الرأي

صناعة القرار.. و(يوم الزيارة)..!!

دز مرتضى الغالي

كنت قد دعوت رئيس الوزراء حمدوك لزيارة المجلس القومي للبحوث؛ باعتباره من المؤسسات التي لا يمكن تحقيق أي نهضة إذا ظلت مهملة ،وإذا غابت الرابطة بين أهل البحث العلمي وبين صناع القرار..،والناس يتذكرون أن السودان وكوريا الجنوبية كانتا في أوضاع مشابهة أوائل السبعينيات، وتم في وقت واحد إقامة مجلس للبحوث وآخر للاستشارات الصناعية في البلدين..، فأخذت كوريا الأمر (مأخذ الجد) وأصبحت على ما هي عليه اليوم..، وعلق السودان لافتات جميلة على المباني واكتفى بذلك على طريقة (أديني رضاك قدامي سفر)..!!

نحن جميعا نتحدث كيفما نتفق عن شؤون الاقتصاد والمال والأعمال والنقد والسياسة والبيئة والتنمية والزراعة والصناعة والبيطرة والتقنية والتصدير والاستيراد والموارد والكورونا، ولا نترك الخبز لخبازيه….كعادتنا عندما نخوض في شأن طبي في لقاءات الأعراس والمآتم ويدلي كل منّا بدلوه بلهجة الواثق العليم بغير أن نلتفت للطبيب الجالس بيننا..!، لماذا أنشأنا إذن مجلساً للبحوث إذا كان مثل (اليتيم في العيد) وكصالح في ثمود..! فهل ننشئ المؤسسات من أجل أهداف ووظائف حقيقية أم فقط لنعلق عليها اليافطات الملونة..؟! ولماذا إذن كل هذا التعب في تأهيل الخبراء والعلماء والمختصين إلى حين إحالتهم للمعاش في هدوء وسكينة..!

لا ندري هل ذهب رئيس الوزراء لهذا المجلس أم لم يزره بعد؛ ونحن لا نقصد الزيارة العابرة بل نعني اللقاء العملي الجاد حول قضايا الوطن الملحة التي تواجهنا الآن في جلسات عمل، حقيقية حول مشكلة الخبز والموسم الزراعي ومحاصيل الصادر وأزمات النقل والمواصلات والمرور وتشغيل المصانع وحل أزمة المرور..الخ، فمشاكل البلاد (على قفا من يشيل)..!

في الخبز مثلا لماذا لا يستشار أهل المعرفة للخروج من هذا النفق بحلول شجاعة توظف العلم في إنتاجه بما يتوفر من حبوب..بدلا من هذا الاستسلام، لحكاية (ساقية جحا) في مسألة القمح وكوتته ودقيقه وموزعيه ومطاحنه (بين سيقا وويتا)..ومن أين لنا بهذه التكلفة المرهقة؟ ولماذا لا نفكر (خارج صندوق العادة) لإدخال الذرة أو غيرها في صناعة الخبز..؟ وما بالك بكِسرة (الإنجيرا) التي تصنعها أخوتنا الأحباش، وقد أصبحت بعد الاكتفاء الذاتي موردا للعملة الصعبة تتوفر كل صباح في كل بلاد الدنيا بما فيها أوروبا وأمريكا…،أو لماذا لا نفكر في إنتاج (شيء بين الرغيف والكِسرة)…؟!

وفي أزمة المواصلات إلى متى نعيش هذا اللامعقول في العاصمة المثلثة من السيارات المتلاصقة، التي ستصل قريبا إلى مرحلة الشلل الكامل وبقاء كل سيارة حيث هي..، وإلى متى يستخدم كل فرد واحد سيارة (كاملة) في ذهابه وإيابه؟ ولماذا لا يصدر قرار شجاع بعد دراسة عاجلة بتخصيص يوم للسيارات بالرقم الفردي ويوم آخر لذوات الرقم الزوجي، وهي تجربة معروفة مهما استشعر الناس الضيق في بداية تطبيقها، فهي أقل ضررا من الحالة الراهنة والازدحام الخانق و(حراق الروح اليومي).. فبعد أيام من الضجر سيقتنع الجميع بأن هذا القرار أفضل للجميع..، طبعا ليس كل مشاكل السودان في العاصمة بل أنها تستنزف معظم الوقود وتقدم القدوة الأسوأ في (العنطزة الفارغة) بقيادات السيارات الخاصة اعتباطا في معظم الحالات بلا طائل وبلا عائد ولا إنتاج..!

ما قصدناه أن النهضة واستعدال الحال المعيشي والاقتصادي لا يتم بالتصريحات و(انشقاقات النقابات) وصخب السياسيين و(صياح الحركات)، ولكن بالأساليب العلمية وربط القرار التنفيذي بأهل المعرفة في كل شأن..، فلا معنى أن يظل علماؤنا وخبراؤنا بعيدين عن اتخاذ القرار يقبعون تحت تراب الإهمال، لا يجدون من يستمع إليهم إلا في ونسة العصرية بعد ساعات العمل أو في استضافة عابرة في فضائية عن ذكرياتهم و(مواقفهم الطريفة) مع أغنية من الأرشيف..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى