الرأي

عودة الزواحف عبر بوابة الجيش!

ليس هنالك ما هو أسوأ من عدم الوطنية غير الإسراف حد الابتذال في إظهارها، وهذا ما تجلى في تلك الجموع النافرة شرقاً؛ كأنها حُمرٌ (جافلة)، جموع إثر أخرى؛ تصبح في الفشقة وتمسي في الخرطوم، من أجل أخذ اللقطة و”السيلفي” المصحوبة بابتسامات بلهاء وخبيثة يتبادلونها مع ضباطنا وجنودنا البواسل على الجبهة، في مشهد انتهازي (فلولي) يثير الغضب والسخرية في آن!
ما يفاقم الغضب أن جُل هؤلاء المتدافعين/ات، من أنصار وسدنة النظام البائد الذي فرط في سيادة البلاد شمالها وجنوبها وشرقها، فصارت في عهده فريسة تتناوشها السباع والضباع، تقضم منها دولة بنانها، فيما تنهش أخرى معصمها وثالثة تنتاشها في خصرها الرخو، وهكذا دواليك، حتى تحول الوطن بسبب ممارسات نظامهم البائد إلى (مبغى)، ومع ذلك يتدافعون الآن كذباً باسم الوطنية، ورحم الله من قال إنّ الوطنية هي المخرج الأخير للأوغاد!
إنّ موقفنا من عملية استعادة الفشقة معروف ومنشور، وقد كتبنا وطالبنا – ولا نزال- بالوقوف خلف جيش البلاد في معركته من أجل استعادة أرضنا السليبة وبسط سيادتنا عليها، كما طالبنا بدعم الجيش معنوياً، وهو موقف يفرضه الواجب الوطني والأخلاقي والمهني ليس فيه منّ ولا أذى ولا يقبل المزايدة، ولكن أن تتحول معارك استعادة الأرض وسيادتها إلى سوق لبيع صكوك الغفران، وتتحول إلى (بروة) لغسل أدران الماضي القذر، والعودة بالبلاد كلها إلى ذلك السلوك المقيت بتمجيد الأشخاص، واطلاق العبارات التفخيمية الجوفاء من شاكلة: القائد الملهم وبطل الحرب والسلام، إلى آخر قائمة الخزعبلات والأوهام، فإن ذلك لعمري ردة وخسران مبينين يجب التنديد والتصدي لهما، ثم اننا كسبنا معركة، ولم تنته الحرب حتى يتوج أبطالها!
الحقيقة تقول أن هناك أرض سودانية مُحتلة لمدة 25 عاماً ، وإنّها لم تُحرر طوال (ربع قرن)؛ لأن السلطة الغاشمة الحاكمة آنذاك ظلت تستخدم الجيش لصالح أجندة “الوطني” – الحزب- لا الوطن، وان إثيوبيا لم تكن لتتجرأ على بلادنا إلا لمعرفتها هذه الحقيقة؛ وان احتلال الفشقة بهذا الشكل السافر قد حدث عندما قرر “الحزب” اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك بأديس أبابا، تلك المحاولة الخاسئة الخاسرة التي كلفت البلاد سمعتها بتصنيفها دولة إرهابية وخسارة أرضها ومواردها شمالاً وشرقاً، ما يجعلها أفدح محاولة إجرامية دفعت ثمنها (عصابة) في العصر الحديث!
ولا شك أن وظيفة أي جيش في هذا الكون؛ هي الدفاع عن سيادة الوطن وأرضه، وعندما حررت الثورة السودانية الباسلة البلاد من الأشرار، بدأ الجيش في التحرر والتعافي والتخلص من الأدران التي لطخت ثوبه، وعاد إلى وظيفته الطبيعة في الزود عن حمى الوطن؛ ولا شك أننا سعداء بعودة الجيش جيشاً، ولكن الذي يُقلقنا حقيقة ظهور الزواحف على المشهد؛ ومحاولتهم تجيير الانتصار العظيم لصالح قادة الجيش، وليس لصالح جيش الوطن كله، ويا لها من محاولات خبيثة من أزلام النظام السابق لاستغلال استعادة الفشقة لعرقلة الإنتقال الديمقراطي ودق أسفين بين الجيش والشعب وتحريض الجيش للعب دور سياسي، وللأسف يفوت هذا الأمر على كثير من قادة الجيش.
وقد قرأنا أن القائد العام للجيش الفريق أول البرهان اتصل بأحد الزواحف مهنئاً لأن هذا الزاحف نشر صورة له وهو يرتدي الميري مُعلناً استعداده -من على صفحته الفيسبوكية- للزود عن حياض الوطن وحماية بيضته، وكأن جيشنا في الفشقة يقاتل الآن من أجل دحر احتلال حدث بعد الثورة؛ فيما الحقيقة تقول إنّه ظل باقياً لثلاثة بسبب أن الزواحف ولت أدبارها عن العدو، ودخلت جحورها تاركة الحدود والمواطنين السودانيين العُزّل نهباً لمليشيات “الأمهرا” وعصابات “الشفتا”، فياله من موقف مُخزٍ وجبان، يريدون التغطية عليه الآن بلبس الميري والتقرب إلى قادة الجيش زلفى، لكن ما أن تطلق طلقة واحدة حتى يتولوا عند الزحف، كدأبهم دائماً، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل من يقف بجانبه في المعركة شعب ثورة كاملة مكتملة بحاجة إلى زواحف؟
أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى