خالد طه لـ(الديمقراطي): كُلّ القضايا المطلبية مُهمة جدّاً لأنَّ في حلّها إبعاد لشبح النزاع (2– 2)
حاور- مغيرة حربيَّة
يُعاود المسؤول الإعلامي بتجمع الأجسام المطلبية -تام- والعضو القيادي بتجمع ثوار شرق السودان، خالد محمد طه، القول في الجزء الثاني والأخير من هذه المقابلة الخاصة مع صحيفة (الجماهير)، إنَّ المكاسب السياسية والاقتصادية التي يدور عليها الصراع كثيرة. ويُعدّد منها تمثيل الشرق، والمشاركة في المؤسسات الدستورية، والسيطرة على كَمِّ الوظائف في الخدمة المدنية، والدفع بثقلٍ موالٍ للعمل في القوات المسلحة والأجهزة النظامية، والاستفادة من عائدات المشروعات الاقتصادية وريع المؤانىء والمناجم والحركة التجارية والمعابر الحدودية، والسيطرة على الأسواق وغيرها، كما يرى ويضيف: “حجز المقاعد الأمامية في المؤسسات المالية مثل (صندوق إعمار الشرق) ووضع اليد مُبكراً على آليات وضع السياسات ورسم البرامج وتنظيم العلاقات مثل (مؤتمر الشرق)، وتدخُّل عنصر جديد هو التأهل، للتعامل مع المحاور الإقليمية والدولية عبر فرض السيطرة الداخلية، والأخيرة بالإضافة إلى كلّ سابقاتها؛ من نتاج ثقافة الأنانية التي استحدثها النظام البائد ونمَّاها.
المعاناة الآن من سلوك شخوص تلك المرحلة ومعظمهم يتصدر المشهد السياسي لكل الأطراف في شرق السودان، دون مواربة، بل بحماية قبائلية؛ كما يؤكد واقع الحال.
يواصل خالد طه، وكنتُ التقيتُه في ساحة (أتينيه) في الخرطوم، وسألته عن موضوعاتٍ كثيرة، أفاد عن بعضها في الجزء الأول من المقابلة: “كُلّ المكاسب المذكورة كان يجب أن تعود للثوار ليتمكنوا عبرها من تحقيق الانتقال الديمقراطي المُمرحل، ووضع أُسُس البناء الوطني المعافى، عوضاً عن أن تصبح مدعاة لإعادة تدوير فئة المستفيدين مرة أخرى!”. ويضيف: “إن أردنا التوصيف الصحيح لما يحدث في شرق السودان، نجد أنَّه (صراع سياسي مكتمل الأركان) تم الحشد له بخطاب قبائلي، وأُضرمت ناره بالصمت والتواطؤ مرة، وبالتغاضي عن التجاوزات التي تستوجب تدخل السلطة مرات كثيرة، وبعسكرة الشارع مقابل تحقيق حالة الفوضى وتبرير حمل السلاح، ووأد المدنية الوليدة، إذن هو صراع استهدف المستوى البنيوي والثقافي وتمظهر في أعمال العنف المباشر التي تمثل فقط رأس جبل الجليد”.
ويُقيّم خالد طه، اتفاقية جوبا للسلام بشكل مختلف، فهي بالنسبة له مثل غيرها من الاتفاقيات السابقة.
يقول: “بشكلها الراهن لن تُحدث السَّلام المنشود، بالرغم من أنَّها جاءت في أجواء مختلفة عن سابقاتها، ومجيؤها في هذا الوقت بالذات بعد ثورة شعبية ظافرة كان يجب أن يصبح دافعاً لإنتاج شكلٍ مختلف من الاتفاقيات، لكن غلب عليها طابع (البحث عن شراكة) والسعي لقسمة السلطة، دون التركيز على تكملة خطوات التغيير، ما يعني إسقاط الهدف التاريخي المطلوب في هذه المرحلة، وإتاحة فرصة التمدُّد لقوىً شاركت في السلطة بوضع اليد، والتغاضي عن تنفيذ العدالة الانتقالية، بل حتى لم تتطرق لتنامي دور المنظومة العسكرية/ الأمنية في الاقتصاد.
يواصل: “هي نموذج آخر من سلام الصفقات الذي يُلبي مصالح القيادات من الطرفين، وعدم ربط الديمقراطية والسلام والاقتصاد والمساواة (وضح ذلك في الإصرار على نِسَب توزيع السلطة والثروة)، فضلًا عن ترجيح منطق القوة وعدم تَوَفُّر العقيدة الدستورية”. ويشير إلى أن: “الاتفاقية أنهت جزءاً من دورة للصراع وتليها دورات أخرى”.
ويتفق خالد طه بلا أدنى شك، على أنَّ وقف الحرب، مكسب وهدف أساسي إن تم فعلاً، لكنه –يقول لي– ذلك رأيٌ يستند على معطيات واقعية ستظهر آثارها سريعًا. ويسوق -مثلا- بنمط المسارات الذي أضاف مناطق كانت هادئة إلى رقعة التوتر، ولم يفلح –كما يرى- في وقف الحرب فعلًا: “بل لم يضع حداً لعمليات القتل المتواصلة في دارفور حتى الآن”. وكما هو واضح بالنسبه له، أسهم تبني ذلك النمط في بروز أحاسيسَ مناطقيةٍ وجهوية وإثنية: “بدا ذلك واضحاً أكثر في ما نرى الآن من كتابات وكتابات مُضَّادة؛ بعد التوقيع ووصول قادة الجبهة الثورية إلى الخرطوم، رغم أنَّهم، غير مُلامين فيما يصدر عن أشخاص يَدَّعُون الانتماء لهذا الفصيل أو ذاك، لكن هذا الخطاب يُشيرُ إلى محمول الغبن”.
يواصل: “بهذا المعطى، يمكن أن نقول إنَّ (نهج المسارات) سيُؤزِّم الأوضاع في مناطقَ كثيرةٍ من السودان، ولن يأتي بسلام، بل سيكون من أسباب تقويض السلم المجتمعي وتهديد التعايش السلمي، لأنه لم يعالج جذور المشكلات، بل يغرس بُذوراً لمشكلات جديدة، وأتبع محاصصاتٍ غير عادلة، وأرسى الإحساس العام بالخيبة والإحباط، وتسبَّب في خلق حالة من عدم التوازن، تجلَّت في التركيبة الجديدة للمجلس السيادي والتشكيل القادم للمجلس التشريعي، والجهاز التنفيذي إن اتُبعت ذات النِسب”.
ويكمل: “أخطرُ ما في ذلك أنَّه سَيَهُزُّ الثقة في سلاح (السلمية) الذي اعتمده الثوار كوسيلة للتغيير والتحوُّل الديمقراطي، بالنظر إلى مجمل ما تمَّ في الفترة التي تلت تغيير النظام السابق، وفي أهم الموضوعات التي كانت من شعارات الثورة ومطالبها، وإذا أُضيف لها العامل الاقتصادي، وما يدور في الشرق وما يُتوقع أن يحدث في الغرب والجنوب الجديد، يُصبح الوضع في كل السودان مقلقاً جداً”.
ولا يَتوقع خالد طه، أن تُعدَّل اتفاقية جوبا، وفق ما يمكن التوصل إليه مع الحركة الشعبية -شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، أو حركة جيش تحرير السودان، بقيادة عبد الواحد نور، ويبدو له ذلك أمراً ليس سهلًا.
يقول: “السؤال الأهم هو لماذا لم تتبع استراتيجية كُلية لصناعة السَّلام المستدام، ثم أليس في (التعديل) -أيًّا كان شكله- شيءٌ من نقض العهود مما قد يَخْلُق أزمة جديدة؟”.
يسترسل: “كان الحلُّ الأمثل في التعاطي مع ملف السَّلام بشكل متكامل سياسي/ اقتصادي/ اجتماعي/ أمني. دون تجزئة، وبالتركيز على الأسباب الرئيسة للنزاعات -الراهنة كلُّها والمحتملة- وعبر مشاركة فعلية من أصحاب المصلحة، وبدفعٍ من القوى الثورية الحية، مع وجوب تحوُّلٍ كامل في المفاهيم والسلوك والممارسة السياسية لكل الأطراف”.
يضيف شارحاً: “عموماً إن سارت جهود السَّلام القادمة بذات النهج المُتبع لن توصل إلى نتيجة مختلفة. وعلى كلٍ، السَّلام حالة لا تأتي بها أيَّة وثيقة إن لم تُوطَّن لثقافة السَّلام وتتوفر الإرادة لتحقيقه”.
ويرى خالد، القيادي في تجمع ثوار الشرق، أنَّه ليس هنالك داعٍ للبحث عن مخارج بديلة. “فليتواصل بناء السَّلام على أساس ما تمَّ، عبرالفصلِ بين التفاوضِ مع الحركات المسلَّحة، والمسألة الحقوقيَّة للمواطنين في كلِّ الأقاليم، وعبر إعادة النظر في موضوع المسارات”. لكنه يؤكد: “لابُدَّ من تبني طريقٍ آخرَ لمحو الغضب التراكُمِيِّ، ومعالجةِ القضايا والمطالب المزمنة أولًا. في مجال الخدمات والحقوق والتنمية، فهذا الطريق سيؤدي إلى الإحساس بالأمل في تغيير حقيقي ويُقلّل من الشعور بعدم الجدوى ويثبت الشعور بالأمان والاطمئنان، وهو في ذات الوقت يحقق الرضا والعدالة الانتقالية المطلوبة في كلّ السودان”.
يواصل، مُوصيًا: “وذلك بالتزامن الضروري جدّاً، لأن يتم التوافق مع الحركات المسلَّحة حول قواتها العسكرية وكيفية دمجها، أو تسريحها، وتأهيلها للمواصلة في المجال لعسكري أو في العودة للحياة المدنية”.
يقول: “طبعًا، بعد اتفاقٍ سياسي، يُرجِّح تنفيذَ مطالب الثورة ويُمهِّد الطريق للانتقال الديمقراطي المُمرحل والإسهام الفعلي في إرساء الدولة المدنيَّة الحقَّة، وعدم الركون للمُحاصصات على طريقة: (لي الأذرع)، وعدم السعي لعسكرة الشارع، ومع التوقف الفوري عن التجنيد والحشد البَعدي الذي لحق بالاتفاقية، لأنَّه لا طائل منه سوى الإعداد لمطاحنات في مسارحَ جديدةٍ للعمليات العسكرية، أو مساحاتٍ للصراع السياسي وفق مقتضيات الصراع القادم”.
أتدخَّلُ: هل تعني أن تقتنع حركات الكفاح المسلح بحجمها الفعلي الحالي فقط؟. يردُّ: “في الجانب العسكري، نعم، باعتبار انتفاء دواعي التجنيد، وليس هذا سعياً إلى تحجيمها قطعاً، بل من حقِّها الدعوة لبرنامجها السياسي وإضافة عضوية جديدة، لكن ليس باستخدام ما اُتيح لها عبر الاتفاقية ولا بسياسة الوعود، لأنها لن تجذب إلّا كمًّا أخرَ من الانتهازيين، وربما تُعيد وجوهاً (مألوفة ومرفوضة -مهما كان مدى تعقلها-) مرَّةً أخرى إلى دائرة الفعل السياسي”.
ويوكّد خالد أنَّ ما تجدُر الإشارة له أنَّ الجبهة الثورية، كانت جزءاً من تحالف قوى الحرية والتغيير عبر كتلة “نداء السودان”، وأهمية الإشارة هي أنَّ الاتجاه للفعل السياسي ممكنٌ ومتاح، ولها القدرة على ذلك، دون اعتماد أساليبَ أخرى للجذب، سيَّما -يقول- إنَّهم شركاء في كلّ مهام التغيير المطلوبة ولهم إسهامهم المشهود، وعليهم مواصلة ذلك الدور التاريخي؛ لا الاندفاع في اتجاهات معاكسة لتاريخ نضالاتهم السابقة.
وبالعودة لموضوع الحلول الممكنة، وكيفية تنزيل الحلول على أرض الواقع، بأخذ شرق السودان مثالًا، يتناول خالد، حلولاً عديدة، أولاً، كما يرى: “الحل المطلوب في كل المناطق التي لم تكن تدور فيها حرب فعلا -وقت الاتفاقية- مثل الشرق والشمال والوسط؛ تظلُّ القضايا مطلبيَّةً ويمكن حلّها بانتهاج سياسات صحيحة ومعالجات عادلة، بشكلٍ مباشر، والابتعاد عن قيادات تَدِّعي تمثيل تلك المناطق وفرضها؛ إن كانوا من مؤيدي “نهج المسارات” أو من رافضيه.
يقول خالد طه، المولد في ود مدني في 13 سبتمبر 1966، بالنسبة للشرق، يمكن الاشتغال لإيجاد حلول للقضايا المطلبية -وهي كثيرةٌ، بعضها خدمية مُشابهة لمشكلاتٍ أخرى في بقية أنحاء السودان، ومنها القضايا النوعية المهمَّة -يمكن أن نستعرض بعضها- مثل قضية الأراضي السودانيَّة المحتلة، في (الفشقة) وفي (حلايب) و(شلاتين) و(الدندر)، ونعني جملة الأراضي المحتلة بصفةٍ دائمةٍ أو تلك التي تشهد اجتياحات موسمية مرتبطة بالنشاط الزراعي، تُجبرُ المزارعين على ترك مزارعهم الحدودية قبل الحصاد.
يواصل: “ومنها كذلك قضية المواطنة التي تُعدُّ من أهم المشكلات في (شرق السودان) الآنَ، فالبعض يُلغي مواطنةَ سودانيين لهم أرضهم ونِظَاراتُهم وتاريخُهم، بناءً على تداخلات اجتماعية، ووجود لاجئين من دول الجوار، هم في الأصل امتدادٌ قَبَلِيٌّ لبعض مكونات الشرق، لعلَّها معلومة يُصِرُّ البعض على إسقاطها لأسبابٍ تخُصُّه، لكن الثابت أنَّ كلَّ قبائل (الهدندوة والحلنقة والسبدرات والشُكرية والرشايدة والبني عامر والحباب والأرتيقا والأشراف والجميلاب)، لهم امتداداتٌ -تَكثُرُ أو تقلُّ- في إرتريا”.
ويُعَدِّدُ خالد، أنَّ قبائلَ أُخرى من شرق السودان، لها امتداداتٌ -شمالًا- في مصرَ، وقبائلُ سودانيَّةٌ أخرى لها امتداداتٌ في دول الجوار؛ غرباً وجنوباً”.
عليه يقول خالد طه: “يُصبح تخصيصُ أمر الحديث عن سودانيَّة، أوعدم سودانيَّة قبيلة بعينها ضرباً من ضروب (الكيل بمكيالين)، وتجاوزاً لمعطيات الواقع، خدمةً لأغراضٍ واضحة؛ تتمثلُ في الصراع الذي أشرنا له تحت مسمى “الصراع السياسي والاقتصادي”.
يضيف: “وطالما أنَّ لهذه المكونات الاجتماعية امتداداتُها خارج خارطة السودان الحالي، يُصبح من الطبيعي أن يكون لها -كلُّها- من هم لاجؤون من تلك الدول، عندما تدور حروب فيها أو تضربها الكوارث، وهو ليس أمراً حصريّاً تُستثنى منه البقية ويُلصق بمكون واحد!”.
يقول خالد، إنَّ هناك تجاوزاً تمَّ؛ فيما يتعلق بمنح الوثائق الثبوتية السودانية لأسبابٍ وبطُرقٍ مختلفة، تجعل أمر مراجعة السجل المدني مهماً جدّاً.
مضيفًا: “على أن يَجرى ذلك التحقُّق والمراجعة في كل أقاليم السودان، ذاتِ الحدود المشتركة مع دول الجوار، بلا استثناء”.
ويواصل: ” أيضًا، توجد مجموعاتٌ من اللاجئين الآخرين، ليس لهم صلة أو امتداداتٌ قَبَليَّةٌ في شرق السودان، وغيرِه من الأقاليم، ما يعني ضرورةَ فَكِّ ذلك التداخل المُخِلِّ في التصنيف -المبني على عدم المعرفة- والتعامل مع جميع السودانيين، بكامل حقوق المواطنة والتعامل مع كل اللاجئين”. يُكمل: “كذلك، بكامل حقوق اللجوءِ المعروفة، وعدم الخلط لأيّ سبب كان، ومنع إسقاط حقّ المُواطنة، لما لذلك من آثارٍ وردود أفعالٍ مباشرة ومشروعة إن تَمَّت”.
ويواصل: “وعلى صلة بذلك، توجد مشكلاتٌ حقوقيَّة وإنسانيَّة تدخل ضمن تصنيف (تبدِّيات الأزمة الأمنيَّة)، مثل انتشار عمليات الهجرة غير الشرعية، ووجود عصابات منظمة، واستغلالٍ للاجئين، وعملياتِ خطف وقرصنةٍ وفرضِ فديات مالية، وانتشار كبير للسلاح الناري، بسبب استغلال العدد الكبير من اللاجئين من دول الجوار، وواقع المعيشة السيِّءِ في معسكرات اللجوء، ونشاط الجريمة المنظمة، وعدم جدوى الحلول المحلية الحكومية والإقليمة، بالتعاون مع دول الجوار والحلول الأمميَّة، لمَّا ركَّزت فقط على دعم وتمكين التشكيلات العسكرية التي انخرطت في ممارسة ذات الأنشطة الإجرامية، لكن بغطاء رسمي”.
يقول خالد، إنَّ تجاربَ مثل تمويل الاتحاد الأوربي لقوات “الدعم السريع”، بدعوى تطويق الهجرة غير الشرعية، ووقفِ تدفق اللاجئين؛ يجب أن يعاد النظر فيها، فمثل هذه الآثار –يقول خالد- تُعالَج بمدواة الأسباب الحقيقية للجوء من دول المنشأ؛ يضيف: “وليس بعسكرة المجتمعات في دولٍ تُعدُّ معابرَ للاجئين”.
ويقول مفسراً: “لأن سكان تلك المعابر –أيضًا- قد يتحولون إلى لاجئين، بعد تمدُّد الانفلاتات الأمنيَّة واستفحالِ الصراعات المسلحة”.
يقول كذلك: “وسط كل ذلك، تبرز -أحياناً- أزمة التعايش السلمي، المتمثلة في صراعات عبثيَّة تنشطُ من حين لآخر، بين بعض المكونات الاجتماعية، ويتزامن مع كل هذه المشكلات؛ دعواتٌ وفتحٌ لأبواب التجنيد، وشرعنةٌ لحمل السلاح الذي يحمله كل شخص بدوافعَ تخصُّه، لكنَّها -في النهاية- تصبُّ في مربع البحث عن حمايةٍ أو قوةٍ تمكِّنه من الاعتداء على الآخرين، كذلك. عليه، لا بُدَّ من حصر وجمع السلاح ومنع التجنيد في المناطق التي تمر بصراعات من أي نوع؛ لحين التوصل لحلول مستدامة”.
يضيف خالد طه، في حواره معي، أنَّ القضايا الأكثر أهمية، وكيفية الإيفاء بحلّها، بالتوصل لصيغة لتشكيل السلطة الإقليمية، يقول: “في تقديري أنَّ كل القضايا المطلبيَّةِ مهمَّةٌ جدّاً، لأنَّ في حلّها إبعادٌ لشبح النزاع. ويرى أنّ التشكيل الإداري والتمثيل السياسي (التنفيذي والبرلماني)، يأتي في في ذيل المطالب التي يوليها الجمهور اهتماماً فعلياً”. يضيف: “بالرغم من ضرورتها لتكملة حزمة الحقوق، لو قامت الحكومة بوضع خطط عمليَّةٍ لتنفيذ المطالب وحلّ هذه المشكلات؛ ستسهم -مباشرةً- في خفض حدّة التوتر ودرء الفتن، ولو تمَّ إعلان هذا البرنامج العملي والشروع فيه قبل (مؤتمر شرق السودان)، الذي تُنادي جهاتٌ سياسية ومدنية ومجتمعية بعقده، سيختصر الطريق نحو التصالح المنشود ويجعل للمؤتمر أولويات أخرى غير التي يدور الصراع حولها الآن”.
يقول خالد مختتمًا: “هناك قضايا لا تزال قائمةً ويمكن حلُّها بإرادةٍ مخلصة وبجهد بسيط، بعد التغيير الذي حدث في السودان، متعلقة بالعدالة الانتقالية وملفات الفساد المالي والإداري، وغيرها: مثل (قضية شهداء يناير، وقضية خصخصة الميناء وقضية متضرري سدي عطبرة وسيتيت)، كُلّ تلك المطالب -هي في الأساس- حقوقية بالدرجة الأولى، ومرتبطة بسلامة الإنسان والبيئة، وبالوجود البشري نفسه”.
لكنه يستدرك أخيراً: “كذلك تلبية احتياج الإقليم -يعني الشرق- في مجالات الخدمات الصحية الوقائية والعلاجية والتعليم وتوفير المياه والغذاء، والتدريب المهني وفرص العمل، وقضايا التعويضات عن الأراضي المنزوعة من أصحابها، بسبب إنشاء مشروعات أخرى مثل أراضي “أوشيري”، التي أنشئت عليها موانئ سواكن وبشائرَ الجديدة (1 و2).
يستطرد مختتماً بوعي بتشكيلات الشرق: “لم تزل الآثارالضارة للتعدين تفعل فعلها، ولم تعُد أنشطة التعدين بأيَّ مردود إيجابي، رغم العائداتِ الضخمة التي تجنيها الحكومة وشركاتُ التعدين، منطقة (أرياب) مثلًا، التي تضمُّ أكبرَ وأقدم المناجم لإنتاج الذهب في السودان، هي في ذات الوقت أكبر مستوطنة لمرض السُّل الرئوي في شرق إفريقيا”.
يستكمل متناهياً: “المشكلات كثيرة والحلول أيضًا ممكنة. تردي الزراعة في مشروعات القضارف، وحلفا، الجديدة، والفاو، ودلتا طوكر، ودلتا القاش وضفاف القاش، ومشروع أبو علقة، مرتبطة بسوء علاقات العمل بين المزارعين وإدارات المشروعات، وخروج جزء كبير من الأراضي من دائرة الإنتاج بفعل الإهمال وانغلاق قنوات الري. الشروط القاسية والمستغلة للمزارعين في التمويل والسيطرة على أسواق المحاصيل، تسببت في خروج الكثير من المزارعين من العملية الإنتاجية واستبدالهم بمستثمرين جُدُد من داخل وخارج السودان”.
يضيف نهايئاً: “قطاع الرعي والإنتاج الحيواني يعاني من (مافيا سوق المواشي) التي تتحكم في أسعار الشراء من المنتجين، وتعاني من ندرة الأدوية والأمصال البيطرية، ومشكلات التصحر وتلوث البيئة التي أدت لنزوح الرعاة إلى مناطقَ أخرى داخل وخارج السودان، إلى جانب عقبات عملية التصدير ورفع المناعة ومطابقة المواصفات العالمية، والنقل عبر سفن مؤهلة وغيرها”.
وأخيراً يقول لي خالد: “وللتدليل على أن الإصلاح الحقيقي لا يأتي -فقط- بمحض إبرام الاتفاقيات أو اقتسام السلطة والثروة أو التمثيل السياسي عديم الجدوى، لم يزل شرق السودان يتعثر في خطوات معالجة أوضاع المجتمعات المتأثرة من الحرب، وإعادة تأهيلها، وتنقية أراضيه من مخلَّفات الحرب -الألغام مثلًا- وضبط وترشيد أداء المؤسسات المالية المعنية مثل صندوق إعمار الشرق، بالرغم من مضي سنوات وسنوات على وقف الحرب.
درس خالد محمد طه، تشكيل المعادن/ منهج التلمذة الصناعية، المُعد لتأهيل الكوادر العُمالية، ثم درس التصميم الصناعي في كلية الدراسات الهندسية، وتلقى تعليماً متخصصاً في العمل التلفزيوني، وعمل في مجال الصحافة المقروءة والمرئية، وله إسهاماتٌ ومحاولاتٌ أدبية في كتابة القصة القصيرة والترجمة والنقد. اجتماعيٌ هو خليط (شرق شمالي). ناشطٌ في مجال الحركة المطلبية.