تقارير

معضلات آبي..هل ستصبح إثيوبيا موحدة أم ستنقسم؟!

ترجمة ــ الديمقراطي
أشار تقرير لصحيفة “ذا أفريكا ريبورت”؛ إلى أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وأنصاره من الأمهرة، في صعود. لكن؛ مستقبل إثيوبيا ليس واضحاً بأية حال من الأحوال. ويمضي التقرير؛ إلى أنه من الناحية الاسمية ــ في محاولة لاستعادة القانون والنظام ــ تخوض الحكومة الفيدرالية ــ بقيادة رئيس الوزراء الإثيوبي، الحائز على جائزة السلام ــ نزاعاً وحشياً ضد القادة السابقين في منطقة تيغراي، مما تسبَّب في تشريد عشرات الآلاف، أما من فقدوا أرواحهم فأعدادهم غير معروفة بسبب هجمات المليشيات. ورغم مزاعم أبي أحمد؛ عن تحقيق مكاسب سريعة، فقد غرقت البلاد فيما يشبه الحرب الأهلية الطويلة، والتي قد تؤدِّي لتفاقم المعاناة، وحتى تمزيق البلاد.
في وقت متأخر يوم الثالث من نوفمبر؛ ومع انشغال العالم بالمسرح الانتخابي للولايات المتحدة، قال آبي: إن قوات تيغراي؛ هاجمت الجيش، وقام بتكييف مبدأ باول لحرب محدودة. وأبلغ الإثيوبيين أنه أرسل قوات فيدرالية، بأهداف واضحة، ومحدودة، وقابلة للتحقيق، لاستعادة سيادة القانون، والنظام الدستوري. لم يكن اندلاع الحرب مفاجئاً ــ لمراقبي الأوضاع في إثيوبيا ــ بعد توتر طال أمده بين رئيس الوزراء؛ وجبهة تحرير تيغراي، رتَّب فيه الطرفان لمواجهة مسلحة. ولكن السؤال؛ لماذا عادت إثيوبيا إلى الحرب لتسوية الخلافات السياسية؟!

الانتقال الخاطئ
قبل عامين؛ أدت انتفاضة شعبية ــ لا سيما في منطقتي الأرومو والأمهرة ــ لدفع البلاد إلى حافة الانهيار. ولتجنب تفكك الدولة الإثيوبية؛ وافق مهندسو الإصلاح، على أن يتولى الحزب الحاكم ــ نفسه ــ قيادة الانتقال إلى الديمقراطية، مع وجود وجوه جديدة تتولى زمام الأمور. ومن ثم؛ كان من الواضح ــ منذ البداية ــ أن التغيير لن يكون سوى “نبيذ قديم في زجاجة جديدة”. تم تفضيل؛ “الإصلاح من الداخل”، على “الثورة”، لتجنب انهيار الدولة، منذ سيطرة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي على المخابرات الوطنية، والجيش، وأجهزة الدولة المختلفة. ومن ثم؛ إذا تم اختيار “الثورة” ــ كما يعتقد جوهر محمد ــ لكان قد ثبت أنها دموية، وتُمزق إثيوبيا.
أثار اختيار آبي عام 2018م؛ كقائد للتحالف، ورئيس للوزراء، الأمل في البداية. تم اتخاذ خطوات رائعة لفتح المجال السياسي؛ مما يُشير إلى أن البلاد كانت أخيراً على طريق الديمقراطية. ومع ذلك؛ فشل رئيس الوزراء، في التوفيق بين نخب تيغراي السياسية، والأمنية، والاقتصادية، وإعادة دمجها في الهيكل الحاكم. وبالتالي؛ شعروا بالحرمان، والاستهداف. وأدى نقص الثقة ــ بين الحكومة الفيدرالية ونخب التيغراي ــ لتعقيد العلاقة الهشة، مما دفعها للتورط في صراع مسلح. يتلخَّص عجز الثقة بين الحكومة الفيدرالية؛ و”الجبهة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في عاملين حاسمين: القوة والأيديولوجية. يريد كل من آبي؛ وتيغراي ،تشكيل مستقبل إثيوبيا، لكن لديهما رؤى متضاربة، ومن هنا يأتي الصراع على السلطة.
ورغم أن الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية الحاكمة؛ كانت ائتلافاً من أربعة أحزاب، فإن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ــ والتي تمثل أقل من 10% من السكان الإثيوبيين ــ كانت في مقعد القيادة منذ العام 1991م سياسياً. شرعت جبهة تيغراي؛ في محاولة لتشويه سمعة آبي. وفقاً للحكومة؛ قوَّضت جبهة تحرير مورو الإسلامية، حكم آبي، وحرَّضت على الصراع، وروَّجت للكراهية، وأجرت انتخابات إقليمية “عن صواب أو خطأ”. والأهم من ذلك؛ أظهرت اهتماماً باستعادة السلطة التي فقدوها باسم الدفاع عن الفيدرالية التي داسوا عليها. آبي؛ الذي ربما اقتنع بنبوءة والدته، كان أيضاً يسعى وراء السلطة بأي ثمن، وبطبيعة الحال.. اصطدموا. ولعل المثل الأمهري التالي يوضِّح الموقف: “من المستحيل أن يغادر سيدان المنزل إذا لم يهزم أحدهما الآخر”. ويبدو المثل الأمهري مقابلاً للمثل السوداني: “ريسين بغرقوا المركب”.
التناقض الثاني؛ ينبع من نوع النظام الحكومي، إذ يوجد معسكران لا يمكن التوفيق بينهما، تريد المجموعة اليمينية ــ المكونة أساساً من الأمهرة والنخب الحضرية ــ إعادة النظام المركزي. إنهم يعتبرون النظام الفيدرالي ــ الحالي ــ سبب كل المشاكل السياسية، وعدم الاستقرار. آبي؛ وبعد فُقدانه أوراق اعتماده القومية ــ الأورومو ــ اشترك في هذا المعسكر. وكلاهما مرتبطان بشعار “أجعل إثيوبيا عظيمة مرة أخرى”. وبالنسبة لآبي؛ يمثل وسيلة لتحقيق غاية “تضخيمه الذاتي”. وبالنسبة للنخب الأخرى؛ يمثل “عودة إلى الماضي، وإلى احتكار إثيوبيا الثقافي والسياسي من قِبل أمهرة. وتعتمد استمرارية إثيوبيا؛ ووحدتها، واستقرارها على تطهيرها من الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، وموروثاتها السياسية، أي النظام العرقي الفيدرالي. “9” أقاليم؛ من أصل “10”، تفضِّل النظام الحالي، الذي يمنح الحكومات الإقليمية استقلالية، ويرون أن معظم الإثيوبيين لم يحصلوا على المواطنة الكاملة، في ظل الأنظمة السابقة، بسبب التمييز الرسمي ضدهم. إنهم يرون دعوة المعسكر اليميني لــ”العظمة” الماضية، على أنها دعوة لتجديد العبودية، ونزع الملكية بالنسبة لهم، ويشبهون هتاف نخبة الأمهرة بشعار MEGA بأنه يعني “أجعل إثيوبيا أمهرة مرة أخرى”. وتؤكد هذه المجموعة؛ أن استقرار إثيوبيا، ووحدتها، واستمراريتها، يعتمد على التنفيذ الكامل للدستور، والنظام الفيدرالي. مشيرين الى أن الدستور؛ والنظام الفيدرالي، حق لتأسيس إثيوبيا كدولة ديمقراطية. لأن معظم الإثيوبيين؛ لم يحصلوا على وضع المواطنة الكاملة في ظل الأنظمة السابقة، بسبب التمييز الرسمي.

آبي يمر بمرحلتيْن
مر آبي بمرحلتين ــ منذ توليه السلطة ــ في البداية؛ كان بطلاً لقومية الأرومو. “الأرومو لا يعرف فقط كيف يقود أمة.. ولكن ــ أيضاً ــ كيف يبنيها”.. “معاً؛ يمكننا بناء شرق إفريقيا.. وإفريقيا بأكملها”. هكذا؛ تحدث آبي إلى رفاقه من الأرومو، في جيما يوم 18 مارس 2019م، مضيفاً: “لا يمكن لأية قوة على الأرض أن تمنعنا من القيام بذلك”. عندها بدأت نخب الأرومو؛ في التفكير بوصفهم منقذون، ليس فقط لإثيوبيا، ولكن أيضاً للقرن الإفريقي. وأكدت نخب الأورومو؛ أن القرن الإفريقي المضطرب، سيشفى من خلال دواء “كوشي” ــ ينحدرون من كوش.
لكن للأسف؛ تبددت آمالهم بسرعة، بعد مقتل المغني الشهير هاشالو هونديسا، واعتقال جوهر محمد، وهو سياسي ثقيل، تحدى قيادة آبي لعملية الانتقال. نخب الأورومو ــ الآن ــ من بين أشد منتقدي آبي، مما جعل بعضهم يفقد حياته، والبعض الآخر حريته. نزح آبي؛ من معسكر الأرومو، من قِبل سياسيين يتمتعون بمؤهلات قومية أفضل، مثل ليما ميجرسا، وجوهر، ونشأ في معسكر اليمين. لقد اعتنق جدول الأعمال الإثيوبي؛ وقلب ميزان القوى لصالح المناهضين للفيدراليين متعددي الجنسيات، وبدأ مرحلته الثانية. ولهذه الغاية؛ أسس أبي حزب الازدهار في العام 2019م، من خلال حل ثلاثة أحزاب ــ سابقة ــ للجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي، وخمسة أحزاب متحالفة، تحكم ما يُسمَّى بالدول “النامية”. أدى موت الجبهة الشعبية الثورية للشعب الإثيوبي ــ والتي أسستها الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ــ لتنفيذ ما يريد، وإنهاء هيمنة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي.
قد يجادل المرؤ؛ أن آبي لم ينضم إلى أيٍّ من المعسكرات، ولكن لديه أجندته الخاصة. على سبيل المثال؛ كما ورثت الأمهرة أطروحة “تيغرايان” عن الإثيوبية، وكتبت نقيضها. وبالمثل؛ فإن الأرومو يصنعون إثيوبيا الحديثة لقالب منليك الثاني. ربما يقوم آبي؛ بضخ طاقة أرومو جديدة، في التوليف مرة أخرى، بحيث يمكن استعادة ما فقده الأرومو، وتحول إثيوبيا إلى مشهد جديد مشوب بأرومو.
لماذا تُسحق تيغراي
للإجابة عن هذا السؤال؛ تبرز ثلاثة دوافع، أولها السيطرة على الأراضي المتنازع عليها.إذ أن الأمهرة يعتقدون أن الوقت مناسب لإعادة السيطرة على المناطق المتنازع عليها، والتي كانوا قد خسروها أمام الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في العقود الثلاثة الماضية، وهذا المناطق هي “ريا وويلقايت”. وثانيها؛ محو التيغراي وموروثاتها، لا سيما الدستور الإثيوبي الفيدرالي، والذي يمثل الهدف الرئيس لنخب الأمهرة. فبالنسبة لهم؛ هذا الدستور صنيعة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي للتراجع عن مشروع بناء الأمة لأسلافهم، ووضع الأمهرة في مواجهة جنسيات أخرى، وزرع بذور تدمير البلاد. وثالثهما؛ استعادة المجد. فنخب الأمهرة؛ عازمون على الانتقام من الإذلال الذي عانوا منه على يد الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وأعوانها، على مدى العقود الثلاثة الماضي،ة واتخاذ موقفهم “الشرعي” في السياسة الإثيوبية.

العودة لنهاية السبعينيات
من كان يعتقد؛ أن آبي سينجو بعد سجن جوهر.. وبعد مواجهة أكبر تهديد له.. الجبهة الشعبية لتحرير تغراي؟! الآن؛ يبدو أنه إعادة لعام 1979م، مع تولي آبي دور العقيد منقستو هايلي مريم. خرج العقيد منغستو منتصراً من التهديدات الداخلية والخارجية ضد حكمه. ومع ذلك؛ فإن الانتصار الأولي لم ينقذ منقستو من هزيمته النهائية، وأطالت أمد بؤس الإثيوبيين. وبالمثل؛ فإن مستقبل آبي وإثيوبيا لم يُحكم عليه بالسيطرة الفيدرالية على ميكيلي، ولا باعتقال وقتل قادة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي. بدلاً من ذلك؛ كل هذا يتوقف على كيفية لعب آبي للعبة الشطرنج الناشئة متعددة الأبعاد، مع الأخذ في الاعتبار مصالح الغرب التي لا تريد دولة فاشلة في إثيوبيا، وإقامة تحالف مع إريتريا، وبالتالي دمج المكائد العسكرية والاستخبارية لكلا البلدين، والقضاء على القوات الموالية للتيغراي. أما بناؤه على تمكين تحالف الأرومو ــ تحت نموذج “شيوا أرومو” ــ فسيؤدي هذا النهج؛ إما إلى إطالة أمد حكمه، أو تسريع وفاته.. مع إمكانية اندماج إثيوبيا أو تفككها.

السيناريوهات المحتملة
ستكون الحالة المثالية لإثيوبيا؛ هي النظر بشجاعة إلى الحقائق، ولكي تتوصل القوميات السياسية المتحاربة إلى اجماع قبل انتخابات الخامس من يونيو. ومع ذلك؛ فإن هذا غير مرجح في ظل السياق الحالي. وبدلاً عن ذلك، هنالك ثلاثة سيناريوهات هي الأكثر احتمالاً لمستقبل إثيوبيا في ظل حكم آبي.
السيناريو الأول: الدولة الحزبية الجديدة:
ستُدير حكومة آبي الخصومات الداخلية؛ وتخفف الضغط الخارجي. وستجرى الانتخابات وسط إجراءات أمنية مشددة وبعض الاضطرابات، خاصة في مناطق الارومو، والتيغراي، والإقليم الجنوبي، من المرجح أن تحصل أحزاب المعارضة على نحو ربع المقاعد الفيدرالية، لجعل الانتخابات معقولة، ولتعزيز شرعية الحكومة. ومع ذلك؛ هناك الآن أيضاً احتمال عدم مشاركة أحزاب المعارضة الرئيسة في أرومو. إن حدث هذا؛ فإن شرعية الدولة ستتأثر بشدة. وغض النظر، مع أي نوع من الأغلبية، من المحتمل أن يحاول حزب الازدهار ــ الحزب الذي أنشأه آبي ــ التفاوض على ترتيب فيدرالي جديد، لا يستند إلى العرق، بحيث تستمر امبراطورية دولة إثيوبي،ا بالقدر “الصحيح” من التغيير والاستمرارية.
السيناريو الثاني: اتساع نطاق الحرب الأهلية
وهذا سيظهر جنباً إلى جنب مع سلطة الدولة الإقليمية الحقيقية؛ وسوف يسهم انتقال السلطة من الشمال إلى جنوب إثيوبيا في التقاعد المبكر للامبراطورية الحبشية. عامل آخر؛ يدفع بهذا السيناريو، هو رد فعل الأمهرة على الأحداث. الأمهرة ــ الذين نصَّبوا أنفسهم أوصياء على الدولة الامبراطورية الإثيوبية ــ قلقون ــ على سبيل المثال ــ من وجود قوات الأمن شبه العسكرية، والتي يعتقدون أنها تمكِّن الأقاليم من تحدي الحكومة المركزية. ولكن؛ إذا كان هناك تجاوز فيدرالي ــ في هذه المنطقة ــ فقد يتسبب في رد فعل عنيف، ومزعزع للاستقرار.
والأكثر من ذلك؛ أن الأمهرة ــ على عكس المجموعات العرقية الرئيسة الأخرى ــ يعيشون في جميع أنحاء إثيوبيا. إن العواطف التي تنبع من استهداف عمليات قتل الأمهرة في مناطق أخرى ــ إن لم يتم ترويضها ــ ستُعيد تنشيط مظالم المجموعات الأخرى، مما يدفع البلاد للاقتراب من حربٍ أهليةٍ واسعة النطاق. يمكننا أن نرى هذا يحدث بالفعل في إقليم بني شنقول ــ قمز. قد تكون الحالة المزرية للاقتصاد الإثيوبي؛ هي السبب وراء المزيد من عدم الاستقرار، حيث ترتفع البطالة وسط الشباب ــ حتى قبل انتشار جائحة كورونا المستجد.

السيناريو الثالث: حالة الطوارئ
قد يتطوَّر الصراع الداخلي على السلطة؛ مصحوباً بضغوط خارجية من السودان ومصر، إلى حرب إقليمية أوسع نطاقاً، تحث البلاد على إعلان حالة طوارئ وطنية أخرى، مما يؤدي لاستمرار آبي أحمد في شغل منصبه لفترة غير محددة. والخطر هنا مرتفع بشكل لا يُطاق. ومع ذلك؛ ستكون الحرب فرصة ممتازة لآبي للبقاء في السلطة وسحق المعارضين المتبقين. وقد تكون نتيجة هذا غير متوقعة؛ ولكن لديها فرص مماثلة للتفكك والوحدة. على سبيل المثال، ماذا لو تولى الجيش السيطرة “لإنقاذ” البلاد من الانهيار، كما حدث في مصر عام 2013م؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى