الرأي

قصد المشرع: المفهوم الصحيح للشريعة والقانون

(ق. أ. موسى كودي كالو)

نصوص كتابية: (مرقس 27:2-28 ، متى 9:12-13)

 

  • مقدمة: إن السبت هو اليوم السابع في الأسبوع حسب الترتيب الكتابي لأيام الخلق وهو يوم مقدس بأمر الله ويجب حفظه (قارن تكوين 1:2-3 وخروج 20: 8-10).

إن السبت هي كلمة عبرية تعني “راحة”. ومن معنى كلمة السبت (الراحة)، يظهر جلياً أن الله قصد به راحة الإنسان وخدمته (خدمة الإنسان). لقد خصص شعب الله قديماً هذا اليوم لا للراحة فحسب، بل لعبادة الله أيضاً. إذاً السبت هو ناموس أو شريعة (قانون) راحة الإنسان. وحقيقةً أن السبت هو أول قانون إلهي مكتوب الذي وضعه الله لراحة الإنسان (عبداً كان أم حراً)، ولراحة الحيوان أيضاً. يجب على الإنسان أن يعطي راحة لنفسه ولحيواناته فى يوم السبت أي اليوم السابع بعد ستة أيام عملٍ متواصلة. لا أدري من أين أخذ البعض عطلة اليومين والعمل في خمسة أيام فقط بدلاً من الستة أيام! والأعجب في الأمر أن البعض منا يسخر أخيه الإنسان ويستخدمه عاملاً في سبعة أيامٍ، بل العمر كله بحجة كونه سيداً وذاك عبداً! إن تطبيق مثل هذا الأمر، على هذا النحو، يجعل من هذا السيد أو غيره متعدياً لقانون الله الواجب تطبيقه لراحة الإنسان!

  • قصد المشروع: كما ذكرتُ فى المقدمة فإن المشرع هنا هو الله بل نفهم من تصريح السيد المسيح الصريح بأنه أي المسيح هو رب السبت (مرقس 28:2 ، متى 8:12)، أي هو الذى أوجد الشريعة (شريعة السبت أو الراحة)، وهذا يفسر جوهره الإلهي، ولاهوته الأزلي (راجع أم9: 22-30؛ يو1:1-3 ؛ كو1: 16-17؛ عب1: 2). هذا ، فإن السيد المسيح لم يوضح فقط أنه هو مصدر قانون السبت، بل شرح أيضاً قصده، من خلال النصوص (مرقس 27:2-28،متى 9:12-13)، ونصوص أخرى. إن السيد بين السبب أو الهدف الذى من أجله أوجد شريعة السبت، وذلك من خلال النقاط التالية:
  1. قال صراحةً أن السبت من أجل الإنسان لا الإنسان من أجل السبت! وهذا يعني أن الله وضع قانون حفظ السبت لراحة ومنفعة الإنسان، وإن التركيز الإلهي هنا هو على الإنسان لا على السبت، ولا معنى لوجود السبت (القانون)، إذا لم يحقق هدف الله الذي وُضع من أجله، وهو “خير وراحة الإنسان”!
  2. إن السبت وضع لرحمة الإنسان ولا تتم الرحمة إلا بالتحرير والشفاء وتفعيل كل أعمال الرحمة والإنسانية حسب إحتياج كل شخص في الكنيسة والمجتمع، أي في كل الدولة دون تمييز.
  3. لم يتمكن رجال الدين اليهودي الذين عاصروا السيد المسيح من فهم القصد الحقيقي لله من وضع شريعة السبت، من أجل ذلك أصبحوا من أشد الأعداء والكارهين للسيد المسيح بحجة أن السيد قام بأعمال الشفاء والتحرير في السبوت! وهكذا، هي عقلية الجهلاء ورافضي الحق في كل عصور ومصر! فعندما دخل السيد المسيح فى المجمع اليهودي في يوم السبت ووجد رجلاً كانت يده يابسة، قال بل سأل مراقبوه: “هل يحل في السبت فعل الخير أو فعل الشر؟ تخليص نفسٍ أو قتلٍ؟” فلم يجبه أحدٌ! فعندها قال للرجل: “مد يدك” فمدها فصارت صحيحة كيده الأُخرى!!!

هل تدرون ماذا فعل الفريسيون (جماعة دينية) مع الهيرودسيين (جماعة سياسية) بسبب ما فعله السيد المسيح من خير ورحمة؟! يقول الكتاب: “تشاوروا عليه لكي يهلكوه”! ولماذا فعلوا هكذا؟  لأنهم كانوا حكماء في الشر وجهلاء في الخير، ولم يدركوا قصد المشرع (الله) والفهم الصحيح من وضع قانون السبت! (مرقس 1:3-6).

  1. إن هؤلاء الرجال الضالين لهم إستعداد أن يُخرجوا خروفاً لهم، وقع في حفرة في السبت، ولا يطيقون السيد المسيح عند إجراء الشفاء فى السبوت، مع أن الإنسان أفضل بكثير من الخروف وليس العكس (مت9:12-14)!
  • التطبيق العصري للسبت:

قلنا، إن السبت يمثل أي نظام أو قانون أو لائحة وُضعت لتنظيم عمل ما، أو مكافحة الجرائم سواءً كانت فى داخل الكنيسة أو المجتمع (الدولة)، فما هو الهدف الأساسي من وضع لوائحنا وقوانيننا؟ هل لخدمة ورحمة الإنسان أم هي لقمع الإنسان والسيطرة عليه دون لطف او رحمة؟! هل نسعى دائماً لمعرفة القصد الحقيقي للمشرع الذي من أجله وضع القانون، أم نسعى فقط لدفع القانون وإستخدامه لخدمتنا الشخصية ولإيذاء الآخرين؟ الجدير بالذكر إن الوصايا العشر كما جاءت فى كتاب الله المقدس (الخروج 1:20-17) لا تأمرنا بالتركيز في خصوصياتنا وحقوقنا الشخصية، بل تأمرنا بضرورة حفظ حقوق الله وحقوق الإنسان! فهل قوالب قوانيننا ومعانيها أو تفاسيرها بل تطبيقاتها تهدف إلى خدمة الله وخدمة الإنسان أم إلى خدمة الأنا وإذلال الإنسان؟! ما فائدة شريعة السبت (الدستور وقوانين الدولة أو اللوائح) إن لم تكن لراحة وكرامة الإنسان؟!! وبلغة العصر التطبيقية، تذكر قول السيد المسيح القائل: “إنما القانون وُضِعَ لأجل الإنسان لا الإنسان لأجل القانون”!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى