حوارات

مدير المركز القومي للمناهج عمر أحمد القراي لـ(الديمقراطي):

*انتقاد الصادق المهدي في مقالاتي لا يعني حذف المهدية من المنهج الدراسي

*لا يمكن أن نفرض على الطلاب المسيحيين حفظ القرآن كما في المنهج السابق

*(150) خطأ لغويا ونحويا في كتاب اللغة العربية وكتاب الفيزياء يحتوي على حقائق غير علمية

*الشؤون الدينية رأت أسماء (إساغة) و(أدروب )لا تعبر عن السودان وعاوزه نكتب أسماء أولاد الخرطوم

* طباعة الكتاب المدرسي ستتم بالتبرعات

* لا يمكن تحقيق الديمقراطية والحرية وميزانية التعليم أقل من (2) بالمائة

 

حوار- أم زين آدم

واجه المدير العام للمركز القومي للمناهج والبحث التربوي عمر أحمد القراي، موجة رفض واسعة منذ تعيينه، إلا أنه مضى في عمله دون أن يكترث، وظلت الانتقادات ملازمة لأي ظهور له، آخرها المؤتمر الصحفي الذي تحدث فيه عن عدم توفر ميزانية لطباعة المقرر الجديد، القراي يرى أن العملية التعليمة في النظام البائد كانت بمثابة (الخديعة) على مستوى المنهج والنتائج، فضلا عن التشوهات الفكرية الكبيرة التي طالت المقررات. (الديمقراطي) طرحت عليه العديد من الأسئلة حول ما يدور في إدارة المناهج، فإلى نص الحوار.

*قوبل تعيينك بإدارة المناهج بموجه واسعة من الرفض، ما تفسيرك لذلك؟

ـــ لا أعتقد أن الاعتراضات كانت موضوعية، وأرى أنها استباقية، كان على المعترضين أن ينتظروا إلى أن يقرأوا المنهج الجديد، ومن ثم يعترضوا إذا سخر لنشر الفكر الجمهوري، لم أستغرب موقف الإخوان المسلمين، لكن الذي أثار استغرابي موقف حزب الأمة بمن فيهم الصادق المهدي.

*ما هي مخاوف حزب الأمة من شغلك للمنصب؟

ــــ كتبت مقالات نقدية، هاجمت فيها الصادق المهدي، ربما استشف الصادق المهدي وحزب الأمة أني سأعمل على حذف المهدية من المقرر، حتى أن أحمد المهدي أرسل شخصا يستفسرني من ذلك، فأبلغته أن المهدية جزء من تراث الشعب السوداني، وأنا في موقع قومي لذا أوقفت كتابة المقالات الراتبة التي كنت أكتبها، وأنا لا أخلط بين رأيي الشخصي ومهام وواجبات الوظيفة التي أشغلها.

* حدثنا عن أبرز ملامح المنهج الجديد؟

ـــ المنهج الجديد، مضينا فيه في اتجاهين أساسيين، الاتجاه الأول أن نصلح التشوهات الموجودة في المنهج القديم، والاتجاه الثاني إزالة التشوهات الفكرية.

*ما مدى التشوهات الموجودة في المنهج؟

المنهج كله شائه، كتب النظام البائد منهجاً هدف إلى تخريج طلاب متمسكين بالشريعة، وبنوا على هذا الموضوع (التأصيل) حسب تصورهم للشريعة الإسلامية وما هي، ووجهوا المنهج كله أن يكون بهذه الصورة. ومسودة هذا المنهج موجودة ووثيقته وقانونه.

ففي تقديرنا أصبح المنهج من الناحية العلمية والتربوية، منهج شائه لا يقدم في الآخر خلاصة علمية، لأن الناس المسؤولين عن وضع المنهج غير مهتمين بالخلاصة العلمية المفترض يقدمها المنهج الدراسي، بقدر ما مشغولين بتقديم أكبر جرعة ممكنة يستوعبها التلميذ من المفاهيم العقائدية السلفية المتطرفة للجماعة الكانت مسيطرة على النظام السياسي في البلاد.

*مثل ماذا؟

ـــــ كل كتب المقررات بغض النظر عن المادة العلمية، مليئة بالآيات والاحاديث، وحدثني أحد الأستاذة الذين يضعون المناهج في المركز القومي للمناهج قال إذا كتبوا كتاباً في الفيزياء والرياضيات ووصل إلى آخر مرحلة مراجعته، وأرسل لوزارة التربية والتعليم لإجازته يتم إرجاع المقرر باعتبار ما فيهو تأصيل.

مثلا في المرحلة الثانوية، مادة العلوم الهندسية، وهو مقرر يحتوي على الرسوم الهندسية ومقدمة الهندسة الميكانيكا، وليس هناك مساحة لكتابة الآيات القرآنية والأحاديث، كتبوا في المقدمة (نحن نتعلم الهندسة حتى نستطيع إعلاء كلمة الله في الأرض) وفرضوا المقدمة كجزء من الامتحان، هذا واحد من النماذج التي يتم إدخال الدين في مواد ما عندها علاقة به، وتحشد فيها الدين والآيات بهذه الصورة الغريبة.

هناك اضطهاد متعمد للطلاب والمعلمين المسيحيين، يفرض على الطلاب المسيحيين ذات المنهج (اللي فيهو التأصيل)، وفي الامتحان يرد سؤال الإجابة عليه تتطلب الاستدلال بآية. ففي كتاب الجغرافيا درس عن الليل والنهار، ويتم شرح النظرية كيف يجيء الليل والنهار بدوران الأرض حول نفسها، وكيف تدور الأرض حول الشمس لتصنع الفصول، ويستدل بقول الله تعالى (يكور الليل في النهار) وعلى الطالب المسيحي أن يحفظ الآية ويكتبها في الامتحان، وهو مسيحي.

ولا يتم تعيين أستاذ لتدريس التربية المسيحية من قبل الوزارة، التي تعين كل الأساتذة لتدريس كل المواد، وتطلب الوزارة من الكنائس عبء البحث عن من يقوم بتدريس التربية المسيحية.

*كيف تعاملتم مع هذه التشوهات؟

أخرجنا التشوهات من المنهج وبالنسبة لنا تشوهات جوهرية، وحذفنا كل ما يتعلق بالدين الإسلامي من المقررات التي لا علاقة للدين بها. عدا مادة التربية الإسلامية وأسميناها في جدول الحصص التربية الدينية لتشمل كل مقرر منفصل عن التربية المسيحية، والمناطق التي يعتقد مواطنوها بغير الإسلام والمسيحية، حال رغبوا في تدريس الديانات المحلية يدرسوها. ووجهنا بتعيين أساتذة للتربية المسيحية في تعيينات الأساتذة الجدد في الأقاليم والولايات، وتوسيع وحدة التربية المسيحية بإدارة المناهج وتعيين أساتذة فيها، لجهة أن هناك أستاذا واحدا مسوؤلا عن وضع المنهج، بينما هناك مدارس في أمدرمان معظم طلابها مسيحيون.

 

*وكيف تمت معالجة التشوهات الفكرية؟

منهج التربية الإسلامية نفسه مشوه، ولو أنه حسب فهم الإنقاذيين للدين لا يرون به تشويها، ولقد بدأنا بمقرر التربية الإسلامية نفسها فشأنها شأن المواد الأخرى تحتاج للفهم والاستيعاب وليس الحفظ. كان النظام البائد يرى أن يدرس الطالب مواداً للحفظ ويجبر أن يحفظها، ففي السنة الأولى الابتدائية طالب عمره (6) سنوات يحفظ (30) سورة، في المنهج الجديد اعتمدنا (6) سور صغيرة للحفظ تبدأ بسورة الفاتحة، وعدد (4ـ5) سور تلاوة وأحاديث، وأي كلام فيه تطرف وهذا كثير جدا حذفناه، من ضمن الأمثلة متى يمكن أن تحارب أخاك أو جارك، إذا كان مخالفا للإسلام أو مرتكبا الكبائر، بدلا عن تعليم الطلاب أن يهدوا الناس الضالين يتم تعليمهم القتال، وهذا يزرع بذرة للتطرف في المنهج. وقدموا القرضاوي وسيد قطب في المرحلة الثانوية كنماذج للمفكرين الإسلاميين.

 

*ما المرجعيات التي اعتمدها النظام البائد، في المناهج، وأدت لمثل هذه التشوهات؟

حكومة الإنقاذ حين جاءت في يونيو العام 1989، عملت منهجا وسلما تعليميا جديدا في فبراير، وألغت كل المسائل الكانت موجودة في التعليم في المناهج السابقة لها، لا نعتقد أنها استعانت بأي منهج سابق، أو أي مقرر سابق أو تجربة سابقة في التعليم في السودان. حاولت وضع منهج جديد مختلف، وعقدت له مؤتمرا للتعليم في فبراير 1990، وهذا يدل على أن موضوع التعليم كان من أولوياتهم، كانوا يعتقدون أنه يمكن تغيير كثير من توجهات الشعب السوداني بتغيير بعض مسائل التعليم.

*ما قيمة التغيير الذي تم اجراؤه في المنهج العام 2012؟

ـــ نتيجة للتشوهات الموجودة في المنهج، كان لا يقبل كمنهج عالمي، لذا عقد النظام مؤتمرا في العام 2012 لإجراء تعديل للمنهج بسبب ضغوط سياسية وإتهام السودان بالإرهاب من المجتمع الدولي، لجهة أن النظام عند التقدم بطلب لطباعة المنهج، يرفض شركاء التعليم ذلك، لعدم انسجام المنهج مع حقوق الإنسان، وغير صحيح من ناحية الجندر، شركاء التعليم كالبنك الدولي واليونسيف لا يمولون طباعة المنهج، لعدم انسجامه مع حقوق الإنسان. ومن المعايير أيضا جندرة المقرر، وأن يدعو المنهج للسلام لا للحرب. في التغيير الذي أجراه النظام في ذلك المؤتمر لأول مرة تم توجيه للبنت، لكنه تغيير شكلي، اكتبي، اقرأي وهكذا وعمليا لا تجد إنصافا للمرأة في المنهج.

*المنهج ضعيف وحافل بالأخطاء، ما مدى تأثير ذلك على الطلاب؟

ـــــ المركز القومي للمناهج، كان يراقب المنهج من الناحية الأيديولوجية، ويهمل الناحية العلمية تماما. ولمراقبة القيمة العلمية، اعتمدت إدارة المناهج على أن يضع المناهج الأساتذة الذين يدرسون المادة المعينة، ويعملون في الميدان ومشهود لهم بالكفاءة من قبل الوزارة، وتتم مراجعة المادة على ثلاثة مراحل للمراجعات، وهناك لجنة من أساتذة الجامعات الأكفاء بعض منهم أساتذة منذ أن كنت طالبا بجامعة الخرطوم، هذه اللجنة تقرأ المنهج من الصف الأول إلى السادس، بوصفهم علماء حقاً ولا تغيب عنهم الحقيقة العلمية.

فهناك (150) خطأ لغويا ونحويا في كتاب (النبراس) وهو كتاب يعلم الطلاب اللغة العربية، التي هي أساس تدريس كل المواد، وكذلك كتاب الفيزياء يحتوي على حقائق غير علمية.

*وزارة الشؤون الدينية لديها تحفظات على المنهج، ما هي؟

ـــ قالت إن كتاب التربية الإسلامية لا يصلح، وذكرت عشرين ملاحظة حول الكتاب لو نشرناها سيكون للمسلمين الأذكياء رأي في ذلك، ومما قالت إن إدارة المناهج كتبت اسم الوزارة باللغة الإنجليزية على غلاف الكتاب، وأنه كتاب يدعو للأخلاق الكريمة فقط وليس التربية الإسلامية، ومن ضمن ما كتبوا أن الأسماء الواردة في القصص غير معبرة عن السودان، ونحن ذكرنا في القصص أسماء “اساغة وأدروب”.. ناس الشؤون الدينية عاوزين نكتب أسماء أولاد الخرطوم والسودان الوسط الشمالي.

* دكتور القراي، الشاهد أن مستوى بعض الطلاب ضعيف ولا يجيدون القراءة والكتابة، حتى أنهم لا يفرقون بين (التاء المربوطة) و(الهاء)، كيف تتعاملون مع ذلك؟

*ـــ هذه حقيقة، عندنا مكتب قسم الجودة، مسؤول عن مقروئية الطلاب، أجرى مسحا لطلاب الفصل الثالث المنقولين للفصل الرابع عبر اختبار في القراءة، وكانت النتيجة (40) بالمائة منهم لا يقدرون على القراءة، وبعضهم لا يعرفون الحروف الهجائية وقس على ذلك اللغة الإنجليزية والرياضيات. بعض من هذه المسألة يرجع إلى المنهج، وبعض منها يعود للمعلمين، فمناهج كلية التربية ضعيفة، والأساتذة غير مدربين وغير مؤهلين، وإشكالية التدريب كبيرة. عندنا (300) ألف معلم، (50) بالمائة منهم لم يتلقوا التدريب الكافي. هناك مركز قومي للتدريب، أخذ تمويلا بالدولار، وشيد بناية ضخمة ومسجدا بمنطقة السجانة ولم يدرب المعلمين، وسنراجع كل ذلك.

*ما هي أبرز ملامح المنهج الجديد؟

*مضينا في اتجاه أن يكون الطالب ذكيا بالتفاعل وليس الحفظ، وتدريب وتأهيل المعلمين كي ننهض.

المنهج السابق كان خديعة للشعب السوداني، فالطلاب كانوا يعودون من المدارس إلى منازلهم، مثلما غادروها لم يتعلموا شيئا، ولعشرين سنة سابقة لم ينج طالب، إدارة الامتحانات كانت تضرب النتيجة التي يتحصل عليها الطالب وتضاعفها، وهناك تدخل في نتيجة الامتحانات على مستوى الوزيرة، حتى أنهم يتدخلون في من يدخل في قائمة الأوائل ومن لا يدخل، أول نتيجة حقيقية للإمتحانات شهدها هذا العام، في مدارس كانت تحصل على نسبة نجاح كم وتسعين بالمائة اليوم حصلت على نسبة نجاح كم وستين بالمائة.

هذا يعني أن الوزارة في حاجة لميزانية كبيرة؟

*وزارة التربية والتعليم ليست وزارة استثمارية، وزارة خدمية، ووزارة المالية لا بد من أن تلتزم بميزانيتها، تحدثنا كثيرا بأن البلد لا يمكن أن تمضي قدما في التعافي والتنمية والديمقراطية والحرية، وميزانية التعليم أقل من (2) بالمائة، ولا تزال حتى بعد تشكيل حكومة الثورة، منذ يناير الماضي وزارة المالية لم تسلمنا أي التزام مالي بطرفها، وزير المالية السابق إبراهيم البدوي لم يكن مهتما بأمر التعليم نهائيا، الوزيرة المكلفة دفعت مبلغا لكنه ضعيف إزاء المبلغ المطلوب.

*إزاء شح التمويل كيف ستتمكن الوزارة من الإيفاء بطباعة الكتاب المدرسي؟

الواقع يقول إننا نستطيع طباعة كتب الصفين الأول والسادس. فالصف السادس بلا منهج منذ آخر مؤتمر للتعليم عقده النظام البائد، والشاهد أننا تمكنا من إرسال ما تمكنا من طباعته من المقرر إلى ولاية جنوب دارفور مجانا.

الجانب الإيجابي هناك مبادرة من الشعب السوداني لدعم طباعة الكتاب المدرسي، منها مبادرة الأستاذة الراحلة زينب بدر الدين، ومبادرة الأستاذ أحمد الخير، ومنظمة سيدسو، وتجمع الاشتراكيين، وبعض الشخصيات بمنطقة بري جمعوا تبرعات من الناس، ومجموعة من منظمات المجتمع المدني، وهناك يوم مفتوح للحديث عن ذلك، وفي اتجاه لفتح حساب باسم الوزارة لدعم طباعة الكتاب المدرسي. الشعب السوداني من أكثر الشعوب في العالم مهتم بالتعليم مقارنة بالظروف التي يعيشها (ما لاقي حق المواصلات والأكل) مع ذلك حريص على إرسال أبنائه للمدرسة.

*ماذا تقترحون، فيما يتعلق بالشركات الاستثمارية الكبيرة في دعم عملية طباعة الكتاب المدرسي؟

ـــ مثلا لو شركات الاتصالات المملوكة لشخصيات خارج البلاد، ولها عوائد ضخمة، لماذا لا تفرض وزارة المالية عليها ضريبة جنيه في خدمة المكالمات، وهو مبلغ صغير لا يؤثر على مستقبل الخدمة، لو جمع من الشركة سيكون له تأثير واضح، وأيضا يمكن أن تضع جنيها في فاتورة الكهرباء، هذه معالجات يمكن أن تتم، والمواطن نفسه يشعر بأنه قدم خدمة أسهمت في تحسين البيئة التعليمية.

  • * مجانية التعليم، ما موقعها من الميزانية؟
  • هناك قصة مؤلمة جدا عن طالب بولاية النيل الأبيض، بالصف الثالث شنق نفسه بسبب مطالبات المدرسة برسوم ومصروفات لا يقوى على تسديدها ويعاقب على ذلك، فعمد إلى الانتحار، نحن نريد تعليما مجانيا لنتفادى مثل هذه المشاكل، الكتاب يجب أن يتوفر في المدرسة وأن لا ينشغل الطلاب بدفع قروش الكهرباء وشراء الكتاب والجير والطباشير، وواجب الأسرة أن تلتزم بتعليم أبنائها ومن يرفض تعليم ابنه يعاقب لانتهاكه حقا من حقوق الطفل، في إصلاحات جوهرية لو مابدينا بها لن نصل لتجربة الحرية والديمقراطية الكاملة.
  • *يكثر السجال حول عقوبة الجلد في المدارس، ما موقفكم من ذلك؟
  • ــــ ما عاوزين أي عنف في المدارس، والوزير له الحق أن يلغي العقوبة البدنية، والعنف اللفظي، هناك فيديو متداول عن أستاذ يوجة إساءات للطلاب، هذا الأستاذ ليس مكانه المدرسة، الطلبة لا يحبون المدراس لأن الجو فيها إرهابي جلد وضرب، لا يمكن أن تضرب طفلاً بحجة تعليمه.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى