الرأي

محامو السودان في انتظار رفع الحصانات

الطيب النضيف – المحامي
مازال الغموض الإداري يكتنف مصير الشكوى الإدارية التي رفعها المحامي مبارك الجنيد ضد القاضي الشرعي لمحكمة أمبدة، النجيب حسن النجيب، لدى رئاسة السلطة القضائية – لجنة المراقبة والتفتيش القضائي.
وكان المجني عليه – مبارك – قد رفع شكوى إدارية ضد الشرطيين اللذين اعتديا عليه ضرباً وركلاً داخل قاعة القاضي نجيب، وذلك لدى رئاسة شرطة ولاية الخرطوم – إدارة شرطة المحاكم، لرفع الحصانة عنهما، على خلفية الاعتداء الهمجي والبربري الغادر والجبان الذي تعرض له المحامي الخلوق مبارك من قبل اثنين من شرطة محكمة أمبدة، حيث استدعاهما القاضي نجيب (ولا نقول: مولانا)، لينهالا عليه بالضرب تحت بصره وسمعه وداخل محكمته، مزقا قميصه، ولم يراعيا عمره الستيني وإصابته بالسكري.
ولولا استنجاد مبارك بالمحامين خارج القاعة: “يا زملاء”، لحدث ما لا يحمد عقباه. وبناء على ذلك، قام المجني عليه بفتح بلاغ لدى نيابة أبوزيد بسوق ليبيا تحت (المادة 47) إجراءات أولية، إلى حين رفع الحصانات. كما قام بتحرير شكوى إدارية ضد النجيب، أودعها لدى رئاسة الجهاز القضائي أم درمان أمام مولانا يعقوب باقيرا الذي أحالها لرئاسة السلطة القضائية الخرطوم – لجنة المراقبة والتفتيش القضائي أمام مولانا فائز.
تم الاستماع إلى شكواه وشهوده الأربعة، وكان وفد كبير من محامي أم درمان وسط أطلعوا مولانا باقيرا على خطورة ما جرى من النجيب وشرطة محكمته.. وكان ضمن الوفد الأساتذة: عبد الرحيم جاه الرسول، وحمزة أب سم، وفاطمة أبورنات، وطارق فضل الله، وعيدبا خليل، وخالد حجوج، وشيخ الدين القويم أمين شؤون المهنة، وعبد الله بودي، وعدد آخر لم نستطع حصره.
كان الجميع خلف قضية الجنيد، لم يقبل المحامون العنف ضدهم ولا الاستخفاف العدلي ولا تأخير السلطة القضائية في محاسبة قاضيها، فتجمعوا في أعداد كبيرة، ونفذوا وقفات احتجاجية أمام مجمعات محاكم: أم درمان وسط، وكرري، وأمبدة، وأبوسعد، وأمام رئاسة الجهاز القضائي أم درمان، وأمام رئاسة السلطة القضائية الخرطوم. وطبع حوالي ألف ملصق وباتش احتجاجاً على العنف ضد المحامين، كما أقاموا منصات خطابية داخل وخارج المحاكم، ودونوا ذلك في وسائل التواصل. ووصل الأمر إلى محاور أبعد من مستوى الحدث الفردي مثل الإفلات من العقاب الذي أصبح منهجاً وأسلوباً في علاقة القضاة بالمحامين، وفي بيئة العمل القضائي وعنفها التراكمي الممتد لثلاثين عاماً في حضن سياسة الكيزان، ومثلها بيئة العمل الشرطي، وتجاوز القانون، وانتهاكات الحقوق، وسلحفائية الإجراءات، والوصول السريع للعدالة … إلخ القيم السامية الجميلة في القانون التي أجهضها النظام السابق، خاصة رموزه من السفلة والأوباش.
وفي خطوة تصعيدية، وإيماناً بهذه القضايا، تجمع غالبية محامي أم درمان الكبرى المكونة من حوالي (5) مجمعات محاكم، أمام محكمة أمبدة ونظموا إضراباً عن العمل لمدة ثلاثة أيام (19 -21) فبراير، وشكلوا لجنة ثلاثينية لتنظيم وقيادة الإضراب مكونة من مناديب قطاعات أم درمان الستة لمجموعات: أم درمان وسط، وكرري، وأمبدة، وأبوسعد، ودار السلام، والفتح. وكان اليوم الختامي لرفع الإضراب حافلاً، كجذوة الثورة، بالعديد من المشاركات والفقرات، وشهد حضوراً أنيقاً وكبيرا لحوالي (350) محامية ومحامياً، نصبوا خيمتهم (قدام) باب محكمة أمبدة لمدة ثلاثة أيام.
تم استعراض نسبة ومعدل الإضراب كل في مجمع محكمته: ممثل محكمة أم درمان وسط الأستاذ سيف الدين التوم، قدم تقريراً مفصلاً عن إضراب محامي وسط والشرعية أمدرمان وكرري أناب عنهم الأستاذ عثمان عبد الجبار، ودار السلام أناب عنهم الأستاذ عطرون، وأبوسعد أناب عنهم الأستاذ أحمد عبد الرحمن، وعن أمبدة تحدث الأستاذ كساب، كما قرأ الأستاذ نصر الدين حسن سعد المبادئ العامة التي تحكم أو توجه ميثاق شرف مهنة المحاماة، ووجدت تجاوباً من الحضور.
كما شهد الإضراب حركة تضامن واسعة من محامي الولايات، حيث هاتف محامو الفاشر وبورتسودان وكوستي وربك مؤيدين لفكرة الإضراب، ومشيدين بالصمود الحديدي لمحامي أم درمان الكبرى، داعين في نفس الوقت لتحقيق العدالة وتطويل يد العقاب لمن يخالف القانون.
تجمعات المحامين جعلت من حادثة الجنيد دراسة حالة قانونية شاملة، وبطبيعة عمل ومهنة المحاماة تناولوا القصة من عدة زوايا، مثل: استعلاء القضاة على المحامين والمواطنين، والشرطة التي تلوذ بمحاكم قضاتها طلباً للحماية، وابتعاد التسييريات عن المشهد، ووجود التمكين الكيزاني الثلاثيني، ومدى معرفة الشرطي بالقانون وببداهة عدم الضرب وإيقاع الأذى بالآخرين إلا بحكم محكمة، والمجاملة والمحاماة وسط بعض الأجهزة العدلية، واستغلال السلطة والوظيفة… إلخ ملاحظاتهم السالبة حول أداء هذه الأجهزة، وضرورة إصلاحها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى