خلل قانوني خطير تكشفه (ثيران العدل والمساواة)..!
من كل الخبر الطويل العريض الذي أوردته وسائل الإعلام عن الكوارث والفضائح التي أعقبت زيارة جبريل إبراهيم إلى جنوب دارفور لم يستوقفني والله إلا (فقرة صغيرة).. تكمن فيها خطورة ما آلت إليه الحال في بلادنا بسبب هذا الانقلاب الكارثة ونتيجة للميراث الرجيم لنظام الإنقاذ..!!
فقرة قصيرة من الخبر تقول (بكل بساطة) أن ممثلي حركة جبريل إبراهيم التي تحمل اسم (العدل والمساواة) قاموا بسجن مواطن.. ولم يتم إطلاق سراحه إلا بعد وقفة احتجاجية لأسرته وبعض “عقداء الخيل” أمام النيابة العامة بمدينة نيالا..!!
وفي هذا السياق تمت مطالبة أسرة المعتقل بدفع قيمة (10 ثيران) نظير إطلاق سراحه.. والتفاصيل تقول إن هذه الثيران العشرة أراد بها مندوبو حركة العدل والمساواة إكمال توفير (40 ثوراً) تعهدت الحركة بذبحها احتفالاً بزيارة جبريل.. زعيم العدل والمساواة و(الإعفاءات الجمركية)..!
المسألة إذن، أن الحركات المسلحة التي عادت للسودان من حقها إيداع المواطنين في السجون بصفة رسمية..! فلم نسمع أن جهازاً عدلياً أبدى دهشته لذلك..! وهذا يعني أن النيابة العامة نفسها لا تجد غرابة في اعتقال قادة ومنسوبي الحركات المسلحة للمواطنين وإيداعهم السجون.. (طبعاً من غير محاكمات)..! وتقول القرائن إن النيابة العامة فعلاً لا تستطيع إطلاق من اعتقلته الحركات وأودعته السجن إلا بتوافق ووساطة وإذن من هذه الحركات..!
هذه مرحلة غاية في الخطورة من حيث وجود دولة أو غيابها..! ولا تسأل عن القانون وهل هو بيد أجهزة الدولة العدلية أم إنها تنازلت عنه لصالح الحركات.. ولن تعلم ما هو رأي جهاز القضاء في إيداع الحركات للمواطنين في سجونها أو في سجون الدولة.. لا فرق..!!
هذه المعلومات المتاحة لمزارعي (نبراسكا) في الجنوب الأمريكي الأوسط.. ألم تصل للجهاز القضائي السوداني..؟! ألا يدري بما تقوم به جهات غير مخوّلة قانوناً باحتجاز المواطنين وسجنهم..؟! ماذا كان رد فعله..؟! ألم يسمع بواقعة احتجاز جهاز مخابرات رسمي لصبي صغير في مبانيه وإرغامه على شهادة الزور..؟! دعك من تعذيبه وترهيبه بتشويه سمعته..!! ماذا حدث في صرح القضاء السوداني تجاه هذه الواقعة..؟!
قد يبدو حديثنا هذا غريباً لكثيرين يقولون: هل هذه هي المصائب الوحيدة في اختلال العدالة تحت الانقلاب والحركات المسلحة العائدة وسلطة الاخونجية والإنقاذيين في دولة البرهان..؟! ولكن أليس غريباً أن يصمت جهاز القضاء عن كل هذه الهوائل والتجاوزات الخطيرة المُفضية لسفك الدماء وخراب البيوت واستباحة القانون..!!
ربما نعترف بـ(الغشومية) حيث لازلنا من حيث المبدأ نظن أن القضاء جهة مستقلة عن السلطة التنفيذية وأنه (لا كبير عنده) في التجاوزات وخرق القوانين.. باعتبار إنه كيان لا يخشى من التصدي للجرائم لمجرد أن من قاموا بها يتبعون للمخابرات أو المجلس الانقلابي أو قادة الحركات.. أو أن المتهم بخرق القانون هو (مدير الشرطة)..؟!!
ما هو (التكييف القانوني) لحالة مواطن أودعه قادة الحركات أو مندوبوها السجن..؟! هل يتم استلامه في سجون الدولة العمومية باعتباره (سجين رسمي) تحت ولاية الدولة ويحمل ملفاً رسمياً..؟! هل تسأل الدولة عن سبب سجنه أم أنها تستلمه (عهدة من الحركات) وتطلقه عندما تأتيها إشارة حركية رسمية..؟!
هذا يعني أن (أي شخص في السودان يمكن إن يعتقله أي شخص)..!! ويودعه السجن.. هذا ما تم في (قندي) و(نيالا)… ولكن كم جرى في سنوات الثورة ثم تحت هذا الانقلاب من آلاف الاعتقالات والإيداعات والاحتجازات خارج ولاية الشرطة والنيابة وخارج القانون..!! هل هناك اخطر من هذا..؟!
..أما بقية خبر كوارث زيارة جبريل إلى جنوب دارفور فهي حالة من (الكوميديا السوداء) والملهاة المفجعة.. يدور (عضمها الأساسي) حول ثيران الاحتفال بسبب مفارقة حسابية كبيرة بين الثيران التي تم ذبحها بالفعل.. وتلك التي لم يتم العثور على رؤوسها وجلودها.. والأخرى التي اختفت مع (عقداء الخيل).. الله لا كسّبكم..!!