مجموعات فوق القانون
قبل أيام وقعت حادثة ما زالت محل نقاش في وسائل التواصل الاجتماعي لما لها من بعد خطير، ولأنها تؤكد أن البلد ليس بها حكومة فعلا كما قال البرهان قبل شهور معترفا بفشله، والحادثة ليست غريبة وقد تكررت عدة مرات في مناطق مختلفة، فقد قامت قوات تتبع لإحدى جيوش الحراكات المُسلحة، بمهاجمة القسم الشمالي الخرطوم مستخدمة القوة لإخراج عدد من مجرميها نهارا جهارا، وهي كلها ثقة أن ما تقوم به سيمر عادي مثلما مرت احداث أخرى اكثر بشاعة.
يوم الحادثة كنا في موقع بالقرب من القسم وشاهدنا الاحداث من بعيد، لم ندر ماهي التفاصيل وانتظرنا الجهات الرسمية لتكشف الامر، ولكن لم تفعل وجاء الخبر اليقين من وسائل الإعلام.
ما حدث هو، أن قوات الحركة إياها لم تقبل أن يطبق القانون على منسوبيها المخطئين، فحاصرت القسم بعربة تاتشر و8 عربات صغيرة وأطلقت أعيرة نارية في الهواء، ومن ثم تحركت نحو فرعية سرقة السيارت لإخراج 5 متهمين آخرين بذات الطريقة، وإن المتهمين تم ضبطهم في بلاغين، الاول عربة سوناتا بوكو، رفض السائق الانصياع لقوة مكافحة سرقة السيارات والثاني حيازة سلاح.
هذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها الحركات بهذا التصرف الذي سكتت عنه السلطات، حتى في حوادث أكثر بشاعة فيها قتل ونهب واستيراد مخدرات وغيره مما يعرفه المواطنون، والحقيقة عدد كبير من منسوبي الحركات هم اصلا مجرمين بعضهم اخرج من السجون وهم مدانين في جرائم، تخيلوا حكومة يقودها الجيش المنوط به حفظ الأمن يتحالف مع حركات كلها مجرمين وقتلة وهاربين من السجون.
الحادثة ما زالت محل نقاش بين المواطنين وهم الآن يطرحون الكثير من الأسئلة في انتظار الإجابة من شرطتنا الموقرة، مثل لماذا لم تدين الحادثة؟ ولماذا لم توضح للرأي العام ماحدث؟ وماذا حدث للمجرمين المقبوض عليهم والذين قاموا بالهجوم؟ وطبعا منسوبي الحركات لم يقوموا بهذا التصرف الا لانهم يعلمون أن لا أحد سيسألهم، فهم وصلوا مرحلة من الثقة في قدرتهم على الافلات من القانون لدرجة انهم لا يخافون من إخراج منسوبيهم من الأقسام، فهذا تحدٍ ليس بعده تحدي.
الأسئلة التي تطرح نفسها إلى متى سيظل الجيش متحالفا مع هذه العصابات ظنا منه انها تقويه؟ الى متى سيظل القانون يستخدم بتمييز لا يطبق على منسوبي الحركات المتفلتة والمتحالفين مع الجيش ويستغل ضد المواطن الشريف ليورط في جرائم هو بريء منها؟ إلى متى سيظل أهل القانون والسلطات الأمنية كلها ترى هذه الفوضى وتلتزم بأضعف الايمان؟.
المهم في الأمر هو أن مثل هذه الحادثة تفضح السلطات الامنية كلها وعلى رأسها الجيش، وتثبت انها لم تعد أمينة على تطبيق القانون وحماية الدولة، ولا اعتقد أن الناس قد نسوا حادثة استيراد إحدى الحركات لشحنة مخدرات عبر مطار الخرطوم، وحين تم القبض على الشحنة كتبت الحركة خطابا رسميا تطالب فيه السلطات بتسليمهم الشحنة لأنها استوردتها بغرض التدريب، تخيلوا. المؤسف هو أنه رغم أن القضية أصبحت قضية رأي عام الا أن السلطات لم توضح لنا كيف عالجت المشكلة التي يبدو أنها قتلت، وهذا بلا شك يفتح الباب واسعا أمام إتهامها بأنها لا تستطيع محاسبة جهات بعينها مهما فعلت، فقط لأنها ترتبط ببقاء الجيش في السلطة.