دولة الجيوش غير المحترمة

ترك قادة الجيش، هذه الأيام، مشاكل السودان المزمنة التي تسببوا فيها وأصبحوا (مقابلين) حارسهم وفارسهم محمد حمدان دقلو)، الفريق الذي جاؤوا به وهو لا يملك غير مؤهل (شجاعة القلب) فتفوق عليهم، رغم أنهم قضوا عمره (قراية وشغل).
ظل دقلو يقوم بمهام كثيرة عسكرية واقتصادية وسياسية، ومنحوه الفرصة كي يكبر أكثر مما كان عليه أيام قائد الجيش الفاسد المدعو عمر البشير. وقد افتتن به البرهان وبقية قادة الجيش، يرفعون له التحية العسكرية في منظر لا يحدث إلا في الدول غير المحترمة التي يحكمها أكثر من جيش.
هذا ليس كل شيء، فقادة الجيش كانوا يغضبون كلما قاد الشعب حملة تطالب بدمج الدعم السريع في الجيش وتصحيح وضعه، فيخرج قائدهم بنفسه يدافع عنه، حتى ظن الناس أن الدعم السريع سيرث الجيش.
وفجأة (قلبوا له ظهر المجن)، ولا أحد يعرف سبب الخلاف، إلا أن الجميع يرجح أن الأمر متعلق بطموحات دقلو اللامحدودة التي جعلتهم يصرحون بعكس ما كان يقولون، ويؤكدون ضرورة دمج الدعم السريع فوراً وكأنه ليس جيشاً يضم عشرات الكتائب ويملك الكثير من السلاح وأشياء أخرى، ويحتاج إلى ترتيبات تستغرق زمناً وتكلف جهداً ومالاً، وطبعاً هذه التصريحات تكشف ضعف التفكير وسوء الإدارة والتقدير وعمى البصر والبصيرة الذي يعاني منه قادة الجيش.
بدأت التصريحات العنترية ضد الدعم السريع من البرهان، ثم خرج بعده ياسر العطا وقال إن الدعم السريع يجب أن يدمج في الجيش، وأنه لا توجد دولة محترمة فيها جيشان. وطبعاً هذا اعتراف بأن السودان اليوم يعد دولة غير محترمة لأن فيها جيشين، مع أن الجيش الثاني هو صنيعة الجيش الأول الذي يمثله ياسر العطا نفسه، وفي الأيام التالية سيخرج بقية قادة الجيش ليواصلوا حملتهم ضد الدعم السريع.
في الحقيقة السودان ليس فيه جيشان كما يدعي السيد ياسر، بل فيه جيوش تحكمه (عديل) وبالحديد والنار، وهناك فرق شاسع بين أن نقول (فيه جيشان)، (وتحكمه) جيوش. ففي الحالة الأولى الحل سهل، أما الثانية فصعب.
مشكلة السودان الآن ليست أن فيه جيشين، بل لأنه محكوم من قبل مجموعة جيوش الجيوش، بعضها مليشيات وبعضها الآخر عصابات وفلول وغيرها. وحتى الجيش الأساسي مؤدلج ومسيس ومجير للحركة الإسلامية منذ أكثر من ثلاثين سنة، وهو الذي انحط بالدولة، وما ثار الشعب السوداني إلا ليخلص السودان من حكمه، لكنه وقع في مصيبة الجيوش المتعددة التي ما كان لها أن تظهر لو كان الجيش الأصلي (كارب قاشو)، على قول دقلو، وهو يشرح كل شيء.

خلاصة القول، الدعم السريع لن يدمج بالتصريحات غير المسؤولة، فهناك حقائق تفرض نفسها وتجعل السادة المصرحين يبتلعون تصريحاتهم ويقولون عكسها وقت الجد. الدعم السريع ما زال موجوداً في أماكن كثيرة إنابة عن الجيش، وبيده أشياء أكثر، وهو في النهاية يضم مواطنين سودانيين، ومصلحة البلد تقتضي إيجاد حل له ولجيوش الحركات بطريقة تضمن الاستقرار والحصول على جيش قومي موحد.
وعليه نقول لقادة الجيش: اتقوا الله في هذا الشعب، وكفوا عن التصريحات الصبيانية. فهو يعرف أنكم تقولون ما لا تفعلون، وأن مصالحكم الشخصية ستجبركم على دعم استمرار دولة الجيوش غير المحترمة التي صنعتموها بأنفسكم من أجل أنفسكم لذلك سيستمر في النضال، ليس من أجل الدولة المحترمة التي بها جيش واحد قومي، بل من أجل رحيلكم جميعاً، فأنتم المرض الحقيقي، وما تلك الجيوش إلا عرض سيزول بزوالكم.