الرأي

مُرافعة عن شُهداء فض الاعتصام ضد الكيزان ومُجرمي العسكر والدعم السريع ..

نضال عبدالوهاب ..
تظل جريمة فض اعتصام القيادة في التاسع والعشرين من رمضان الموافق الثالث من يونيو 2019 واحدة من أكبر الجرائم في تاريخ السودان الحديث، ليس في عددية من أُستشهدوا وتم العثور على جُثثهم والتعرف عليهم من ذويهم، ولا بعددية من وجدت جُثثهم ولم يتم التعرف عليها وتم دفنهم بلاهوية، ولا في عددية من وجدوا في مقابر جماعية رُجح أنها لشباب كانوا هنالك في أرض الاعتصام، ولا بعددية من وجدوا داخل المشارح والعديدين منهم بلا هوية ولم يتم التعرف عليهم فتم أيضاً دفن مُعظمهم بلاهوية، وليس بعددية من دُونوا تحت بند المفقودين ولكن مُعظم الدلائل تشير إلى أنهم ذهبوا ضحايا في ليلة ونهار فض الاعتصام .. ليست هي الجريمة الأكبر بسبب كُل هذه الأعداد مابين شهيدٍ ومفقود ولكن لأنها تمت وبكل وحشية وفظاعة وقساوة ودون أدنى ذرة من إنسانية وبكل دمٍ بارد، وليست في ساحة معركة أو حرب مُعلنة أو نزاع وصراع قائم ومعلوم .. تمت من عناصر بقايا الدولة الإسلامية ورموزها في الجيش والدعم السريع والأمن والشرطة ومليشيات وكتائب الكيزان بكل مستوياتها من دبابين وكتائب ظل ودفاع شعبي وأمن شعبي لبسوا كل الأزياء العسكرية كما وصفهم أحد الشهود (أزياء شرطة وشرطة عمليات ومكافحة شغب وشرطة عسكرية وجيش وقوات خاصة ودعم سريع وبعضهم بملابس مدنية ولكنهم مسلحون ..)، وركبوا كل أنواع العربات والتاتشرات العسكرية التابعة للشرطة والأمن والجيش والدعم السريع، كل هذا تم توثيقه بالكاميرات وبإفادات الشهود ممن كانوا هُنالك من ثوار ومُعتصمين .. هي الجريمة الأكبر والأبشع لأنها عبرت عن وحشية الأيدولوجيا الدينية والعسكرية، فقد كان يتم قتل الضحايا وضربهم وتعذيبهم بوحشية واغتصابهم والتحرش بهم وإهانتهم بكل غُبن وحقد على اعتبار أنهم كانوا يُنادون بالدولة المدنية التي يمكن لهم أن يعيشوا فيها حياة إنسانية حُرة وكريمة، فكان يتم وصفهم بالصعاليق والكفرة والشيوعيين والعاهرات والحُثالة من قبل متوحشين وبربريين تم غسل أدمغتهم في مُعسكرات فُتحت خصيصاً لتدريبهم لهذا اليوم قبل شهرين من موعِد فض الاعتصام وارتكاب المجزرة .. هي الجريمة الأكبر والأبشع في تاريخ السودان الحديث لأنها تمت ضد أبرياء عُزل ونيام كانوا للأسف تحت حماية جيش البلاد من المُفترض، ولا زال في أُذني وقد يكون في آذان الكثيرين لكل من شاهد ذلك التسجيل وفديو إحدى الفتيات الثائرات تُخاطب عساكر الجيش بحدة وخوف في تلك اللحظات أمام القيادة العامة للقوات المُسلحة (حتسيبوهم يضربونا .. هديلك جايين علينا .. حتسيبوا الدعامة يكتلونا) ثم تُسمع أصوات الرصاص، ثم تصرخ الفتاة مع حركة الجري (الجيش انتهى .. جيشنا انتهى) .. نعم كان الجيش أيضاً مُتواطئا ومُشاركا في هذه المجزرة دلالة على تلقيه تعليمات بعدم وقف أي هجوم أو عمل مُساندة أو صد أو حماية من القوات التي هاجمت فعلياً وقتلت المُعتصمين الأبرياء والعُزل ! .. هي الجريمة الأبشع والأكبر لأنها تمت بعد صلاة الفجر في آخر يوم من أيام رمضان والثوار صائمون والدنيا قبايل عيد .. أي أن من قاموا بكل هذه الفظائع من ضباط وعساكر وجنود وكتائب ومليشيات الكيزان وبقايا الدولة الإسلامية الدينية نفسها قد تجردوا من كُل ما يربطهم بذات الدين الذي أوهمونا لمدة ثلاثين عاماً أنهم حُماته وجاءوا لتحقيق وبسط شرع الله في الأرض السودانية وقِيم السماء، فما بسطوا إلا القُبح والندالة والقتل وسفك الدماء الحرام حتى في أفضل الشهور عند الخالق العظيم.
وبالطبع وبعد أن استيقظ كل العالم على هذه الجريمة الكُبرى وشهد فظاعتها، حاول من كانوا على رأس الحُكم في البلاد (المجلس العسكري الانتقالي) صنيعة الكيزان والإسلاميين، حاولوا إخفاء جريمتهم والتنصل عنها، فبدأوا بقطع الإنترنت حتى لا يتم تداول فديوهات وتسجيلات المجزرة وتفاصيلها للعالم، واستمروا بمحاولات الالتفاف وطمث الحقائق عنها، بدءاً بالتقليل من أعداد الشُهداء والضحايا والمفقودين والجرحي، ثم بمحاولات التذرع بأن المقصود كان ليس فض منطقة اعتصام القيادة وإنما (منطقة كولومبيا) بشارع النيل ولكن القوات المخولة بذلك قد انحرفت وقامت بدخول منطقة اعتصام القيادة، برُغم أن شارع النيل نفسه بما فيه هذه المنطقة كانت ضمن حدود الاعتصام وتحوي عددا كبيرا من الثوار، وهل لمنطقة صغيرة بحُسبان أن بها تفلتات أمنية ومظاهر سالبة يمكن أن يتم فضها بكل هذا العدد من القوات والتي إذا كانت وجِهت لحلايب وشلاتين والفشقة لكانت قد حررتهم من قبضة المُحتلين! .. مارَس قادة المجلس العسكري الكذب وهم يحاولون التنصل من هذه الجريمة وقاموا بمحاولة إلباسها لقلة محدودة جداً من الضباط في الجيش والدعم السريع، وكأنما كل هذا الذي تم كان دون علمهم وبلا أي انتباه منهم لما يحدث من فظائع .. لعل نفس هذه القيادات في الجيش والدعم السريع شاركت في قتل أبناء وبنات الوطن في دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة وارتكبوا الفظائع والقتل والحرق للبشر والمُمتلكات هنالك، فهل يُمكن أن يعوزهم عدم تكراره في الخُرطوم ! .. ثم فضحتهم لاحقاً التصريحات وتضاربها مابين ( البرهان والكباشي وحميدتي وياسر العطا وعبدالرحيم دقلو)، وهذا الأخير كان قد خاطب مُعتصمي الجنينة مُهدداً بالقول (نحن فضينا ستة اعتصامات قبل كدا).
على من تقع المسؤولية الجنائية إذن يا حكومة الثورة والنائب العام ويا لجنة أديب في فض الاعتصام وقتل المُعتصمين ؟ .. هل يُعقل وبعد مرور قُرابة العامين من هذه الجريمة لا تُكشف الحقائق عن المسؤولين عنها للشعب السوداني ولأُسر الشهداء والضحايا وأن يُقدم من ارتكبوا هذا الجُرم للعدالة وأن يتم القصاص للشُهداء ! ..
هل تسقط المسؤولية الجنائية عن قادة المجلس العسكري لمجرد أنهم دخلوا في اتفاق سياسي مع قوى الثورة وأصبحوا شُركاء في الحُكم، أين حق الشُهداء الذين هم من جاءوا بالثورة وبهذه السُلطة وبمن فيها ممن اشتركوا على قتلهم، حتى وإن كانت مسؤولية أخلاقية كانت تستوجب منهم في الأساس اعتذار قادة (المجلس العسكري ) إن كانوا حقاً أبرياء كما يدعون عن المُشاركة في هذه السُلطة دعك من محاولاتهم المُستميتة للانفراد بها، هُنالك عُرف أخلاقي عند العسكريين الحقيقيين أن من يُخطئ منهم في إشهار سلاح وتوجيهه وقتل شخص بريء أن يقوم ذات العسكري هذا بتوجيه فوهة سلاحه نفسه ليقتل نفسه قصاصاً لضحيته البرئية .. أين قادة المجلس العسكري من أخلاق العسكرية هذه وهم يتمترسون في سُلطة كانت بوابتهم إليها مئات الشهداء والضحايا ودماؤهم ! ..
هل كما قال والد الشهيد عباس فرح إنهم يشعرون بعدم الجدية في تحقيق العدالة والاقتصاص لدماء أبنائهم الشُهداء ..
أين حق الشهيد وقصاصَه يا حكومة الثورة ويا عسكر السُلطة ويا قادة المجلس العسكري سابقاً وممثلي مجلس السيادة الحالي ومجلس الشُركاء.؟
الشُهداء وأُسرهم ونحن معهم نتساءل أين العدالة ومتى يتم القصاص؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى