الرأي

شخصيات شاردة روسي

منصور الصويم
أخذ اللقب عن مهاجم كرة القدم الإيطالي، باولو روسي، فإلى جانب أن ظهوره في ملاعب الكرة بالمدينة الصغيرة جاء متزمنا مع بزوغ نجم باولو روسي وتتويجه بلقب هداف كأس العالم “1982”؛ فإن ماجد خليل – وهذا اسمه الحقيقي – كان يتشارك مع اللاعب الإيطالي في الكثير من الصفات والمهارات وطريقة اللعب وإحراز الأهداف، وربما رؤية مدربي كرة القدم، إذ أنه غالبا ما يشارك في الدقائق الأخيرة للمباريات أو الشوط الثاني بأكمله، وخلال هذه المشاركة القصيرة يمتع الجماهير ويحرز الأهداف ويشعل الفرح في المدرجات.
ربما كان ماجد روسي اللاعب الوحيد في ملاعب كرة القدم السودانية، الذي لا يدخل الملعب إلا وهو مخمور، وربما كان أيضا اللاعب الوحيد الذي يذهب إلى الميدان مباشرة من “الأنداية” وليس النادي، فبينما يكون بقية اللاعبين اجتمعوا في النادي وتلقوا من المدرب تفاصيل خطط اللعب وادوا قسم الولاء، في تلك الأثناء يتجاذب ماجد روسي أطراف الحديث مع ندمائه من السكارى الأكثر شهرة في المدينة؛ يتبادلون معه أنخاب النصر والأهداف ثم يخرجون معه مشجعين حتى الباب وربما يرافقه البعض إلى الاستاد، ولا يهم بعد ذلك إن شاهدوا المباراة أم لا، فالنتيجة محسومة بما أن روسي ضمن التشكيل.
المسافة من “أنداية السكر” إلى إستاد الكرة يقطعها ماجد روسي جريا، مرتديا الزي الرسمي لفريقه، لا يبدو عليه أثر للسكر، نشط وسريع، العرق يتقطر بغزارة من جسده، على جبينه تقطيبة شرسة، وعيناه تحدقان نحو أفق بعيد، لا ينشغل بتشجيع أنصار فريقه وهم يعبرون قريبا منه، وللا بصياح أنصار الفريق الآخر وهم يسبونه ويسبون أجداده.
يحرز الأهداف في الدقائق الأخيرة، ينقذ فريقه من الهزائم ويقفز به إلى المقدمة، يفرح الجميع ويدفعهم للصراخ الهستيري المجنون، ويظل هو صامتا يحدق في أفقه اللا منظور داخل الميادين وخارجها، معزولا ووحيدا إلا من رفقته المباركة في “إندايات” المدينة المبعثرة في أحيائها الطرفية.
بعد اعتزاله للكرة بسنوات طويلة، لن يتعرف على ماجد روسي إلا القلائل ممن يحبونه حقا ويتابعون أخباره ويحاولون إنقاذه من غيبوبات السكر المستمرة. وذات صباح خريفي ماطر سيكتشف أطفال المدارس جثته طافحة على سطح أكبر أودية المدينة وأعتاها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى