الرأي

نحو قومية سودانية موحدة

احتفل السودان الرسمي والشعبي يوم السبت الفائت الموافق 3 أكتوبر 2020 بتوقيع إتفاقية السلام في جوبا عاصمة جنوب السودان، وهذه أولى المفارقات في القضية السودانية أن ترعى حكومة جنوب السودان الذي انفصل عن الوطن الأم كدليل على العجز عن تحقيق السلام والوحدة بين الشمال والجنوب. وكان الإحتفال رائعاً وبديعاً ولكنه يعكس تناقض الإنسان السوداني فالسودانيون يبنون وطناً من أروع ما يكون على مستوى الأناشيد والقصائد ويحلمون به يوماتي ولكنهم سرعان ما يحولون حلمهم إلى كوابيس مفزعة على مستوى الواقع والممارسة. إذ بعد هذه الثورة الأسطورية التي مهرت بدماء الشباب المقدسة ما زالت الانشقاقات والانقسامات هي السائدة بين قوى الثورة حول قضايا لا تتعدى أحلام العصافير ولا تقف على مستوى قامة تطلعات الوطن والآن يقف نفس الثوار الذين اتحدوا وتكاتفوا حتى أسقطوا أعتى نظام ديني فاشي في العالم يقفون اليوم منافرين ومنفوشين مثل الديكة استعداداً للقتال وتصيد لأخطاء رفاقهم ووصفهم بالفشل رغم أنهم جزء من هذه الحكومة والدولة التي يصفونها بالفشل.
لقد حولت نخبة ثورة ديسمبر المجيدة المشهد المتردي إلى لوحة سريالية ونحن الآن لسنا أمام حكومة إنتقالية ثورية ولكنها حكومة سريالية تماماً لأنها تعكس وضعاً لا معقولاً ولا تستطيع مهمة وبالتالي نحن في حالة حرج: كيف ندافع عن هذه الممارسات اللامعقولة.
تصور حكومة يصفها رئيس مجلس السيادة ونائبه في كل مناسبة بأنها فاشلة وكأنهم متفرجون من المدرجات ما هو دوركم وكيف تمارسون تكليف الشعب وإذا كنتم عاجزين وفاشلين فلتذهبوا إلى منازلكم بشرف وكرامة، أو أن تقوموا بالتقويم وتصحيح الأخطاء والعمل على إنجاح الفترة الإنتقالية حسب مواثيق الثورة وتطلعات الشعب.
ومن أشد ممارسات الدولة السريالية إيلاماً (المضحك المبكي) فتح ملف التطبيع مع الكيان الصهيوني في هذا التوقيت مع الأزمات المعيشية والإقتصادية القاتلة وصفوف الخبز والبنزين منذ الفجر تطرح النخبة السريالية موضوع التطبيع بإصرار في أجهزة الإعلام (صحيح الناس في شنو والسرياليون في شنو).
ومن قلب الأزمات يأبى وزير سريالي إلا أن يقوم بتصريحات ينافس بها مسرحيات عادل إمام فهو يبشر الشعب بتطور صناعة الطيران في السودان وبعدها بأيام يصرح بأن مردود الصادر لا تدخل منه مليم واحدة الخزينة. فماذا فعلت أيها الوزير الهمام في هذه الحالة تسحب رخصة أي مصدر لا يورد للخزينة العامة حصيلة إنتاجه بالكامل للخزينة العامة.
وأزيدك أيها القارئ الكريم ألماً من المشهد السريالي فقد رأينا محامي النظام البائد داخل محاكمة المخلوع يهللون ويكبرون ويهتفون، دون أن يأمر القاضي بإيداعهم في الحراسة حفظاً لهيبة دولة الثورة وإحتراماً للقضاء.
مع توقيع إتفاقية السلام وسط هذا المشهد المحزن نعلق كثيراً من الآمال على الجبهة الثورية أن تدخل بروح قومية في معركة الديمقراطية وتقف بلا تردد إلى جانب القوى الثورية لهزيمة الظلامية والمتخاذلين لمسيرة التقدم. كلنا أمل أن تكون الجبهة الثورية رصيداً قومياً ديمقراطياً في السودان الموحد وألا تتحدث عن المحاصصة بل عن المشاركة الشعبية لأن عضو الجبهة الثورية في حالة مشاركته في السلطة لا يحكم بصفته بجاوياً أو نوباوياً أو فوراوياً بل كسوداني ديمقراطي يعمل من أجل بناء سودان جديد وإنسان جديد يعيش في القرن الحادي والعشرين في عالم إنساني صاعد. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى