الرأي

قوة الشعب والقوة الغاشمة

(١)
* كل سياسي لا يؤمن بقوة الشعب لا يمكنه النجاح؛ وقد فرَّطت قوى الحرية والتغيير في الدعم الشعبي المهول الذي وجدته من جموع السودانيين؛ عقب مجزرة فض اعتصام القيادة العامة واعتصامات الولايات، حين خرج رئيس المجلس العسكري وأعلن الغاءه لكافة الاتفاقات التي تمت بينهم وبين قوى الحرية والتغيير، وعزمهم كمجلس عسكري لتكوين حكومة طوارئ.
* ومن ضمن ما قام المجلس العسكري بفعله إغلاقه للإنترنت في كامل البلاد لفترة امتدت إلى ٤٠ يوماً؛ لكن التنظيم الجيّد والعمل الذي انتظم قوى الثورة ولجان المقاومة، جعل موكب ٣٠ يونيو مفاجأة من العيار الثقيل لمن ظنوا أنهم قاموا بوأد الثورة؛ واطفاء جذوتها بفض الاعتصامات.
* لم يظهر ايمان قوى الحرية والتغيير بقوة الجماهير والشعب على طاولة التفاوض التي عاد إليها برهان ورفاقه مجبرون؛ وفي حقيقة الأمر لم يفوِّت قادة المجلس العسكري فرصة ليقولوا أنهم ضد الثورة الشعبية التي أطاحت بالبشير ونظامه، فمنذ هبت الثورة في ديسمبر كانت لجنة البشير الأمنية تعمل على وأدها وتجتمع لتضع الخطط لكيفية وقف تمدد الثورة الهائل الذي شمل كافة مدن وأرياف السودان.
* تخسر القوى السياسية كثيراً وهي تراهن على توازنات اقليمية ومصالح حزبية وتحالفات ضيقة؛ بينما تهمل اللاعب الأهم(الشعب)، والذي أغفلت دوره كثير من القوى الدولية والاقليمية وهي تناقش مستقبل السودان السياسي مع قوى حزبية ظنتها ممسكة بمفاصل التغيير وجاء الشعب المعلّم وغيّر كل هذه المعادلات في ديسمبر.
* لن يستمر حزب سياسي إلا بقوة الجماهير، ومن لا يسنده الناس لن تجعله أية قوى قيّماً على أحد؛ هذه أمثولات بسيطة على القوى السياسية والقوة الغاشمة وضعها في الاعتبار.
(٢)
* كثيراً ما طرحت سؤال من يفكِّر للسودان الآن؛ وأعني به من يفكّر للدولة السودانية والتي تحكمها السلطة الانتقالية التي تكونت إثر تسوية سياسية بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير؛ نجمت عنها الوثيقة الدستورية والتي من المفترض أن تمثل مرجعاً دستورياً لكيفية إدارة الدولة في هذه الفترة المحددة بأربعة أعوام مع القيام بمهام محددة أيضاً للانتقال الديمقراطي.
* لكن لتحليل سؤال من يفكّر للسودان؛ علينا معرفة أن السلطة الانتقالية تضم أطيافاً مختلفة، ذات مصالح مختلفة، ونوايا مختلفة، تظهر تضارباً كبيراً في الخطوط السياسية التي تقودها؛ رغم مفارقة أن أية دولة يجب أن تعمل جميع مكوناتها لخدمة مصالح شعبها، وتعمل على حماية مقدراته وفق الدستور والقانون، لكي لا تكون هذه المصالح خاضعة للأهواء والتقديرات الشخصية.
* تم انتهاك الوثيقة الدستورية وخرقها؛ حتى بات في حكم المؤكد أنها لم تعد مرجعية للمجموعة التي تحكم الآن، وما المفارقة التي التقطها الأستاذ كمال الجزولي في روزنامته بخصوص أننا أطحنا ببشيرٍ واحد فأضحى لدينا أحد عشر بشيراً إلا وجهاً واحداً من أوجه خرق الوثيقة الدستورية؛ فقد أضحى من الواضح أن المجلس السيادي بكامله لا يعتقد ولا يعمل بصلاحياته الشرفية التي وردت في الوثيقة؛ التي حددت أن العلاقات الخارجية هي مسؤولية رئيس الوزراء والجهاز التنفيذي لحكومته؛ أي وزارة الخارجية، لكن من الواضح أن المجلس السيادي كافة قد اختطف هذه الصلاحية وخص بها اعضاءه.
* حمدوك، يمثل تياراً، المجلس العسكري نفسه يضم اتجاهات مختلفة فيما يبدو ويمثل كل واحد من أفراده تياراً يخدم مصالح محددة، ما تبقى من قوى الحرية والتغيير تمثل للأسف تابعاً لتيارات داخل المجلس العسكري.
* ليس هنالك عقل استراتيجي للدولة؛ فهي لا تعمل وفق تناغم تام كما ظل ممثلوها يقولون؛ لذلك يبدو الفشل الذي يحيط بكافة قرارات الدولة ونتائجه؛ إلا نتاجاً لهذا التضارب الكبير في المصالح؛ وهذا كله نتيجة لاستقطابات حادة، تتداخل معها مصالح اقليمية ودولية تتقاطع مع اتجاهات حزبية وايديولوجية.
(٣)
رحل الشاعر الفسلطيني الكبير مريد البرغوثي؛ في عيد الحب، وكأنه يمازح الحياة لآخر مرة، مؤكداً قدرته على التفاني في العشق حد الفناء؛ لاحقاً برفيقة دربه الروائية رضوى عاشور، مخلفاً أسىً عظيماً وحزناً عميقاً.
* كانت “الشهوات”أشهر قصائده التي رافقتنا في سني الطلب المبكرة، والتي نشرت في أحد أعداد مجلة الكرمل، والذي سيكون أحد اعدادنا المفضلة بفضلها، وقد تجدها منسوخة بخط اليد أو ماكينات التصوير أيضاً.
* رحم الله البرغوثي؛ ورحمنا أجمعين
* كلما كسر البرق بلوره في الاعالي
اشتهيت أقل قليل الحياة فما لاح لي غير موتي
بلاداً أسميك أم غولةٌ يابلادي؟
فهلا تركت لنا فسحة كي نطيل البكاء قليلاً
على الميتين
وهلا تركت لنا فسحة
كى نُهيِّئَ فوجاً جديداً
من الذاهبين إليك باكفانهم راكضين
* رحم الله البرغوثي؛ ورحمنا أجمعين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى