الرأي

رحل القائد السياسي الأميز في السودان

 لم يسبق لي في حياتي أن كتبت عن قائد سياسي سوداني، فحسب رأيي الشخصي أغلبهم ليسوا قادة، فالقائد يجب أن يكون بالضرورة صاحب فكر ومبدأ وهدف واضح وثابت، وأغلب القادة السياسيون في السودان ألقت بهم الصدف الى الساحة السياسية بعد أن ضلوا الطريق الى أماكنهم الطبيعية، ولكني استثناء اليوم أكتب عن اندر القادة الحقيقيين الذين مروا على الساحة السياسية السودانية، ألا وهو الإمام الصادق المهدي إمام الأنصار ورئيس حزب الأمة الذي ترجل عن صهوة الدنيا تاركاً بصمته الواضحة في السودان بل والعالم، وحقيقة هي شهادة حق لا مجاملة فيها فقد عرفته مثلما عرفت كل الذين نسميهم قادة في السودان والحق يقال إن الصادق المهدي أميزهم حتى الآن.  
صحيح الإمام يعتبر من الجيل الذي أفسد السياسة والسودان وحرمنا من حلم بناء بلد موحد متماسك بسبب ضعفهم السياسي والفكري وعمى البصر والبصيرة، ولكن إن اقتحم الساحة السياسية من هم متساوون معه أو أفضل منه لما وصلنا إلى هذا الحال ولما كانت السياسة مهنة من لا مهنة له وملعب من لا يجيد اللعب في أي شيء.
من متابعتي الشخصية للقادة السياسيين السودانيين أغلبهم لم يقدموا للمجتمع السوداني أي عمل يسهم في دعمه او ينير له الطريق في أي مجال إلا القليل الذي قدم القليل.  
الإمام الصادق المهدي هو الوحيد الذي ترك خلفه مجموعة كبيرة من الكتب والأوراق العلمية والمحاضرات وأدعو الناس لقراءتها فهو صاحب فكر معتدل منحه قدرة على قراءة ما يحتاجه السودان للخروج من مآزقه الكثيرة باعتدال .
الإمام الصادق المهدي مهتم جداً بمسيرة النساء السودانيات على جميع الأصعدة ومتابع لهن بحرص، فقبل ثلاثة أعوام دعاني لمقابلته إعجاباً بكتاباتي التي يتابعها ضمن عدد آخر من الصحفيات وقال لي إنه سعيد بأن يكون في السودان أقلام نسائية تكتب بمثل هذه الشجاعة، والحق يقال الإمام لا تفوت عليه شاردة ولا واردة في المجتمع يهتم بكافة تفاصيله ومشاكله ليس السياسية والاقتصادية فحسب بل وحتى الاجتماعية والنفسية التي لا يراها حتى المتخصصون وهذا واضح في كتبه، وقد تناقشنا في قضايا كثيرة وحقيقة أدهشتني ملاحظاته الاجتماعية. 
حقيقة الكثيرون لا يرون الإمام الصادق المهدي إلا من خلال منظار جيله الذي ورط السودان في الهشاشة والفوضى والصراعات والتخلف ولهم الحق طبعاً ولكن لابد من إنصافه من خلال الحكم عليه من إرثه السياسي، فهو لم يربي ثعابين سيعاني الشعب من لدغاتها المسمومة ولا مجرمين سيعاني من فسادهم وأنانيتهم ولا تجار شعارات كما الحال في أحزاب وأيدلوجيات اليمين واليسار. 
بعد مشوار طويل وحافل بالعطاء السياسي والفكري ترجل عن صهوة الدنيا الإمام الصادق المهدي تاركاً خلفه سيرة ضخمة يتفوق فيها على كافة القادة السياسيين العرب والأفارقة وربما العالم، ولكننا في السودان لا نقيم الرجال كما ينبغي إلا بعد فوات الأوان، رحل الإمام قبل أن يصل السودان إلى بر الديمقراطية التي لطالما تمسك بها وبشر بعودتها ورجاحتها، وبرحيله انطفأ قنديل من الوعي يستغرق إشعاله آلاف السنين من عمر الشعوب كما قال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وأنا أقول؛ انهار الهرم السياسي الوحيد الذي امتلك مهارات ومواصفات القادة، ونرجو أن يمن الله على السودان بغيره في المستقبل القريب وتفتح السياسة أبوابها للقادة الحقيقيين أصحاب الفكر والهدف والمبدأ. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى