من للفقراء يا جبريل!

بثينة تروس
رغم العسر الاقتصادي والفقر الذي أصاب كافة المواطنين، إلا أنه تواصلت في شهر رمضان عادات هذا الشعب الأصيل الذي ديدنه اطعام (الكسرة) رغم شُحّها (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)، يطعمون ويتشاطرون طعامهم مع الأقارب والأباعد، يبتغون في رمضان وجهه الكريم.. وبالمقابل استثمر الإخوان المسلمون رمضان، يشترون الانفس بطمع عودة السلطة، والتمكين، وصناديق الاقتراع والانتخابات! فنصبت الحركة الإسلامية خيمها الفاخرات وجمعت فلول النظام الإسلاموي، تحت لافتات إفطار التيار الإسلامي العريض، ينشدون وينتحبون، على فقدان السلطة، وكان الأحرى ان تذرف دموعهم توبة وندماً على الذي اقترفوه في حق هذه البلاد، وان يتواروا خجلاً من الفساد الذي نخر عظم البلاد كمنساة سيدنا سليمان!
وبالطبع لم تفت على خازن بيت مال الاخوان المسلمين، وزير المالية والتخطيط الاقتصادي جبريل إبراهيم، موائد الرحمن في بيت شيخه الترابي فهي أحب إلى نفسه من موائد المعسكرات في دارفور، فعاد الكرة، حين أتت به دماء الشهداء، فكان أول حجه إلى بيت شيخه، ولم تطأ اقدامه معسكرات النزوح، و(رواكيب) أهله الذين ينتظرون (العدل والمساواة). فهرول في رمضان يتفاكر واخوته سبل الحصانة المالية، وتطمينهم أن مال الدولة في جيوبهم، وأن شركاتهم الاستثمارية اَمنة من كل تحولات سياسية قادمة. وما خاب ظن شيخهم فيهم حين قال (أكلوا الأموال اكلاً عجيباً) (وانهم يجلسون على خزائن أموال لا يملكونها)، فجبريل وَفيّ للتنظيم الاخواني، بأكثر من وفائه لله، في حق الشعب الذي عصفت به السياسات المالية الفاشلة، والانهيار الاقتصادي، والتضخم والغلاء الذي طحنهم طحناً. وهذا ما أكد عليه رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس، ان جبريل ومناوي (خلافاتهم مع موقعي الإطاري ليس حول هياكل الانتقال أو الحكومة، لكنهم يرغبون في ضمان تمثيلهم الخاص)..
وليت جبريل الطامع في مواصلة الاستوزار باسم فقراء أهل الهامش، تواضع بالجلوس إلى موائدهم، ووزع عليهم من أموالهم صدقات، علها تشفع له في طموحه في السلطة! بل ليته تعلم من (الغرب) الذي اَواه حينما لجأ إليه، فأطعمه، واَمنه من خوف، وليته تعلم من السفير الأمريكي جون قودفري الذي طاف وطاقم سفارته على بيوت المواطنين، يشاركونهم الإفطار، ويقدمون الحقائب الرمضانية، ويعدون الوجبات، ويقومون بتوزيعها على المارة في الشوارع.. لكن صاحب العدل والمساواة ابن تربية اخوانية، ترفع المصاحف حين التزاحم على السلطة، وتخفضها عند العدل، فهم لا يتذكرون سيرة العادل الخليفة عمر بن عبدالعزيز، إلا في خطب الجمع الرمضانية، وهو الذي ظل يرد المظالم منذ ان استخلف حتى الممات، وحرص أن لا يتم تعيين أي والي له، به صلة قرابة أو رحم، ومنع اشتغالهم بالتجارة.

أما عدالة جبريل الذي وصل بثورة ديسمبر المجيدة وباسم المهمشين للسلطة، ثم اختار التحالف مع العسكر الاخوانيين ضدهم، وصار عدو الثورة والثوار، فهي عدالة معطوبة وهو بالفعل (شخص غير محايد) كما وصفه فولكر! أرهق كاهل المواطنين بالضرائب في سبيل أوهام اقتسام الثروة والسلطة، فمكن لجنود حركته الأراضي والعقارات والوظائف الإدارية، رافعاً لواء الهامش ومظالم المركز والعنصرية، واستحقاقات اتفاقية جوبا (حصان طروادة) في وجه المحاسبة والمساءلة.. فحين تم اعفاء 4100 سيارة و2000 حاوية متعلقات شخصية لمنسوبي الحركات المسلحة، كان نصيب حركته منها 700 سيارة. ولم يجد حرجاً في انه أعفى سيارة ابن أخيه من الجمارك، مصرحاً (لا نجد حرج او استغلال للنفوذ ولا لأي شكل من اشكال الفساد).. صحيفة الإنتباهة.. وهو تصريح يتناسب ومذهبية الاخوان المسلمين في فقه التحلل، وسرقة المال العام، الذي طال فساد منظمات الدعوة الإسلامية، والحج والزكاة والأوقات.
ولأن (الكوز) كائن متحول يستند إلى اثارة العواطف الدينية، فقد عمد منذ انقلاب البرهان على ملء الساحة السياسية ضجيجاً بالتظلم تحت دعاوي الاقصاء السياسي.. الشاهد أن تقارير فساد الحركة الإسلامية في المرافق الدينية كانت موثقة من المراجع العام إبان عهدهم الظلامي. (كشف المراجع العام الطاهر عبدالقيوم لدى تقديم تقريره أمام البرلمان السوداني، عن تحصيل مبلغ 2,1 مليون ريال سعودي (13 مليون جنيه سوداني) من الحجاج كاحتياط وعدم تحويله للمملكة العربية السعودية، أو رده للحجاج، وصرف حوافز بمبلغ 490 ألف جنيه.. وأعلن المراجع عن تجنيب الأوقاف الاسلامية مبلغ 117,630 جنيهاً قبل ان يوجه باستردادها.. وكشف الطاهر، عن استئجار شقة للضيافة بجدة بمبلغ 60 ألف ريال رغم صيانة فيلا بمقر البعثة بجدة لذات الغرض بمبلغ 60 ألف ريال سعودي) 13 ديسمبر 2017
وهذا الفساد المتأصل في الحركة الإسلامية، يستثمر فيه جبريل بالتآمر مع اخوته والعسكر، في قضية تعيين المراجع العام، في هذا الوقت مما يضر باقتصاد البلاد، والتقرير الذي أوردته الزميلة صباح محمد الحسن في الجريدة، تحت عنوان (بلد ما فيها مراجع عام!) والاشارة للقرار (90) لسنة 2023 الذي أنهى تكليف المراجع العام المكلف، وتجاوز القانون الدستوري الذي ينادي بتعيين أقدم واكفأ مراجع في كشف العاملين، وذلك باستثمار حالة لا حكومة منذ انقلاب 25 أكتوبر، فلقد تم اختيار إخواني معروف، بل عضو في اللجنة الاقتصادية لكي يكون مراجعاً عاماً. هكذا تتكامل الأدوار بين عصابة الإخوان المسلمين للقضاء على ما تبقى من كرامة لهذه البلاد.
يظن الفلول أن بإمكانهم إعادة العجلة، متجاهلين طاقات الوعي الثوري الذي تفجر في ثورة ديسمبر المجيدة، وأن هذا الجيل حارس لمكاسب ثورته مهما طغى السوء والفساد فهم قادرين على فضح باطله العريان، وقض مضاجع الإخوان المسلمين.