ثقافة ومنوعات

سرديات.. / الزاكي عبدالحميد أحمد

“اللولاي” Lullaby

لا ادري إن كانت العربية هي الأصل أم الانجليزية حتى وإن كانت الانجليزية ترجع أصل الكلمة إلى العبرية وليست العربية..تقول المراجع الانجليزية إن كلمة lullaby اشتقت من كلمة lilith العبرية وتعني حسب الاساطير العبرية مخلوقا يسرق ارواح الاطفال أثناء نومهم لذلك كانت اليهوديات حسب معتقداتهن يعلقن على الجدران اربع تعاويذ منها تعويذة تحمل اسم lilith…. قيل إنها قادرة على طرده إن حاول ود ام بعلو الاقتراب من فلذات اكبادهن ..وهكذا..

الهدهدة اي اللولاي معروفة لدى كل الشعوب وفكرتها تكاد تكون واحدة:.

النوم..النوم

بكريك بالدوم

دومتين سمحات بالبحر مرات

الفتة ام توم حمتني انوم عن ناس كلتوم

يالنوم تعال سكت الجهال

يالنوم تعال بديك ريال..

وهناك انواع عديدة  من هذه الهدهدات في المجتمعات الغربية ومنها الابيات التالية التي كانت سائدة في الجزر البريطانية:

Hush! little baby don’t say a word

Mama’s gonna buy you a mocking bird

If that mocking bird don’t sing

Mama’s gonna buy you a diamond ring

If that diamond ring turns brass

Mama’s gonna buy you a looking glass

شكسبير

نلاحظ ان الابيات التي تغنيها الام في الحالتين لا شيء فيها من الشعر اللهم الا القافية وترديدها دون قيود لغوية…

وبالطبع يلازم اغنيات الهدهدة في كل المجتمعات تحريك السرير الذي يرقد فيه الرضيع ذات اليمين وذات اليسار او الى الامام والى الوراء حتى يطمئن الرضيع بانه ما يزال في رحم امه حين تتحرك..

ثم تأتي المفارقة لاحقا مع تقدم العمر  حين نكبر وتكبر البهم!

فالنوم لدى الكبار عصيٌّ..نستجديه فلا يأتي لسبب او لآخر..

ففكرة النوم لدى شكسبير مثلا والارق وما يتصل بهما من أحلام وآلام كانت تشغل باله وتستحوذ على اهتمامه الى حد كبير ودونك هذه الابيات من قصيدته- هنري الرابع:

مناجاة النوم  Soliloquy on sleep

How many thousands of my poorest subjects

Are at this hour asleep! Oh sleep! O gentle sleep!

Nature’s soft nurse, how have I frightened thee

That thou no more wilt weigh my eyelids down

And steep my senses in forgetfulness?

كم من بائس ومعدم فقير

كم الف بائس من شعبي الكبير

قد نام ناعما بالا وجفنه قرير

يا ايها الكرى

يا ايها النوم الرقيق الحاشية

يا خفقة التحنان في جوف الطبيعة

كم راعك ما راعك مني

فلذت بالفرار…

هنا هموم المُلك والخوف من ضياع السلطة هي التي جعلت الملك هنري يقول ما يقول في الابيات السابقة..

ويقول النقاد إن شكسبير لا بد انه قرا كتبا عن الحزن والكآبة وعلاقتهما بالأرق واضافوا ان شكسبير راقت له فكرة الامزجة وعلاقتها بالحزن فوجد في تلك الكتب صدى لما يضطرم في نفسه من حزن…وقد وجد شكسبير في مسرحياته شركاء له يقاسمونه عناءه النفسي وهكذا يزيحون عن كاهله بعض التفكير فيما يعاني، وقد اختار هؤلاء الشركاء من علية القوم فمنهم الملك ومنهم الامير والقائد الكبير وبذا تكون مشكلته مشكلة ملوك وامراء وقواد..وفي ذلك عزاء نفسي عما كان يلاقيه من عناء..

في مناجاته للنوم على لسان الملك هنري يصور لنا شكسبير الملك بانه يخشى ان يضيع منه التاج الذي كان يحرص عليه أشد الحرص فتنتابه الهموم وتقض مضجعه الوساوس فيستحيل على جفنيه أن يطبقا وعلى قلبه الواجف ان يهدأ فنجده كما صوره لنا شكسبير يستجدي النوم اغفاءة والنوم حرون….

اما ذلك العربي العاشق فكان عدم نومه من وحي بيئته:

ف سويد ابي كهل اليشكري يحكي لنا عن حاله في قصيدته التي كانت كما البعبع في الشهادة السودانية:

بسطتْ رابعةُ الحبلَ لنا

فوصلنا الحبلَ منها ما اتسع..

إلى ان يقول:

فأبيتُ الليلَ ما ارقدُه

وبعيني اذا النجمُ طلع

واذا ما قلتُ ليلٌ قد مضى

عطف الاولُ منه فرجع.

إن الليل بالنسبة لهذا الشاعر الجاهلي قد طال وطال حتى كأن كل قطعة منه اذا مضت في طريقها أمداً،  عادت الى حيث كانت واستأنفت طريقها مرة اخرى..وهكذا…

وكل ذلك بسبب ملهمته التي كما قال:

تمنح المرآةَ وجهاً واضحاً

مثل قرنِ الشمسِ في الصحو ارتفع…

بعض النقاد لمن قرو الوصف دا قالو،  ليهو حق كان ما نام

.ولم يكن مطربنا بعيدا عن ما ذهب إليه سويد اليشكري، حين فارق النوم عينيه:

أريت النوم..يزورني اليوم..ّ

انوم لو ليلة في كل عام

ودا ذاتو ما نوم يعني نوم بمعناه المعروف بل هو شي تاني:

بين اليقظة والأحلام!

ودا سهر الجداد ولا نومو..وقصتو المعروفة مع الثعلب الذي حين لم بجد طريقة لدخول القفص الذي حفظ فيه صاحب المزرعة دجاجه خوفا منه، أدخل ذنبه في القفص وبدأ يحركه ذات اليمين وذات اليسار ما حال دون نوم الدجاج فكان المثل: سهر الجداد ولا نومو!

شي عجيب..

وبالطبع لا ننسى سهر العابدين وحلاوة الذكر  وسبحة الهجليج الألفية والتبتل في محراب الله:

يا ليل ليلك جن

معشوقك أوّه وأنّ..

وهذا عالَم يذوب فيه المتصوف وجدا حتى اتهم منهم من حلق بعيدا في فضاءات التبتل الواسعة،  بالزندقة!

فحين يشدو كاظم الساهر مثلاً  من كلمات الحلاج لا تملك إلا أن تقولَ سبحانك ربي إني كنتُ من الظالمين:

عجبت منك ومني،

يا منية المتمني،

ادنيتني منك حتى،

ظننت أنك أني،

وغبت في الوجد حتى،

أثنيتني بك عني،

يا نعمتي في حياتي،

وراحتي بعد دفني،

مالي بغيرك أنس،

إذا كنت خوفي وأمني..

كلام عجيب!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى