الرأي

شرق السودان..إطلالة من الميناء الجنوبي

د.مرتضى الغالي

ننتظر دوراً لشباب الثورة ولجان المقاومة في شرق السودان الجميل وثغر الوطن الباسم للقيام بالتهدئة وإزالة الالتهاب بين فعاليات الشرق وتلطيف حدة الاختلاف بين مكوّناته، فلا حجر على تعبير المواطنين عما بصدورهم ولكن بعد الثورة لا بد من تعميم مظاهر الوعي ونشر ألوية السلمية والتصالح بين أطراف المجتمع والعبور بالبلاد إلى السلام والتصافي. فهناك كثير من الاحتقان والدواعي التي تثير شعور المواطنين وتجعلهم أقرب إلى الغضب و(التوجّس) عند كل حركة وسكنة تصدر من الحكومة أو تتعلق بشغل المناصب في المركز والولايات أو الهيئات والمؤسسات، وكل ذلك بسبب ثلاثين عاماً من الظلم والتمكين الفاسد وبذر الفرقة والخلاف بين الناس، وكان هذا ديدن نظام الإنقاذ المُجرم الذي ينشط فيه بخطط شيطانية مُمنهجة (بغباء السنين)، لأن الإنقاذ كانت تعلم أن لا بقاء لها إلا بتجزئة المجتمع والجماعات والأحزاب والهيئات والقبائل والأسر و(خشوم البيوت) المتجاورة وإثارة الشقاق والتدابر من أجل مصلحة قادتها (الزعانف)، ومَنْ يشطر الدولة إلى شطرين لن يتورّع عن زرع الفرقة في جسم المجتمع وتحويل التنوع الباهي فيه إلى بؤر مفخخة للدمار والخراب.

الوطن يمر بفترة بالغة الحساسية وتنتاشه خلالها وتتناوشه فلول الإنقاذ الذين يجتهدون في إثارة النعرات والتباغض والتناقض والتشاحن والتنافر بين أبناء المجتمع الواحد، ويجعلون من أي مصاعب معيشية أو أي خطوة تقوم بها الثورة وحكومتها بؤرة لإشعال الفتنة، ويصورونها وكأنها ترمي إلى تمييز جماعة على جماعة (ضلّ سعيهم) ويظهر ذلك في محاولة الفلول الاستثمار الخائب في تصنيف ولاة الأقاليم باعتبارات قبلية وعشائرية. وهذا غاية ما يحاولون الوصول إليه من ردة ونكوص عن شعارات الثورة؛ حرية سلام وعدالة (وكيدهم إلي بوار). ليعلمنّ جميع الموطنين في كل بقاع الوطن بل أنهم من أكبر العالمين إن الثورة ما جاءت إلا لتزيل رواسب القبلية والعشائرية والعنصرية ونشر ألوية السلام والعدالة والحرية لكافة المواطنين وعلى اختلاف أقاليمهم وتنوعاتهم. ولكن كلنا يعلم أن خراب الثلاثين عاماً وثقافة التباغض والتدابر والمحاباة التي كانت زبدة ميراث الإنقاذ لا يمكن أن تختفي في أسابيع أو أشهر معدودة، ومشوار الميل يبدأ بخطوة، والاحتجاجات والمسيرات والتظاهر حق مشروع ومعلوم للسائل والمحروم، ولا مشكلة في ذلك ولكن في عهود الديمقراطية والحرية لا معنى أن تكون الاحتجاجات تعطيلاً لمرافق الدولة. فهذا لم يحدث حتى مخاض الثورة الظافرة ولحظاتها الحرجة عندما كانت الإنقاذ تحصد الأرواح بالرصاص والدهس والسحل والموت الأحمر. فلنطلق سراح ميناء بورتسودان عسى أن نستطيع تسيير القليل من الصادر والوارد. فتعطيل مرافق الدولة الخدمية والإنتاجية من الأسلحة التي يمكن استخدامها ضد الأنظمة المتجبّرة الباغية (كالإنقاذ) ولكن التظاهر السلمي في الميادين هو ممارسة الشعوب الحرة والصورة الزاهية لحرية التعبير والزهور اليانعة لربيع الديمقراطية.

المعوقات عديدة وأسبابها معلومة، والتعويل على شباب الثورة ولجان المقاومة في إطفاء الحرائق، فهم الذين يستمع الناس إليهم ويثقون بهم، فلتكن حركتهم المباشرة نحو شرق السودان وفي كل منطقة تشهد شرارة النزاعات التي أورثها نظام الإنقاذ البلاد من بين ما خلّف من كوارث وفقر ومرض وتهميش وقنابل مفخّخة وألغام مبثوثة، وتستمر الثورة بشعاراتها العظيمة ولن يفلح الفلول والمخذّلون، شلّت أيديهم وخرست أبواقهم. ومنهم هذا الدعي الذي كان (يركض بين الفضائيات) وينسج للإنقاذ أخبارها وفبركاتها وهو يخرج اليوم من مخبئه ويدعو إلى استقالة الحكومة ويبشّر بفشل الثورة. من أنت أيها (الفنطوط) حتى تهاجم الثورة وحكومتها؟ وحقاً كما قال الطيب صالح (من أين أتى هؤلاء الفناطيط)؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى