الرأي

سنـــة التعويـــض

القس موسى كودي
مصادر كتابية:
1. بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: “مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ” (1كو2: 9)
2. أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشرٍ (حديث قدسي: مختصر رياض الصالحين للإمام يحيى بن شرف الدين)
إن كان العام الماضي يُعد من سنين الضياع والآلام، فإن العام 2021م، يمكن أن يكون عام خير وبركة وسنة التعويض. إن ما لا يجب أن ننساه ونحن نطمع في عام أفضل، وأكثر خيرٍ، هو أن لا ننسى قلب الله الطيب الذي ينضح بالخير والبركة للجميع إلا من أبى، يعرف أشواق قلوبنا ويعرف كل شيء، بل هو الذي بيده كل مفاتيح الخير والسعادة. ومع ذلك ورغم كل صلاحه المطلق، إلا أنه لا ينهج بنهجنا نحن البشر، بل بنهجه هو وإرادته القديرة. ومن هذا المنطلق، فإن منهج الله لإزالة شر الإنسان، ولتوفير السعادة وضمان التعويض الآني والأبدي، لا يخالف أبداً إرادته وناموسه الأخلاقي. وبلغةٍ أخرى، بما أن الله مع أشواق قلوب البشر في نيل الخير والسعادة، والتمتع من فيض التعويض الإلهي الذي وعد به، فلا بد من أصحاب الأمنيات النبيلة لنيل السعادة، أن يطبقوا عملياً المنهج الإلهي في حياتهم، وذلك على النحو المثالي لا الحصري التالي:
1. التواضع والانكسار أمام الله: نعم هنالك وعود إلهية بالتعويض عن آلام السنين الماضية التي أتلفها الآفات بسبب شرور الإنسان: ” وَأُعَوِّضُ لَكُمْ عَنِ السِّنِينَ الَّتِي أَكَلَهَا الْجَرَادُ الْغَوْغَاءُ وَالطَّيَّارُ وَالْقَمَصُ جَيْشِي الْعَظِيمُ الَّذِي أَرْسَلْتُهُ عَلَيْكُمْ. 26فَتَأْكُلُونَ أَكْلاً وَتَشْبَعُونَ وَتُسَبِّحُونَ اسْمَ الرَّبِّ إِلَهِكُمُ الَّذِي صَنَعَ مَعَكُمْ عَجَباً وَلاَ يَخْزَى شَعْبِي إِلَى الأَبَدِ (يو2: 25-26) ، ومع ذلك لابد من ترك الكبرياء والتعالي أمام الله. .يقول سليمان الحكيم: ” قَبْلَ الْكَسْرِ الْكِبْرِيَاءُ وَقَبْلَ السُّقُوطِ تَشَامُخُ الرُّوحِ”(أم 16: 18). عندما يشبعنا الله ويرفعنا من مزابلنا إلى القصور الفاخرة، فسرعان ما ننسى صاحب الفضل الذي هو الله، فنبتدئ ندوس على صغار قومنا بدون رحمة، ولدرجة أن البعض منا أصبحوا ينصبون أنفسهم آلهة على الآخرين، ناسين بهذا بغض وكراهية الله لمثل هذا التعالي والكبرياء فينكسرون وهم في قمة قوتهم. هذا، وإن كنا فعلاً ننشد تعويضاً من الله فلا بد لنا أن نزيل موانع البركات ومسببات الألم لبلدنا. علينا بطاعة الله وتصديقه في قوله: “إِنْ أَغْلَقْتُ السَّمَاءَ وَلَمْ يَكُنْ مَطَرٌ وَإِنْ أَمَرْتُ الْجَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ الأَرْضَ وَإِنْ أَرْسَلْتُ وَبَاءً عَلَى شَعْبِي 14فَإِذَا تَوَاضَعَ شَعْبِي الَّذِينَ دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِمْ وَصَلُّوا وَطَلَبُوا وَجْهِي وَرَجَعُوا عَنْ طُرُقِهِمِ الرَّدِيئَةِ فَإِنِّي أَسْمَعُ مِنَ السَّمَاءِ وَأَغْفِرُ خَطِيَّتَهُمْ وَأُبْرِئُ أَرْضَهُمْ” (2أخ 7: 13-14). فالرجوع الحقيقي إلى الله والتواضع أمامه هو الحل لكل مشاكلنا، وسيجلب الخير لكل البلاد والعباد. يقول الكتاب: “يُقَاوِمُ اللَّهُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا الْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً. فَاخْضَعُوا لِلَّهِ. قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ. اِقْتَرِبُوا إِلَى اللَّهِ فَيَقْتَرِبَ إِلَيْكُمْ. نَقُّوا أَيْدِيَكُمْ أَيُّهَا الْخُطَاةُ، وَطَهِّرُوا قُلُوبَكُمْ يَا ذَوِي الرَّأْيَيْنِ… اِتَّضِعُوا قُدَّامَ الرَّبِّ فَيَرْفَعَكُمْ” (يع 4: 6-10). ويؤيد الإسلام هذه الحقيقة في الحديث النبوي القائل: “من تواضع لله رفعه الله”. وعليه، ولضمان التعويض الإلهي في هذا العام، دعونا نطيع الحق الرسولي القائل: ” فَتَوَاضَعُوا تَحْتَ يَدِ اللهِ الْقَوِيَّةِ لِكَيْ يَرْفَعَكُمْ فِي حِينِهِ، مُلْقِينَ كُلَّ هَمِّكُمْ عَلَيْهِ لأَنَّهُ هُوَ يَعْتَنِي بِكُمْ” (1بط5: 6-7).
2. توافق الإرادة البشرية مع الإرادة الإلهية: الكل يرغب ويتمنى لنفسه كل ما هو جميل، ولكن الأمنيات الجوفاء والبعيدة كل البعد عن المنهج والإرادة الإلهية، تظل مجرد أمنيات عاقرة لا تنجب الخير، ولن يحصد منها البشر غير قبض الريح! ولأجل حل وفك طلاسم هذه المعضلة المعقدة، لا بد لنا أن نزن رغبات قلوبنا وأمنياتها مع ما يطلبه الله منا كمنهج حياة للحصول على السعادة. لا يجب علينا التركيز فيما نريد دون التركيز فيما يريده الله منا. فلكي ننال أموراً أفضل من كوارث العام الماضي علينا أن نترك شرورنا والأسباب التي قادت البشرية إلى تلك الآلام التي ما زلنا نعاني من آثارها.
3. تصديق وعود اللــــــه: لا يجب علينا أن نعيش بالعيان فقط، فنستسلم لواقعنا السياسي والاقتصادي المرير، الذي ليس إلا حصاد لما زرعته أيادينا الملطخة بالدماء والظالمة لمخاليق الله وعباده، بل علينا بالاستمرار في الإيمان بالله الذي وعد بالتغيير. علينا أن نصدق وعوده القوية والأمينة، التي لها موعد الحياة الحاضرة والعتيدة. إن التوافق مع الإرادة الإلهية، والتواضع أمام الله مع تصديق وعوده، لا يمكن أن يحدث إلا من المؤمنين بالله. وبالتالي فإن الوعود الإلهية التالية، والمستوحاة من المصادر الإسلامية والمسيحية، هي مقدمة فقط لعباد الله الصالحين، الذين يحبونه ويتكلون عليه، وليس للمتشككين. وبحسب الكتاب المقدس، بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: “مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ” (1كو2: 9). ويؤيد الإسلام هذا الوعد عند القول: “أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشرٍ” (حديث قدسي: مختصر رياض الصالحين للإمام يحيى بن شرف الدين). هل نؤمن بهذه الوعود، التي نؤمن أنها من الله؟! يقول الكتاب: “وَإِنَّمَا إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللَّهِ الَّذِي يُعْطِي الْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ وَلاَ يُعَيِّرُ، فَسَيُعْطَى لَهُ. وَلَكِنْ لِيَطْلُبْ بِإِيمَانٍ غَيْرَ مُرْتَابٍ الْبَتَّةَ، لأَنَّ الْمُرْتَابَ يُشْبِهُ مَوْجاً مِنَ الْبَحْرِ تَخْبِطُهُ الرِّيحُ وَتَدْفَعُهُ. فَلاَ يَظُنَّ ذَلِكَ الإِنْسَانُ أَنَّهُ يَنَالُ شَيْئاً مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ” (يع1: 5 -7).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى