حوارات

صائدة البمبان “رفقة” لـ(الديمقراطي) لم أكن أول صائدة بمبان، بل سبقني عثمان (ساسة) وفقد يديه

أجرته ـــ إحسان عبد العزيز
في ظل الاحتفاء بيوم المرأة العالمي من مارس لهذا العام2021، نحيي نساء العالم أجمع، ونخص بالتحية المرأة السودانية في الداخل والخارج، وفي مناطق النزاعات والحروب، ومعسكرات النزوح واللجوء، وتحية خاصة لأمهات الشهداء والشهيدات والجرحى والمفقودين والمفقودات، وفي هذه الأجواء يسعدنا أن نلتقي الكنداكة طالبة كلية الهندسة الكهربائية بجامعة الخرطوم، رفقة عبد الرحمن، الشهيرة بـ”صائدة البمبان”.
الشابة التيأبهرت العالم بشجاعتها وجرأتها، فكانت واحدة من أميز أيقونات ثورة ديسمبر العظيمة وهي تلتقط البمبان المصوب نحو الثوار وتعمل على إعادته إلى أجهزة النظام المدحور، ضاربة أروع الأمثلة في تحدي ومواجهة صلف النظام وطغيانه، راسمة لوحة لبطولة كنداكات الثورة السودانية.
التقيناها في ظل هذه الأجواء من مارس الذي يعتبر شهر النساء، حيث يصادف الثامن منه اليوم العالمي للمرأة، والحادي والعشرين منه “عيد الأم”، التقيناها لنستمع إلى نساء الغد وأمهات المستقبل.
تحادثنا معها حول مآلات الثورة وما تراه في ظل حكومة الفترة الانتقالية وما تحقق من أحلام الشباب وما لم يتحقق.
وكثير من الملفات التي تراها ما زالت عالقة، في حديث الشفافية والصدق لشابة لم تتجاوز الواحد وعشرين عاما بعد.
فإلى مضابط الحوار:
*متى شعرتِ بظلم النظام وضرورة الخروج ضده، قبل الثورة أم بعدها؟
أول مرة أخرج للمظاهرات كان يوم 25 ديسمبر2018، وكنتُ وقتها في السنة الأولى بجامعة الخرطوم ولم أكمل بها أكثر من ثلاثة أشهر. وكان حينها الوضع يسير من سيئ إلى أسوأ وتدهور في الحالة المعيشية وصفوف الخبز، وكان إحساسي تجاه نظام الإنقاذ أنه حكم للظلم والقهر، بالإضافة للضغوط المعيشية، وكنتُ أرى ذلك قبل الثورة رغم أنني طالبة، ولم أدخل مجال العمل بعد، وسمعت كثيراً عن ظلم الإنقاذ ولكن لصغر سني لم أكن أستوعب كثيراً مما يحدث، ولكن بدخولي المرحلة الجامعية بدأت مداركي تتفتح وأصبحت أكثر وعياً بما يدور حولي، وبدأت أستمع إلى حوار الطلاب ومناقشاتهم في الجامعة والتعرف على كثير من الأهداف التي تستدعي الخروج من أجلها، وأسباب أخرى دعتني إلى الخروج في هذه المظاهرات،بالإضافةلكثير من المطالب بالنسبة لنا كطلاب في الجامعة وتدهور البيئة الدراسية، فوجدت نفسي متحمسة أن أشارك في هذه المظاهرات والمواكب.
*هل تذكرين تاريخ أول مظاهرة شاركتِ فيها، وأين كانت؟
شاركت لأول مرة في مظاهرة بالسوق العربي، وكنت خائفة قليلاً باعتبارها التجربة الأولى بالنسبة لي، وكان ذلك اليوم الأول لبداية الثورة في العاصمة يوم 25 ديسمبر 2018م.
*هل كنتِ متفائلة بسقوط النظام؟
كنت أنظر إلى ممارسات النظام وأتعجب كيف استمر هذا الوضع لمدة ثلاثين عاماً، لذا كنتُأرى أنه لابد أن يسقط، ولذا تحمستُ للخروج في المظاهرات والمشاركة في إسقاط هذا النظام، وكنتُأتعجب عندما أرى الأجهزة الأمنية والشرطة بهذه الأعداد الكبيرة، ولم أكن أتوقع ذلك، ولا أتوقع أن يكون العنف بهذه الدرجة، وهذه الطريقة الوحشية خاصة الثوار والشعب السوداني؛ خرجوا بسلمية يطالبون بحقوقهم، وهنا بدأت أرى بعيني ما كنتُأسمع عنه من الطلاب في الجامعة، ومن غيرهم فيما تم من قبل من قمع واغتيالات، وما رأيته أثبت لي هذه الحقائق فصرت أكثر حماساً، لذا كنتُأتساءل ماذا كان ينتظر الشعب السوداني، وكيف صبر على هذا النظام ثلاثين عاماً، كنتُأسأل نفسي أسئلةكثيرة، خاصة والتجربة بالنسبة لي هي الأولى في مجال الاحتجاجات والتمرد على هذا الوضع، وهذا ما دفعني للمشاركة القوية في المواكب والمظاهرات، والتجربة بالنسبة لي كانت هي الأولى في مجال النضال، وستظل مغروسة في ذاكرتي على مدى الحياة.
بالنسبة للتفاؤل لم تكن لدي التجربة التي تجعلني أقيّم الوضع وأتوقع سقوط النظام، فقط كنتُ في بداية طريق النضال مع بدايات الثورة، لم أكن أسأل نفسي هل سيسقطالنظام أم لا؟ ولا أشغل نفسي بالأسئلة، وهل أنني سأقتل أم أعود، ولكنني كنتُأرى سقوطه صعباً خاصة وأنه استمر 30 عاماً متمكناً من كل مفاصل الدولة، وكنتُأرى الإنقاذ قد مارست (غسيل مخ) لغالبية الشعب السودان خلال فترة حكمهم الطويلة هذه، ولذلك كنتُأرى سقوطه ليس سهلاً ولكن يجب أن نخرج ونناضل لسقوطه.
*وماذا عن صائدة البمبان، أحكِ لنا عن أول تجربة لكِ وفي أي مظاهرة كانت، أقصد التاريخ والمكان؟
كما ذكرت لم أكن أعرف من قبل البمبان، ولم أرَه، وأعتبر أنني كنت صغيرة، فأنا من مواليد 2000م، وفي أول موكب لي أتعامل فيه مع البمبان، كان اتجاه الهواء عكسي، وعندما سقط البمبان أمامي تعاملت معه بالركل، ولم أكن خائفة، ودوماًأضع في رأسي بأن البمبان عندما يطلق القصد منه تفريغ المواكب، وإيذاء المتظاهرين، خاصة وأن هناك من هم مرضى بـ”الأزمة” وغيرها من أمراض التنفس المزمنةالتي لا تحتمل استنشاق البمبان، وكثيراً ما كنتُأسمع بأن هناك رجلاً مسنّاً توفي بسبب البمبان أو طفلاً صغيراً غادر الحياة، وكنتُأتعجب لأننا لم نكن في ساحة قتال ولم نكن مسحلين، كنا نخرج عزّلاً داخل الأحياء، فلماذا تتم مواجهة المواكب السلمية بهذا العنف، وهو أمر مقصود به إيذاء المتظاهرين، لذلك فكرت في إرجاعه إليهم وإيذائهم كما يفعلون بنا، وهذا كل ما كنتُ أفكر فيه لا أكثر.
لم أكن أول صائدة بمبان، فقد سبقني إلى ذلك زميلي عثمان، من أبناء أمدرمان ويلقب بـ(ساسة)، فهو أول شاب ظهر في الإعلام حاول رفع البمبان، فقطع يديه، وبعدها ظهر الفيديو خاصتي، والبمبان مثله مثل أي سلاح قاتل، ولكنه يقتل ببطء، خاصة إذا تعرض له الشخص بصورة مباشرة، كانوا يقصدون قتل بعض الثوار بالبمبان ويلقونه عليهم من مسافة قريبة، وهذا سلوك يشبه الإنقاذ ويشبه (الكيزان)، كان هذا في فترة المواكب، بعدها انتقلنا إلى الاعتصام داخل القيادة.
*في التجربة الأولىلصيدك البمبان، ألم تكوني خائفة وأنت تحاولين رده لمليشيات النظام؟
لم أكن خائفة، ولكن كنتُ مستغربة، وكنتُأتوقع أن يحدث لي شيئاً في أي لحظة وبالتأكيد سيكون ذلك قضاءً وقدراً، لذا لم أكن خائفة.
تعودت على إرجاع البمبان،ولذلك عندما انتشر الفيديو في وسائل التواصل ووجدت إعجاباً كبيراً من الشعب السوداني، كنتُأرى أن ذلك لا يستحق، فهناك من قدم الكثير ولم أكن أقصد السعي للشهرة عبر (إرجاعي للبمبان) بل كان واجبي تجاه الثورة وأهدافها، وكنتُأفعلها بقناعة تامة، واعتبره نوعاً من أنواع النضال حتى تحقيق غايات الثورة وإرجاع الحقوق.
*استرجاع البمبان هل كان قراراً فجائياً للحظة أم كنتِ مقررة ذلك من قبل؟
لم أكن أعرف البمبان، وبالتالي لم أفكر فيه، فقط عرفته أثناء المظاهرات، فركزت معه،وفكرت في إرجاعه. وفي البدء كانت الفكرة غريبة بالنسبة لي، ولكن تعودت عليها وصرت أكررها في كل المظاهرات، وكان هدفي أن أجعل هذا البمبان بعيداً عن المنازل والأسر، وبعيداً عن المواكب حتى لا يحدث تفريقاً لها ويصبح من الصعب إعادة الموكب. وبالتالي لم يكن لي علاقة بالبمبان بل كانت فكرة لحظية.
لم يكن إرجاعي للبمبان الذي ظهر في الفيديو و”السويشال ميديا” الأول، فكررتها من قبل الفيديو كثيراً، ولكن بعد انتشار الفيديو عرفت بـ”صائدة البمبان” وكنتُأتقدم الصفوف لأقوم بذلك.
*كيف كانشعورك والشعب السوداني ينتظر بيان القوات المسلحة في 11 إبريل 2019م؟
في المرحلة الأخيرة أصبح لدي يقين وقناعة تامة بحتمية سقوط النظام، عكس ما كنتُأشعر به في بدايات الثورة، ولكن متى؟ لم أكن أعلم، ولكنه سوف يتحقق، وضح ذلك منذ 6 إبريل وأذكر ليلتها لم أستطع النوم، وكنتُأخاف أن نفشل في دخول القيادة، ولكن بحمد لله كان عملاً كبيراً قاد إلى نجاح الثورة السودانية، وتحقيق ولو جزء قليل من مطالبنا.
أما لحظة انتظار البيان يوم 11 إبريل هي لحظات لا يستطيع أحد من الشعب السوداني أن يصفها، كانت لنا خيارات أما أن يسقط النظام وأما أن ينهار السودان، لذا كانت لحظات عظيمة، كانت أيام الاعتصام أياماً عصيبة رأينا فيها الاعتقالات ورأينا الموت، شاهدنا استشهاد رفاقنا، وكان معظمنا لا يرى النوم بعينه، لذا انتظار لحظات البيان كان انتظار لحصاد كل هذا الصبر وهذه المعاناة.
*ما تقييمك للوضع السياسي الحالي، وهل الأوضاع مرضية لكم كشباب ناضل من أجل التغيير؟
سعينا كشباب لتحقيق حكومة مدنية، تحقق لنا طموحاتنا وأهدافنا وتحقق لنا رخاء في المعيشة، الوضع الراهن لم يحقق كثيراً من أهداف الثورة، وأصبح الوضع متدهوراً أكثر مما كنا نتوقع، ولابد أن تعيد حكومة الفترة الانتقالية حساباتها في تقييم هذه الأوضاع، وتسعى لتصحيحها.
*هل لـ”رفقة” أي انتماء سياسي؟
لا، لا أنتمي لأي حزب سياسي.
*التحقيق في قضية فض الاعتصام وقضايا القتل العمد للثوار منذ بداية الثورة. كيف ترينها؟
مازلنا نسعى إلى تحقيق العدالة، (ونجيب حق الشهداء)، وحتى هذه اللحظة لم نرَأي تقدم في تحقيق هذه العدالة لمن قدموا أرواحهم ثمناً لهذه الثورة العظيمة.
*هل تعرضتي للاعتقال؟
أعتقلت خمس مرات في أماكن مختلفة آخرها كانت بعد ظهور فيديو البمبان، وكانوا يبحثون عني،وبعد أن تأكدوا أني (رفقة) صاحبة الفيديو المنتشر، علمت بذلك فلم أستطع العودة إلى البيت، وكنتُ أذهب وأبيت في منازل متفرقة بين العم والخال وبقية أهلي، وحين كانت تقوم مظاهرة في أم درمان كانوا يطلقون البمبان، وينتظرون إعادته حتى يتعرفوا على مكاني ويتم القبض عليّ، وكانوا يصلون إليّ بهذه الطريقة، ويتم اعتقالي. فكانوا يحتفلون بأنهم قد أمسكوا بي كأنهم وجدوا غنيمة، وكنتُ فخورة بذلك بأنني (معذبة الإنقاذ) وهدفي كان أكبر من ذلك خاصة قد ضحّى رفاقي بأرواحهم، وما كنتُ أفعله لا يساوي شيئاً بما قدمه الآخرون.
*ماهي رسالتك إلى المرأة السودانية في يومها العالمي؟
أحيي المرأة السودانية وكل (الكنداكات) في اليوم العالمي لها وأقول من حق النساء المشاركة في السلطة، وتحقيق مطالب النساء، في إزالة التمييز على أساس النوع، خاصة والمرأة كانت أحد أسباب نجاح الثورة السودانية ويجب أن تحصل على كل حقوقها دون أن تحتاج إلى المطالبة بها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى