متهمون في انتظار العدالة

عدم إنصاف
تقول أسر الثوار المتهمين بالقتل، إن ملف العدالة في أيدٍ غير أمينة، ليس فقط فيما يخص أبناءهم. وأبانوا أنهم من خلال ترددهم على السجون عايشوا قصصاً لمتهمين طالت مدة إقامتهم دون تقديمهم للقضاء، وهو أمر يجب أن يراعي فيه المسؤولون ضمائرهم وإنسانيتهم ومخافة الله قبل البشر. وطالبوا إدارات السجون بالعمل على تسريع إجراءات التقاضي، لجهة أن السجن مذل للأبرياء ومهين لكرامتهم.
منذ أكثر من عام، تم اعتقال: محمد آدم (توباك)، ومحمد الفاتح (ترهاقا)، وأحمد الفاتح (الننة)، ومصعب الشريف، بتهمة قتل العميد شرطة، علي بريمة، وما زالوا يقبعون في الزنازين خلف أسوار السجون.
تراجعت أحوال أسر المتهمين نفسياً واقتصادياً، ووصل الحال بهؤلاء الثوار إلى حد التعذيب من قبل إدارة السجن، وهو ما اعتبره القاضي انتهاكاً لحقوق الإنسانية للمتهمين الذين لم تثبت إدانتهم حتى الآن، بالإضافة إلى التباطؤ في سير مجريات القضايا لأسباب كثيرة متعمدة، إما بسبب تغيّب المتحري لأكثر من جلستين، أو تغيير القاضي الذي يباشر القضية منذ بدايتها.
كل تلك الأسباب فاقمت الوضع، وألقت بثقلها على المتهمين وأسرهم..
(الديمقراطي) في المساحة التالية تستمع لأسر المعتقلين وهيئات الدفاع .
…..
تحقيق- نسيبة فرحان
هيئات دفاع: إدارة السجون تعامل المتهمين الذين لم تتم إدانتهم كمجرمين
مطالب مشروعة
قالت والدة المعتقل (توباك): “أرجو من الجهات ذات الصلة أن تحيل قضية ابني إلى محاكم دولية إذ استعصي عليها محاكمته محلياً”. وأوضحت أنها كواحدة من أسر المعتقلين تضررت بسبب محدودية دخل الأسرة، وقالت إن زيارة ابنها في السجن تحتاج منصرفات حركة وتوفير (مصاريف) يحتاجها داخل السجن، الأمر الذي أرهقهم مادياً بسبب تراجع عمل والد (توباك) بصورة كبيرة جراء مدة حبس ابنهم التي طالت دون الوصول إلى حكم نهائي.
معاناة
(الديمقراطي) تواصلت مع بعض أسر الثوار المتهمين في قضية مقتل العميد علي بريمة، وعكست المعاناة التي عاشوها- وما زالوا- بسبب عرقلة حياتهم المهنية والدراسية، وتركيز جهودهم في محاولة إخراج أبنائهم من السجون، لأنها ليست المكان المثالي لوجودهم.
تضيف نضال محمد، والدة محمد آدم (توباك)، المتهم في قضية مقتل العميد، علي بريمة، أنه تم اعتقال ابنها منذ أكثر من عام، ومع مرور الوقت تراجعت أوضاع الأسرة نفسياً واقتصادياً.
وأوضحت بقولها: “توباك لديه أخت تكبره، لكنه بمثابة ابني الكبير، تعتمد عليه الأسرة في البيت، كان يساعد والده في العمل الحر بالسوق، وكان السند الحقيقي لإخوته”. “بعد اعتقاله تبدل حالنا إلى الأسوأ، ولن أبكي على ابني لأنه بطل من أبطال الثورة، لكني أبكي على حال والده الذي افتقده كثيراً، وكان يعتبر توباك سنده، والآن أصبح يعمل وحده وكأنما فقد إحدى يديه”.
أضافت: “أحزن على حال المتهمين خلف السجون الذين تُساء معاملتهم، وتتم إهانتهم. وحسب ما هو متعارف عليه في القانون فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته”. “ابني يعامل معاملة المدان، تم فصله من رفاقه، وتعدت عليه إدارة السجن. أين العدالة؟”.
محامو الطوارئ: يوجد أكثر من (12) معتقلاً من الثوار
تواصل حديثها: “ما يحدث في قاعة المحكمة محزن، استهتار وضحك من قبل بعض النظامين، وحري بهم أن يتعاملوا بمهنية وعدم شخصنة للقضايا”.
وفي السياق، أضاف زهير الفاتح، شقيق المتهم أحمد الفاتح (الننة)، قائلاً في تصريح لـ (الديمقراطي)، إنه عقب نقل الفاتح إلى السجن لم تعد الأمور في البيت تمضي بذات الوتيرة، بل تراجع الوضع للأسوأ بمجرد التفكير في وجود ابنهم بالسجن، لجهة أنه ليس المكان المناسب، وإن ذلك ترك لديهم أثراً نفسياً قاسياً، وليس لديهم ما يقولونه إلا أنهم راضون بقضاء الله وقدره.
هيئة الدفاع
كشفت المحامية إشراقة حسن سلطان، عضو محامي الطوارئ، وجود أكثر من (12) ثائراً يقبعون خلف القضبان لأكثر من عام، وأضافت أنهم يعانون أشد أنواع المعاناة والضغط النفسي والتعذيب الجسدي وانتهاك الخصوصية .
وأكدت إشراقة بقولها: “كهيئة دفاع، نعلم أنها بلاغات كيدية القصد منها الحد من الحراك الثوري وتعطيل حركة الشارع الملتهب منذ ديسمبر 2018. 4 ثوار يواجهون تهمة القتل العمد في بلاغ مقتل العميد أو ما يعرف ببلاغ توباك، و8 ثوار تم اتهامهم بمقتل العريف الذي تنازلت أسرته عن الحق الخاص مؤخراً، وتمت تبرئة 4 منهم”.
تعطيل متعمد
قالت إشراقة إن تعطيل الإجراءات الخاصة بجلسات التقاضي متعمدة، فتارة يتم نقل القضاة، وتارة أخرى يتغيب المتحري، وثالثة يتم استئناف قرار لمزيد من التعطيل، كما هو الحال في بلاغ (توباك).
مخالفات قانونية
أضافت إشراقة أن كل هذه العراقيل تفاقم أزمة المحتجزين داخل السجون، وتُساء معاملتهم، وأكدت بقولها: “تابعنا الانتهاكات التي يتعرض لها الثوار، والتي وصلت حد حرمان أسرهم وهيئات الدفاع من زيارتهم، ومنع المحامين من مقابلتهم بحجج واهية وضعيفة”.
وأكدت إشراقة في مجمل حديثها أن الثوار المتهمين زوراً، حسب وصفها، تعرضوا لأقسى أنواع المعاملة. وقد تمت مشاهدة الاعتداءات الواضحة عليهم والموثقة عبر الفيديوهات والصور للثوار الذين يتم نقلهم إلى الجلسات من السجن إلى قاعات المحاكم أثناء ترجلهم من عربة السجن مصفدين (بالجنازير)، ووصفت ذلك بالتعدي الواضح على حقوقهم وهم مازالوا في دائرة الاتهام، حيث إن قانون الإجراءات الجنائية ولوائح السجون تنص على المعاملة الإنسانية للنزيل المحكوم أو المنتظر، وتوفير البيئة المناسبة التي تليق بالآدمية.
كما أن لهم الحق بالتمتع بالحقوق التي تضمن لهم إنسانيتهم، إلا أن إدارات السجون تعمل على الحط من كرامتهم .
وأضافت: “المعاناة الحقيقية تتمثل في أن أهالي هؤلاء الثوار معظمهم من ذوي الدخل المحدود، والمعتقل نفسه هو الذي كان يعول الأسرة، وهذا يفاقم الأزمة التي تمر بها البلاد. بالإضافة إلى التباطؤ في الإجراءات التي كان لها دور كبير في زيادة معاناة أسر الثوار المتهمين، فمنهم من تعطلت مصالحه، ومنهم من تعطلت دراسته الجامعية”.
وفي ذات السياق، قال آدم بكر، محامي الدفاع في قضية (توباك)، إن ما يحدث من تأجيل ساهم في زيادة معاناة الثوار المتهمين وذويهم، والمعاملة السيئة في السجون حيث التكبيل بالسلاسل والتعذيب من قبل الإدارة، دفع بالقاضي لإصدار قرار بمساءلة إدارة السجن.
قال بكر، إن العدالة يجب أن تكون ناجزة بقدر الإمكان، وإن ما يحدث بدءاً برفض الاستئناف في المرة الأولى المقدم من قبل هيئة الدفاع والخاص بالاطلاع على محضر القضية، استغرق عدة أشهر بعد الرفض الذي لاقاه، وعقبه استئناف آخر، مما ساهم في تعطيل القضية، وقال: “إننا في ظل دولة بوليسية دكتاتورية”.
أسر المتهمين: ملف العدالة في أيدٍ غير أمينة
زاد بكر: “بعد الاستئنافات التي ساهمت في التعطيل، قررت هيئة الدفاع عدم اللجوء للاستئناف لكسب الوقت، مع ملاحظة تربص القوات الشرطية بالمتهمين وهيئة الدفاع. بالإضافة لغياب المتحري (شاندينا) لـ 3 جلسات ماضية بسبب نقله إلى شرق دارفور، بالإضافة إلى نقل القاضي (زهير) دون أي سبب واضح”.
واعتبر بكر أن سحب القضية من القاضي زهير وتسليمها لقاض آخر ما هو إلا تضليل للعدالة وتعطيل لمجريات الأحداث، ودلل على ذلك بأن النقل تم بعد إصدار قرار بمحاسبة مدير السجن بسبب المعاملة غير اللائقة بالمتهم (توباك)، حيث اعتبر القاضي زهير أن ما يحدث مخالف للوائح القانون.
وقال بكر إن نقل مولانا زهير حدث انتقاماً حسب ما ورد من الطرف الشاكي: “كانوا يقولون لنا كهيئة دفاع: مولانا زهير مريحكم”. وأضاف أن من المؤسف أن السودان دولة لا تدار بالقانون حسب ما هو ظاهر للعيان. وتساءل بكر: “أين نحن من المبادئ؟”.
وناشد المحامي آدم بكر الثوار بالصبر والصمود في وجه الظلم، وقال: “النصر سوف يكون حليفنا في يوم من الأيام”.
الثوار في مواقع التواصل الاجتماعي
أوضحت مجموعة من الشباب الثوار الذين رصدت إفادتهم (الديمقراطي) في مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر فيديوهات في يوتيوب، أن ما يحدث للثوار المتهمين في السجون، خاصة بعد الحادثة الأخيرة للمتهم (توباك) ورفاقه غير مبرر، فهم مازالوا في دائرة الاتهام، وأن ما يتم في قضايا الثوار المعتقلين ما هو إلا تباطؤ متعمد في سير إجراءات العدالة، وضح هذا من خلال المتابعة الدورية لهيئة الدفاع.
وأضافوا أن ما يحدث من تعذيب للمتهمين ما هو إلا انتهاك كبير لحقوق الإنسانية، وقال أحد الثوار في تعليق على الفيس بوك إن ما يحدث لـ (توباك) ورفاقه عكس للمجتمع حجم الانتهاكات التي تحدث للمتهمين خلف أسوار السجون ومخالفتها للقانون.