فساد الحركات المسلحة في الجنينة

دائماً ما تثبت حركات دارفور المسلحة أنها ليست حركات كفاح ولا علاقة لها بالنضال والمهمشين والعدالة وغيرها من شعارات توارت خلفها عشرين سنة، كما أنها ليست حركات سياسية كما تدعي، بل هي مجموعة عصابات، اجتمع فيها أسوأ ما أنجبته دارفور من بشر ميزهم الله عن بقية أهل دارفور، بأن جمعهم في مكان واحد وكشفهم.
طبعاً هم نتاج طبيعي للظروف التي عاشها السودان تحت وطأة نظام العصابة المسماة الحركة الإسلامية الفاشية الفاسدة، التي دمرت المجتمع، وأنتجت ما أنتجت من عصابات سياسية واجتماعية واقتصادية وعسكرية ودينية، تتغذى على دم الشعب ولحمه، وكثيرون من كوادر تلك الحركات هم في الأصل كوادر للحركة الإسلامية.
للأسف، اتفاق جوبا (اللعنة) أعاد إلى السودان هذه العصابات التي لا تؤمن بالحق والعدل والإنسانية، ولا يحكمها ضمير ولا وازع دين. لهذا اختارها العسكر لتقف معه ضد الثورة وتدعم انقلابهم، هم يشبهون بعضهم في كل شيء، حتى إنهم وقعوا اتفاقاً خاصاً تحت الطاولة، بمنحهم الحق في الفساد.
بالتأكيد، نحن لا نكتب لنثبت للناس هذه الحقيقة عن الحركات، فالجميع شهود عيان ويعرفونها جيداً. لكننا نسجل للتاريخ جرائمها وفسادها من أجل العدالة التي هي آتية لا محالة، مهما وقفوا ضدها مع العسكر.
في مدينة الجنينة، قامت حركة تحرير السودان بتهديد المدير السابق للمجلس القومي للأدوية والسموم بالولاية، لأنه كشف على صفحته الشخصية على الفيس بوك ما أسماه (فساد الحركات الموقعة على اتفاق سلام جوبا)، وذلك من خلال إعاقة توزيع الأدوية الممنوحة للولاية والاستيلاء عليها. ورغم أنه لم يذكر اسم حركة، إلا أنه تلقى تهديدات من قيادات عصابة تحرير السودان، مما يؤكد أنهم الفاعلون.
تعود تفاصيل الحادثة إلى أن هناك شحنة دواء استلمتها حكومة الولاية، كان يجب أن توزع على المعسكرات ومستشفى الجنينة التعليمي والمراكز الصحية، وتشكلت لجنة للإشراف على توزيعها، إلا أن الوالي والحركات المسلحة أعاقوا توزيع الأدوية على مستحقيها. بل طالبوا بالأدوية لأنفسهم، حسب ما نقلته صحف وبيان لجان مقاومة الولاية، في بيان استنكرت فيه تغول الحركات على وزارة الصحة منذ تعيين المدير العام الحالي. كما اتهمت تنسيقية الكوادر الطبية والصحية بالولاية الجبهة الثورية بقيادة الوالي خميس، بممارسة الفساد ونهب موارد الولاية بصورة ممنهجة داخل مؤسسات الخدمة المدنية.
هذا السلوك ليس غريباً على الحركات، بل يشبهها تماماً ومتوقع منها. فهي مجموعة عصابات حملت السلاح من أجل أن تنهب، وليس لها هدف نبيل. لكن السؤال: ماذا تفعل بالأدوية، ومنسوبوها يتعالجون على حساب الدولة التي تصرف عليهم بلا رقيب ولا حسيب، وقد ولاهم العسكر على خزينتها؟ هل يريدون بيعها في السوق للمواطنين بسعر أعلى؟ أم يريدون تهريبها إلى دول الجوار مع البضائع الأخرى واستيراد مخدرات وسلاح بدلاً عنها؟ ثم ما معنى (طالبت بها لنفسها)؟ هل وصلت بهم الجرأة أن ينهبوا حقوق الناس جهراً وعلى عينك يا مواطن؟ غريب أمر هذه الحركات.
أقول لأهل دارفور: كفاكم صمتاً على هذه العصابات التي تتاجر بدمائكم، ولم تجنوا منها غير الذل والإهانة والظلم. تحركوا وتخلصوا منها، فدارفور لن تتعافى أبداً إذا ظلت هذه الحركات تحكمها برعاية الجيش، لا تصمتوا، اجتمعوا عليها، وطالبوا بحقوقكم واحموها، فلن يضيع حق خلفه مطالب.