تحقيقات

من الشلوخ لتقشِير البَشَرَة.. الجمال المصنوع.. مكلف ومميت

الديمقراطي ــ أم زين آدم
منذ عامين؛ عَرفت الطالبة ــ بالمرحلة الثانوية ــ مي البشير، كريمات تبييض، وتقشير البَشَرَة. وروت لـ”الديمقراطي”؛ أنها من أجل تجميل بَشَرَتِها تستهلك ــ كل أسبوعين ــ عبوَّة صغيرة من خلطات كريم تبييض البشرة بألف جنيه. تبتاعها من الصيدلية؛ لأنها أكثر أمناً من تلك المعروضة في الأسواق. خاصة؛ تلك الموجودة في أسواق كـ”سوق 6″ الكائنيْن بضاحيتي “مايو، والحاج يوسف”. والتي يتم فيها عرض كريمات التبييض ــ وغيرها ــ دون أية رقابة، إضافة لمحال بيع مستلزمات البنات، المنتشرة داخل المناطق السكنية. وقالت إنه لا ينتابها الحَرج لاستخدامها تلك الكريمات في عمرها هذا؛ لأن أغلب الطالبات بمدرستها يستخدمنها. وترى أن ذلك رهين بالحالة النفسية للبنت؛ فكل ما كانت مستقرة ــ نفسياً ــ أبدت اهتمامها بحالة بَشَرَتها، وجمالها، وكل ما كانت ــ في مزاجٍ عكرٍ ــ أهملت ذلك.
جمال طبيعي
“ع ــ ص ــ م”؛ موظفة، في العقد الثالث من عمرها. تعمل في مهنة؛ يرى البعض، أنها تتطلَّب إبراز جمالها وطلتها الحلوة. لكنها قالت؛ إنها لم تُجرِّب ــ يوماً ــ استخدام كريمات التبييض، ولم تتعرَّف عليها. وقالت ــ في حديثها لـ”الديمقراطي”؛ إنها تحب لون بَشَرَتها الطبيعي، وتعمل للمحافظة عليه ــ في الحدود الدُنيا ــ دون استخدام أي من كريمات، وخلطات تقشير البَشَرَة. وأكَّدت أن هناك خلطات لجمال البشرة وتقشيرها؛ تقليدية، وآمنة، وصحيَّة، ومتوفرة في الموروث الشعبي السوداني، مثل “الدِلْكَة، واللَخُوخَة، وعَرُوكَةِ البنات”. كلها؛ تُرطِّب، وتُنعِّم البَشَرَة، وتُكسبها نضارة. وذكرت أن طبيعة بَشَرَتها ــ والتي ظلَّت محافظة عليها ــ لم تُشكِّل حجر عثرة في تفوقها بمجال عملها، بل كانت عاملاً إيجابياً في تميزها، لو نظر البعض إلى أن لون البَشَرَة ميزة للتفوق والترقي في العمل.
هذا ما ذهب إليه؛ د.محمد المهدي البُشرى، بمعهد الدراسات الإفريقية والآسيوية، وأكَّد أن قيم الجمال، ذات صلة لصيقة بالبيئة، وتكون مناسبة إليها، لذا الجدات “الحبوبات” بفطرتهنَّ عمدن لاستخدام الدخان، وهو من قيمٍ طبيعية، بلا أضرار، ومفيد، ويماثل حمَّام الساونا، ويحافظ على نضارة البَشَرَة.
من كل خمسة شباب ــ استطلعتهم “الديمقراطي” ــ أجاب اثنان منهم؛ أنهما يفضلان الفتيات على طبعتهنَّ. وأفاد أنيس بشير ــ أعمال حرة ــ أن الطبيعة تفوق الجمال المصنوع بالكريمات، وعمليات التجميل، لأنها تحفظ لكل فتاة خصوصية ملامحها، وتفاصيلها. فيما تبدو ملامح الفتيات ــ اللائي يستخدمن مستحضرات التجميل ــ متشابهة، ومتطابقات، ولا شيء يميِّز الواحدة عن الأخرى.
البحث عن الجمال
من الكُحل؛ لتقشير البشرة، وزراعة الشعر، وتركيب الرموش ــ وغيرها من عمليات التجميل ــ تتجدَّد طرق بحث الفتيات عن الجمال، وتتشعَّب!! فمواصفات المرأة الجميلة؛ ومعايير الجمال غير ثابتة، وهي متحركة أسرع من حركة المجتمع.
في السنوات الأخيرة؛ ظهرت على منصَّات التواصل الاجتماعي، مواقع، وصفحات إلكترونية شكَّلت سوقاً رائجة، وجاذبة، ومربحة لأدوات التجميل، بعضها عابر للحدود. فقط؛ هناك رقم هاتف للتواصل عبر الواتساب، مع الترويج للمنتج، وخدمة توصيل للمنزل. وهي مواقع وصفحات؛ مختصَّة بكل ما يتعلَّق بجمال المرأة. أشهرها ــ في السودان ــ قروب “فَسَخْ وجَلِخْ”، الذي تجد فيه المُشارِكات، مئات الوصفات للعناية بالبَشَرَة. وقبل ثلاث سنوات؛ شنَّت الجمعية السودانية لحماية المستهلك، هجوماً شديداً، على استيراد مستحضرات التجميل. وقالت إن استيراد مستحضرات التجميل، يُكلف خزينة الدولة “900” مليون دولار. وذكرت بعض التقارير؛ أن السودان يخسر “136” مليون دولار سنوياً، بسبب مستحضرات التجميل.
معايير متحركة
وقال البشرى؛ إن القيم الجمالية، مسألة متوارثة ومتجددة، وأن معايير الجمال متحركة، فقيم الجمال لدى أجدادنا ــ جد مختلفة ــ فالغناء؛ في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي عن الجمال، كان في الشلوخ. وعند مجيء الأوروبيين، والأتراك، والمصريين، انتهى التغنِّي بجمال الشلوخ. وهذا مثال على تغيير قيم الجمال، وبدأ الحديث عن مضار وأضرار الشلوخ. وأشار إلى إن الرجل يحدد معايير جمال المرأة نتيجة للثقافة الذكورية. فالرجال يحبون المرأة المكتنزة “السمينة”، وصاحبة الأرداف، وهذا يرتبط بالثقافة الجنسية للرجل. والشعر العربي مليئ بالوصف الحسي للمرأة الجميلة التي تمشي الهوينى، وصاحبة المأكمة التي يضيق الباب عنها. وأفاد أن ظهور أجهزة الإعلام؛ وفي مقدمتها التلفزيون، إلى جانب السينما ــ وليس أخيراً العولمة، والفضاءات المفتوحة ــ أتت بقيم جمالية جديدة، وافدة على المجتمع. مثال ذلك؛ وضع الفتاة لأحمر الشفاه، هذا يليق بصاحبات البَشَرَة البيضاء، ويتناسب مع البيئة المناخية الباردة، وليس المناخ الحار ــ كما في السودان ــ كما لا يتناسب مع لون بَشَرَتنا. إضافة؛ إلى أن وضع أحمر الشفاه، لا يتناسب ولوائح الخدمة المدنية، التي تمنع الموظفات، الحضور إلى مكان العمل بالثياب الملونة. ويرى البشرى؛ انكباب الفتيات، والسيدات، على تبييض وتقشير لون بشرتهنَّ ــ وكل عمليات التجميل اللاتي يجرينها ــ أنها “احتقار للذات”، وعقدة لا معنى لها. وقال؛ على الحركات النسوية، ومناصري المرأة، والمجتمع المدني، أن يعملوا ــ متكاتفين ــ لغرس قيم الجمال، التي تتناسب مع بيئة الناس. وأضاف؛ أن الأدهى، أن هناك رجال يغيِّرون لون بشرتهم.
خطر داهم
دكتورة صيدلانية؛ أنيسة علي عبد الكريم، في إفادتها للصحيفة قالت: إن المستحضرات التجميلية المستخدمة اليوم، والأوسع انتشاراً ــ بين الفتيات والسيدات ــ هي منتجات تفتيح البَشَرة، ومنتجات زيادة الوزن. وأن مستحضرات تفتيح البشرة السوقية؛ تعتمد على إزالة الطبقة الأولى من البشرة ــ خلال عملية التقشير ــ وإيقاف عمل صبغة الميلانين بإيقاف إنتاجها. وأن أصحاب البوتيكات؛ يخلطون كميات كبيرة من منتجات ــ غير مسجلة طبياً ــ بنسب عشوائية. وتعمل هذه المواد؛ على تغيير لون البَشَرَة، بصورة تفوق التغيير المسموح به، وتؤدِّي لتدمير البَشَرَة تماماَ. وجزء آخر ــ من هذه المواد ــ يقوم بإيقاف إنتاج صبغة الميلانين، المسؤولة عن حماية البَشَرَة من خطر الإشعاعات الشمسية.
وأوضحت د.أنيسة؛ أن الأخطر من ذلك، استخدام “الاتيرويدات”، وهي مواد توصف لأغراض علاجية معينة، وبجرعات محددة، لما لها من أضرار لا يسلم منها حتى من يستخدمها بجرعات محددة “آثار جانبية”. وقالت إن استخدام هذه “الاتيرويدات”؛ في كريمات تفتيح البَشَرة يؤدي لظهور العديد من الأعراض المرضية، التي قد تنتهي بالفشل الكلوي، أو الإصابة بالسكري. وأن هذه “الاتيرويدات”؛ تأتي تحت مسمَّيات مختلفة، وتُباع في عبوات صغيرة “أكياس”، أو في شكل بدرة، بغرض زيادة الوزن. وهذه البدرة؛ قد تحتوي على أنواع كثيرة، ولكل واحدة منها أضرارها المختلفة، والتي يمكن تلخيصها في إعادة توزيع الدهون في الجسم، حيث تنتقل من الأطراف، وتتركز في منطقة البطن والوجه، وظهور مياه تحت الجلد، واختلال توازن السكر والأنسولين، مما يؤدِّي للإصابة بداء السكري ــ كما ذكرت سابقاً ــ وتؤثر “الاتيرويدات” سلباً على الحالة النفسية، والعقلية، مع الاستخدام المفرط. وتعمل خللاً في وظائف الكُلى، ينتهي بالفشل الكلوي. وتسبب ــ أيضاً ــ هشاشة العظام. وتقول د.أنيسة؛ هناك العديد من المنتجات الطبية الآمنة للبَشَرة، والتي يمكن أن تلجأ لها الفتيات، وتجعل بَشَرَتهنَّ أكثر إشراقة ونضارة. ومن هنا؛ تنبِّه الفتيات، والسيدات، إلى أن صبغة الميلانين، هي خط الدفاع الأول من الشمس، وأن لون البشرة الطبيعي هو الأروع. وبالنسبة للفتيات الباحثات عن زيادة الوزن؛ عليهنَّ اللجوء إلى خبراء التغذية.
معركة خاسرة
بادرت طالبات وطلاب من جامعة النيلين؛ عندما شعروا بتحول “تبييض، وتقشير البشرة”، من ظاهرة إلى هوس، بقيام مبادرة تحت شعار “السَمار.. كل الجمال”، وذلك لتشجيع الفتيات على التخلي عن التقشير، أو كما يُطلق عليه ــ في قروبات النساء ــ “تنظيف البَشَرة”. وبات معروفاً؛ إطلاق كلمة “وسخانة، ووسخ” على لون البشرة الطبيعة السمراء، وتصبح كل فتاة سمراء البَشَرَة تلازمها تلك الصفة. بيد أن الحملة؛ لم تتجاوز مطلقيها، وبعض المتحمسين. كما أطلق طلاب رابطة كلية الصيدلة بجامعة الخرطوم؛ مبادرة “بَشَرتِي لونها ذهبي”، لتوعية الفتيات، والسيدات، بمخاطر استعمال كريمات التبييض. إلا أن المبادرة لم تجد رواجاً وسط المجموعات النسوية الناشطة. فيما تُظهر كل يوم ــ مجموعة جديدة ــ صفحة للترويج لمستحضرات التقشير والتبييض. وفي آخر تقرير لمركز الإحصاء؛ ورد أن هناك تزايداً كبيراً في عدد حالات الأمراض الجلدية، والمرجَّح أن أحد مسبِّباتها كريمات التبييض، والتي تحتوي على “الزئبق، والكورتزون، والهيدروكينون”. وأن مستشفى الأمراض الجلدية بالخرطوم؛ استقبل “80739” حالة مرضية، و”20852″ حالة تشوهات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى