الرأي

ما بين الجهاد والفساد  ..!

سفينة بَوْح

هيثم الفضل

 

في مقالهِ الراتب يوم أمس بهذا المنبر الوضَّاء يتحَّدى الأستاذ المبدع مرتضى الغالي عن انبراء شخصٍ يستطيع أن يدلهُ على إنقاذي واحد لم تتدنَّس يداهُ ولو بشيءٍ  يسيرٍ من الفساد، وقد قبلتُ التحدي وأخذت على عاتقي الرد على سؤالهِ بأن لا يوجد منهم من نال هذا الشرف سوى شبابنا الغض الذين غُرِّر بهم إبان حرب الجنوب المُخزية التي حوَّلتها آلة تطرُّفهم الأيديولوجي وأبواق إعلامهم الخائن إلى حربٍ عقائدية بعد أن كانت مُجرَّد نزاع حول العدالة في توزيع السلطة والثروة والتنمية والمساواة في التعبير الثقافي، فعملوا حينذاك على غسيل عقول الآلاف من أبنائنا الذين لم يكن ليخطر على بالهم أن أرض الجنوب وإنسانه وتاريخهُ المشترك مع الوطن الأم، سُيباع بكل بساطة (بجرة قلم) من الفاسد علي عثمان محمد طه ومباركة أساطنة ودهاقنة وفقهاء الحركة الإسلامية، هؤلاء أخي الحبيب مرتضى الغالي من وجهة نظري الشخصية الوحيدون من طُغمة الإنقاذ الذين نجوا من (معمعة) الفساد، وعلى ما يبدو قد فاتهم قطار الفساد وهم (تائهون) في مصيدة الخداع الأيديولوجي لجماعة الإخوان المسلمين، يُهلِّلون ويًكبِّرون باسم الله والجهاد والشهادة، ثم وبعد حين وصفهم قائد مسيرتهم وشيخ شيوخ سجادتهم بـ(الفطائس)، وبذا أُسدل الستار على أدبيات جهادهم بـ(حرمانهم) من لقب (شهداء).

والغريب في الأمر فإن مُفسدي الإنقاذ استمروا في النهب والسلب من مقدَّرات الوطن وقوت المواطن باسم الشهيد، حتى بعد أن تم التشكيك في تصنيف مشاركتهم في حرب الجنوب (فقهياً) ما بين فطيسٍ وشهيد، وحتى بعد الانفصال ظلت جماهير الشعب السوداني الكادحة تدفع عبر كدها وعرق جبينها ومُعاناتها (دمغتي الشهيد والجريح) في كل المعاملات الكُبرى والصُغرى وفي شتى أنحاء البلاد وخارجها عبر السفارات، ثم كانت لمنظمة الشهيد اليد الطُولى في بناء قواعد راسخة لصرح الفساد الإنقاذي عبر العديد من الاستثمارات، والمداخل التمكينية المُتعدِّدة التي استندت عليها للاستيلاء على الأراضي الحكومية وغير الحكومية والتغوُّل على المؤسسات العامة والتي بدأت بحديقة الحيوان ومنتزه المقرن العائلي والكثير من الاستثمارات المُعفاة من الضرائب والرسوم. أما ما انتهت إليه فالله به أعلم ومن ثم لجنة إزالة التمكين، ورغم مردوداتها المالية التي لا تُحصى ولا تُعد، ظلت أسر المشاركين في حرب الجنوب لا تبارح نفق الفقر والحاجة والضياع، فقد أصبحت المنظمة في نهاية الأمر رافداً إستراتيجياً لتمويل التنظيم والحزب الحاكم، ولا علاقة لها بأية صور من الصور بأسر الشهداء أو أية مناحى خيرية أو إنسانية.

أولئك الشباب الذين أهدروا أعمارهم في قضيةٍ خاسرة، روَّج لها تنظيم سياسي لا يؤمن أصلاً بفكرة الوطن الواحد، لو قُدِّر لهم أن يكونوا اليوم بيننا، لكانوا جذوةً الثورة وسواعد للبذل والعطاء التي لا تكِلُ ولا تملُ في ملحمة في بناء السودان الجديد، لم يبق حيَّاً يُرزق من منسوبيهم إلا الفاسدون، ولو كان ذلك بالصمت على ما كان يدورُ في دهايز الظلم والنهب والبطش، ولو كان ذلك بالاستمرار في الانتماء إلى ذلك التنظيم أو الحزب الذي لا يستحي قادته عن رفع شعارات الإسلام المُقدَّسة في المنابر، ثم يغوصون بعد مفارقتهم الجمهور في مستنقعات الفساد ومخالفة الشريعة في كل وجهٍ من وجوه حياتهم الخاصة ونشاطاتهم العامة، فالإصرار على الوقوف في مسافةٍ واحدة بين الحق والباطل هو في حد ذاته (مفسدة) لا تحتمل الشك ولا التأويل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى