الرأي

حول الوثيقة المتعلقة بانقلاب 19 يوليو 

انقلاب أسرع من زراعة عيسى وموسى! (1-2)

وثيقة ملفقة وتأتي في إطار الهجوم المنظم على الشيوعيين السودانيين!

بقلم- حسن الجزولي

نشرت صحيفة السوداني تقريراً أعده الأستاذ واصل علي بعنوان “إعداد خطة لانقلاب في السودان والعراق” مشيراً فيه إلى الحصول على وثيقة بخط اليد تتعلق بتقرير استخباراتي يتعلق بالمحاولة الانقلابية التي وقعت بالسودان في 19 يوليو عام 1971، وهي التي قادها الرائد هاشم العطا واستلم بها السلطة لمدة ثلاثة أيام قبل فشلها وعودة اللواء جعفر النميري لحكم البلاد مرة أخرى بعد سحقه للانقلاب. يشير التقرير إلى أن الوثيقة تم نشرها ضمن مجموعة أرشيف خاص بفريد شهاب المدير العام الأسبق لجهاز الأمن العام اللبناني، ومشيراً إلى أن التقرير موجود بمركز أرشيف الشرق الأوسط في أكسفورد.

وقد أورد فيه معلومات تتعلق بمؤتمر سري تم عقده بجمهورية تشيكسلوفاكيا الاشتراكية سابقاً بدعوة من مكتب العلاقات الدولي للأحزاب الشيوعية والذي امتد من يوم 13 يوليو عام 1971 وحتى 17 من نفس الشهر، للنظر في أمر دراسة حول “خطة انقلاب في السودان” – ضمن أجندة سياسية أخرى من بينها ترتيب لانقلاب في العراق أيضاً – وذلك وفقاً لكل من لجنتين عسكرية وسياسية في السودان.

أشار التقرير إلى أن وفداً من الحزب الشيوعي السوفيتي قد شارك في ذلك “المؤتمر” إلى جانب وفود من أحزاب شيوعية أوروبية وعربية، وضمنهم وفد من الحزب الشيوعي السوداني حسب ما ذكر التقرير، مشيراً لعضوية الوفد السوداني الذي ضم كل من عز الدين علي عامر عضو المكتب السياسي وسكرتير اللجنة المركزية للحزب، المقدم مصلح محمد الأمين، المقدم أحمد الزبير، المقدم بابكر محمد صالح، المقدم حسن عثمان بيومي، الرائد حسن مكي، الرائد شرف الطيب يسن، النقيب صلاح الدين سيد بكري، الماحي التيجاني، الحاج عبد الرحمن، أحمد السيد حمد، الرشيد نايل، محمد أحمد سليمان، شوقي ملاسي، تاج السر حسن، جيلي عبد الرحمن.

وذكر التقرير أن الوفد يحمل تفويضاً من منظمات سودانية بتأييد الحركة الثورية التي يتم الاعداد لها وهي كل من: 

الاتحاد العام للعمال، اتحاد الشباب الديمقراطي، اتحاد المرأة، الاتحاد العام للطلاب، الاتحاد العام للمزارعين، الاتحاد العام للمعلمين، الحزب الاشتراكي، الحزب الديمقراطي في الجنوب، اتحاد الكتاب، نقابة المحامين، تنظيم القضاة الديمقراطيين، تنظيم الضباط الأحرار داخل الجيش السوداني.

وأشار التقرير إلى أن المؤتمر وافق بتاريخ “17 يوليو” على تأييد انقلاب في السودان والذي حدد له يوم 19 يوليو 1971. وقال التقرير إن اتفاقا تم بين المدنيين والعسكريين السودانيين بالاستعداد لحرب طويلة المدى استعداداً لاسقاط النظام نهائياً بانتفاضات جماهيرية، وذلك في حال فشل الانقلاب.

وهنأ رئيس الوفد السوفيتي الرفاق في السودان مؤكداً لهم تأييد الاتحاد السوفيتي الكامل لطموح الشعب السوداني. وقال التقرير إن الوفد السوداني وقبل وصوله لتشيكوسلوفاكيا قد اجتمع في موسكو بأعضاء المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي وبأعضاء اللجنة العسكرية التابعة لقيادة الحزب السوفيتية ومعهم تفويض بتأييد الانقلاب بالسودان حال تنفيذه.

باختصار غير مخل هذا هو جوهر التقرير الذي تم الحصول عليه عبر وثيقة سرية عن طريق المخابرات اللبنانية وهي تلك الموجودة في مركز أرشيف الشرق الأوسط بمدينة أكسفورد.

نود أن نؤكد ونحن تقوم بقراءة متأنية وتفكيك أمين لهذا التقرير بأنه ملفق ولا صلة بينه وبين الحقيقة ابتداءً!.

باعتبار أن هناك جملة وقائع تكشف عدم مصداقية هذا التقرير، من حيث التناقضات وتضارب ما هو معلوم بالضرورة من مواقف خلال سير أحداث وقائع الانقلاب، وما ترتب عليه وأفضت إليه أحداث ما قبل الانقلاب أيضاً.

وبالمختصر المفيد وفي وجهة تفنيد معلومات التقرير سنركز على كل من:

1-  عضوية وفد الحزب الشيوعي من المدنيين المشاركين في المؤتمر المشار إليه.

2-عضوية وفد الحزب الشيوعي من العسكريين المشاركين في المؤتمر المشار إليه.

3-  المنظمات الجماهيرية التي عبرت عن تأييدها للانقلاب في حالة تنفيذه.

4- مشاركة الوفد السوفيتي ممثلاً للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي.

أولاً: عضوية وفد الحزب الشيوعي من المدنيين المشاركين في المؤتمر المشار إليه:

دعونا نفحص بعض أسماء عضوية محددة من التي أشار إليها التقرير، وتحديداً كل من 1ـ أحمد السيد حمد2ـ شوقي ملاسي3ـ محمد أحمد سليمان 4ـ الحاج عبد الرحمن، ولنتناولهم واحداً واحداً، حيث أن الراحل أحمد السيد حمد هو تاريخياً قيادي في حزب الشعب الديمقراطي ويعد ضمن كوادر الاتحاديين، وبالنسبة للراحل شوقي ملاسي فهو قيادي معروف في حزب البعث العربي الاشتراكي ورئيس تحرير مجلة “الدستور” لسان حال حزب البعث، أما بالنسبة للسيد محمد أحمد سليمان فقد كان بالفعل قيادي بالحزب الشيوعي السوداني، ولكنه وخلال احتدام الصراع الفكري داخل الحزب، فقد قدم استقالته من الحزب في اجتماع شهير للجنته المركزية عام 1969، وفيما بعد وخلال المؤتمر التداولي الشهير للحزب عام 1970 انضم للمنقسمين عن الحزب معلناً عن رأيه علناً، وهو ذات موقف الحاج عبد الرحمن الذي كان وقت تنفيذ الانقلاب قد ترك الحزب وانضم للمنقسمين، رغم تصحيح مواقفه الفكرية فيما بعد!. ثم أوليس غريباً ألا يمثل إبراهيم زكريا الكادر القيادي بالحزب ورئيس اتحاد النقابات العالمي في اجتماع كهذا بينما يمثل في وفد الحزب من لا علاقة لهم به، كما سنرى؟!.

أشرنا إلى أسماء لا علاقة لها بعضوية الحزب الشيوعي في المؤتمر الذي ينظر في أمر الانقلاب “الشيوعي”، فما الذي يقحم هذه الكوادر السياسية ليكونوا ضمن وفد للحزب الشيوعي في مؤتمر يناقش التاكتيكات المتعلقة بالاعداد لانقلاب عسكري يقوده الحزب الشيوعي السوداني؟!.

ثانياً:ـ عضوية وفد الحزب الشيوعي من العسكريين المشاركين في المؤتمر المشار إليه:ـ 

أولاً معظم الأسماء العسكرية التي وردت في التقرير لا علاقة لها لا بالانقلاب ولا بتنظيم الضباط الأحرار، وصحيح أن بعضهم حوكم، لأسباب ثانوية ليس من بينها الاشتراك والتنفيذ للانقلاب، فبعضم جمعته صداقة وزمالة سلاح مع الرائد هاشم العطا، كالمقدم “بيومي حسين بيومي”، والذي ورد اسمه خطأ في التقرير باعتباره “بيومي عثمان بيومي”!. والبعض الآخر تولى تنفيد مهام لم يكلف بها أصلاً، كالرائد حسن مكي الذي تولى مهمة الاشراف على الوفد المصري بقيادة الصحفي أحمد حمروش الذي وصل البلاد في تلك الفترة!. وربما فعل ذلك للتقرب من قيادات الضباط الأحرار في محاولة للعودة إلى الجيش الذي كان مبعداً عنه!. أما بقية أسماء الضباط التي وردت بالتقرير فلا صلة لها بالجيش من الأساس وليس هناك من بين العسكريين الذين استنرنا بمعلوماتهم من تعرف على الضباط المشار إليهم “حسب الضابط مدني علي مدني وآخرين من تنظيم الضباط الأحرار وكانوا ضمن المشاركين والمنفذين الأساسيين للانقلاب”!. 

ومن جانب آخر لماذا لم يشارك في مؤتمر كهذا أهل “الجلد والراس” من ثقل العسكريين كالمقدم بابكر النور والرائد محمد محجوب عثمان أعضاء الحزب الشيوعي السوداني وضمن قيادات تنظيم الضباط الأحرار، وكان من باب أولى أن ترد مشاركتهما في مؤتمر يبحث في الاعداد لإنقلاب وكانت لهما حرية الحركة باعتبارهما كانا خارج البلاد في تلك الفترة، حيث أن ود النور كان بلندن ومحجوب ببرلين، أوليس موضوعياً أن يكونا هما من يتم تمثيلهما، بديلاً لأولئك الضباط الذين وردت أسماؤهم!. أي خراقة في “التلفيق” هذه!

ثالثاً: المنظمات الجماهيرية التي عبرت عن تأييدها للانقلاب في حالة تنفيذه:

لم يورد التقرير أي اسم صحيح لهذه المنظمات الجماهيرية التي عبرت عن تأييدها للانقلاب، ولا يمكن أن تتم كتابة أسماء لمنظمات في تقرير ووثيقة تاريخية دون تدقيق وتأكد من الاسم الصحيح لهذه التنظيم أو تلك المنظمة!

فالاسم الصحيح لاتحاد العام للعمال بالسودان هو “الاتحاد العام لنقابات عمال السودان”، واتحاد الشباب الديمقراطي بالسودان هو “اتحاد الشباب السوداني”، واتحاد المرأة بالسودان هو الاتحاد النسائي السوداني”، ولم يكن يوجد بالسودان في تلك الفترة اتحاد للطلاب باسم “الاتحاد العام للطلاب”، ثم أن الاتحاد العام للمزارعين بالسودان هو “اتحاد عام مزارعي السودان”، والاتحاد العام للمعلمين في السودان كان في تلك الفترة عبارة عن مجموعة “نقابات” للمعلمين، وليس في السودان وحتى اليوم الماثل أي حزب في السودان باسم “الحزب الاشتراكي”، كما لم يكن بجنوب البلاد أي تنظيم سياسي يحمل اسم “الحزب الديمقراطي في الجنوب”، كما لم يكن بالبلاد اسم بعنوان “اتحاد الكتاب، ولا تنظيماً باسم “تنظيم القضاة الديمقراطيين”!، فهل يعقل أن مؤتمراً لأحزاب شيوعية عالمية لا يتم في وثائقه ومحاضره الأساسية ضبط المعاني والأسماء الصحيحة؟!.

رابعاً: مشاركة الوفد السوفيتي ممثلاً للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي: 

هذه من أكبر التناقضات التي وقع فيها التقرير “الملفق”، فقد كان هناك أصلاً “توتر” في العلاقات “الرفاقية” بين الحزب الشيوعي السوفيتي والحزب الشيوعي السوداني، حيث حاول السوفيت إقناع الشيوعيين السودانيين بحل حزبهم والاندماج مع السلطة “الثورية الوليدة في 25 مايو داخل تنظيم طليعي جماهيري كان في طور التكون والنمو وقتها، وظهر فيما بعد باسم “الاتحاد الاشتراكي السوداني”، ورفض شيوعيو السودان المقترح جملة وتفصيلاً وطلبوا من “الرفاق الكبار” عدم التدخل في شؤون الحزب الداخلية! وكان اقتراح السوفيت قد جاء تكراراً لتجربة الشيوعيين المصريين الذين “رضخوا لرؤية السوفيت” بضرورة حل حزبهم والذوبان في التنظيم الطليعي الذي تكون في أعقاب نجاح ثورة يوليو المصرية بقيادة جمال عبد الناصر!.

وهكذا ظلت العلاقات بين السوفيت و”ثورة مايو الاشتراكية” تتمتن يومياً بينما تضعف ويصيبها الضمور مع حزب الشيوعيين السودانيين! فأي حزب شيوعي سوفيتي يا ترى وفي ظل هذا التباين الفكري يشارك في مؤتمر للأحزاب الشيوعية ويبارك خطوة الانقلاب على النميري وسلطته التي حاول السوفيت إرغام الشيوعيين السودانيين على التراجع عن قرارهم الذي توصلوا فيه بتقييم وتحليل ماركسي لينيني – ثبتت صحته فيما بعد – إلى طبيعة السلطة التي أتت في أعقاب التغيير الذي تم في صبيحة الخامس والعشرين من مايو باعتبارها انقلاب قامت به فصائل البرجوازية الصغيرة داخل القوات المسلحة، خلافاً لتحليل السوفيت أنفسهم الذين كانوا يقولون مع “الانقساميين من الحزب الشيوعي السوداني” بأن التغيير الذي تم في طبيعة السلطة بالسودان قامت به طلائع “الديمقراطيين الثوريين” من الضباط والجنود!.

أخيراً تعالوا ننظر لتوقيت الانقلاب نفسه، حيث انتهت آخر المحادثات حوله في 17 يوليو بالاتفاق على القيام به، ليتم التنفيذ في نهار 19 يوليو، أي خلال أقل من يومين! فأي أنقلاب عسكري في الدنيا هذا الذي يتم التفكير فيه وينفذ بين عشية وضحاها؟! إنه ليس سوى انقلاب يشبه “زراعة عيسى وموسى” كما يقول مثلنا الشعبي!.

وعليه، سيظلون وفي كل لفة وسانحة ومنحنى “يسوطون ويعوسون ويجوطون ويلفقون” في أمور الحزب الشيوعي، خاصة فيما يتعلق بأحداث انقلاب 19 يوليو.

نخلص إلى أن “كل المسألة” ليست سوى محاولات للتهجم على الحزب الشيوعي السوداني وتشويه لمواقفه بين الفينة والأخرى، وهو ما تشهده الساحة السياسية مؤخراً، ليس إلا!.

إذن ما بني على باطل فهو باطل، ثم يذهب الزبد جفاءً ويبقى ما ينفع الناس!.

ــــــــــــــــــ

* عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى