الرأي

صديق تاور للأرقام المميزة!

منعم سليمان

عندما يتحوّل القصر الجمهوري، أعلى مؤسسّة سياديِّة، إلى كنتين لعرض البُضاعة والدعاية لها، وعندما يتحوّل عضو بمجلسِ السيادة إلى مُتهافِت يخدعه الباعة والسماسرة، فنحنُ أمام حالةٍ تستدعي القلقَ على القصر وساكنيه وعلى الوطن وسيادته، وأمام موجة كوميدية أكثر سُخريِّة وفتكاً!

معلومٌ للجميع، أنّ وكالة السودان للأنباء (سونا) كانت في العهد البائد مرتعاً لساقطِ الأخبار وأكذبها، وقد استبشرتُ خيّراً بنهوضها ورفعتها، خاصةً بعد تولي الأستاذ محمد عبد الحميد إدارتها، وهو أستاذي وصديقي، له فضل عليّ وله تقديري، وقد فتح خبرته كما بيته أمامي إبّان دراستي لدبلوم الصحافة بمركز راديو هولندا للتدريب الإعلامي، وكان وقتها يشغل رئاسة تحرير الراديو، وهو رجل مُتقدّم فكريِّاً ومؤهل إعلاميِّاً، نهلتُ من خبرته الواسعة ومؤانسته الجميلة، لذا كان توليه المنصب مصدراً لاستبشاري – ولا يزال- وربما كان الفتق أكبر من الراتق!

(سونا) خصصت فقرة متلفزة لعرض مسخرة القصر، حيثُ شاهدنا عضو السيادي صديق تاور، وهو رجل والحق يُقال لا أملك طاقة لتحمله، إذ أراه رجل مُتكلِّف؛ يُشعِركَ وكأنك مدينٌ له بشيء، ولا بأس، فلن يؤثر هذا على رواية القصة التي أنا بصددها، وسأرويها كما شاهدتها وشاهدها غيري، ولن أسخر منها ولن ابتذلها، ولم يترك لنا السيد تاور ما نسخر منه، فقد فعل أي شيء وكل شيء، وإنّ لله جنوداً سياديين!

كان المشهد كوميدياً ومنحته (سونا) موسيقى تصويرية مشوِّقة، كانت البداية بعضو مجلس السيادة رفقة ثلاثة زوّار، ثم تقرير تلفزيوني فحواه إنّ رجل أعمال جاء إلى القصر للتبرع مساهمة منه في دفع التعويضات الأمريكية – كان ذلك بعد يومين من دفع التعويضات – ولا بأس، فالرجل يشكر على تفاعله مع قضايا وطنه، وهو أمر ظللنا نشجعه ونحث الآخرين عليه، ولكن، ما أن عرضت الكاميرا مشهد  السيد تاور وهو يستلم المبلع الزهيد من رجل الأعمال المزعوم، وبعد خروج الرجل ومرافقيه إلى حيث يقف ضيوف البلاد الكبار للحديث للصحافة، وما أن (فتح فمه) مُتحدثاً حتى ظهر ما تخفيه القلوب وتكشفه الألسن، فوجدنا أنفسنا أمام سمسار ماكر، باع شبراً واشترى قصراً، وأمام عضو مجلس سيادة ساذج باع قصر الشعب بأبخس الأثمان!

تجاوزت السُخريِّة ذروتها عندما وقف الرجل أمام كاميرا (سونا) ليُعرف الشعب السوداني على نفسه بأنه رجل أعمال صاحب محلات (..) للأرقام المميزة، كررها مرة ثانية، وأضاف إليها هذه المرة “والعقارات”، وظلّ يرغي ويزيد كمن يتخبطه الشيطان من المس وهو يردد اسم محله للأرقام المميزة بين كل شولة وقولة، حتى عندما عرفنا على رفيقه الذي يقف على شماله قال اسمه ومعرفاً بأنه مدير المبيعات بمحل الأرقام المميزة، وكذلك فعل مع رفيقه الآخر والذي بفضله – مشكورا- عرفنا ان هناك وظيفة تسمى مدير العلاقات الخارجية للأرقام المميزة، كان الأمر أشبه بدعاية تجارية سخيفة برعاية حكومية، على نحو لا يقبل الشك بأن السيد تاور قد “اشترى الترام” وركبنا تاكسي الغرام!

ما هو أكثر بؤساً في هذه القصة إنّها كشفت عن خفة بعض المسؤولين وتأثرهم بهوجة الميديا، وهرولتهم نحو اللقطة، فكما قال الرجل صاحب محلات (الأرقام المميزة) إنه وضع إعلان تبرعه على الفيسبوك وروّج له فوصل إلى تاور، والذي كان بإمكانه توجيه الرجل إلى الحساب البنكي (حنبنيهو) المُخصص لهذا الغرض، لكنِّه استقبله بالقصر الجمهوري دون أن يعلم من هو؟ وماذا يعمل؟ وماذا تحمل صحائفه؟ بل وعقد له مؤتمراً صحفياً وأحضر له (سونا)، وكانت “سونا” امرأة  لعوب!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى