب الأداء الرفيع، وهمشت منظومات القيم”. وأي تهميش لمنظومات القيم في هذا المزاد!.
إن مصالح السودان في أن يمضي للأمام بتوافق واتساق، وسوف يستطيع حينها تفجير إمكاناته الذاتية، ونذكر بأن المنهوب من السودان بسبب الغش في الفوترة فقط في سنوات بعد الانفصال (2012-2018م) أي بعد تضييق ماسورة النفط بلغ 30.9 مليار دولار، بواقع نحو خمسة مليارات دولار في العام، هذا مع سوء الإدارة، ومع أشكال الفساد الأخرى. فكيف تبدأ (المزاد) إذا جئت تبيع ذمة شعبك بمثل هذا الرقم؟
(4)
والسؤال في أية منظومة صحيحة للعلاقات الخارجية: هل القائمون على السودان الآن مسؤولون عن الجرائم المذكورة؟ وحينما يكون الرد: كلا، بل لقد ثار شعب السودان ضد المجرمين، فإن كل حديث عن تعويضات ينبغي أن يسير باتجاه كيفية جلب التعويضات من ثروات المجرمين وما أكثرها، وأماكن وجودها معلومة، أما إجبار السودان على دفعها حتى قبل أن يسترد أمواله المنهوبة فهو مزاد بموقف شعب لسلعة الرفع من قائمة الإرهاب، والمفارقة المضحكة المبكية أن السودان مضطر ليشتري الرفع أن يطبع مع أكبر نظام إرهابي في عالم اليوم. نظام يقصف المدنيين، ويسفك الدم الفلسطيني، ويتعبد نصوصا حرفها باسم الرب تمجد القتل والسحل والدماء!
(5)
ليس من مصلحة السودان التطبيع مع دولة مارقة في الدماء غارقة، والرأي الأمريكي العاقل يدرك ذلك، أحيلكم/ن فقط لتقرير مجلس السلم الأمريكي بعنوان “تطبيع العلاقات السودانية الإسرائيلية الآن لعبة خطرة، 24 سبتمبر 2020م” وفيه تحذير من أن الضغط على السودان للتطبيع الآن مع حكمه الانتقالي الهش سيؤدي لإنهيار حكومته الانتقالية التي تمثل “فرصة جيل” للعبور من الأوتقراطية والعنف للديمقراطية والاستقرار، وجاء فيه: “لا أحد يريد تكرارا لاتفاقية السلام اللبنانية الإسرائيلية في 1983م التي كانت بلا شرعية شعبية وإنهارت في أقل من عام”، “إن الدفع لسلام إسرائيلي سوداني متعجل قمين بأن يفجر الفترة الانتقالية في السودان ويعطي دعما متجددا للإسلاميين ولداعميهم الأجانب في السودان”.
كذلك ليس من مصلحة أمريكا ولا مصلحة العالم فوز ترامب الأخرق الذي سوف يحصد ثمار التطبيع العربي المذل انتخابيا.
(6)
الآية التي استشهد بها سيادة النائب ليؤكد أن الله نهى عن مخاصمة الخائنين وهم الإسرائيليين تفسيرها مختلف، وعلى النائب أن ينكب على التفاسير ليتراجع عن كبوة الفهم. مثلا، قال الطبري: (ولا تكن لمن خان مسلما أو معاهدا في نفسه أو ماله ” خصيما ” تخاصم عنه، وتدفع عنه من طالبه بحقه الذي خانه فيه). وقال القرطبي: (نهى الله عز وجل رسوله عن عضد أهل التهم والدفاع عنهم بما يقوله خصمهم من الحجة، وفي هذا دليل على أن النيابة عن المبطل والمتهم في الخصومة لا تجوز) وهنا فإننا بالتطبيع نائبين عن إسرائيل في حججها، مع أنها تنتهك الشرعية الدولية وقراراتها، وتؤسس لدولة عنصرية ملفوظة بمواثيق حقوق الإنسان، أي نعصي أمرا ربانيا لا نطيعه!
(7)
على السيد النائب أن يذكر لنا من هم شيوخ البلاد الذين أيدوا التطبيع؟
والمعلوم أن قادة البلاد وحاضنة حكومة الثورة (قوى إعلان الحرية والتغيير) أعلنوا موقفا واضحا بأن التطبيع مسألة خلافية ليس البت فيها من صلاحيات الحكومة الانتقالية وينبغي أن تترك للحكومة المنتخبة.
وكان السودانيون يعرفون في الماضي الزعماء الثلاثة (المهدي والميرغني والهندي) وشيوخ الطرق الصوفية. وسمعنا قول الإمام الصادق المهدي إن ربط الرفع من قائمة الإرهاب بالتطبيع ابتزاز مهين لكرامة السودان (الديمقراطي 27 سبتمبر)، وعلمنا برفض السيد محمد عثمان الميرغني له باعتباره عبثا (التيار 23 أغسطس). فهل زاره شيوخ كأولئك الذين جاءوا للمخلوع عشية سقوطه، في يناير 2019م حينما قال إن الشيوخ: “نصحونا بالتطبيع مع إسرائيل”؟ إذن فليحذر منهم، وليعلم أن البشير برغم رفضه المعلن كان قد استمع لشيوخ السلاطين أولئك، فعبد طريق التطبيع بخطوات عديدة كفتح أجواء السودان لطائرات تل أبيب، وما خفي أعظم، والبشير وشيوخه لا يهدون إلى سبل الرشاد.
وليبق ما بيننا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى