حوارات

حوار مع مديرة صندوق النقد الدولي حول لحظة (بريتون وودز) جديدة (3-3) إذا لم يكن هناك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومؤسسات أخرى كنا سنواجه كساداً عظيماً

ترجمة: رباح الصادق
** على مدى الحلقتين الماضيتين أوردت (الديمقراطي) ترجمة للحوار الذي دار في 27 يناير الماضي بين مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا قورقيفا وبين بروفيسور جوزيف جويس أستاذ العلاقات الدولية بمعهد مادلين أولبرايت بالولايات المتحدة، والذي دار حول خطابها التاريخي بعنوان (لحظة بريتون وودز جديدة). في هذه الحلقة الثالثة والأخيرة ترد بقية النقاش الذي دار بينها والحضور.
* بروفيسور جويس: لدينا بعض الأسئلة من جمهورنا، ولذا أود أن أطرح بعضاً منها. السؤال الأول هو سؤال أظن أنك سمعته من قبل، وهو أن صندوق النقد الدولي يعاني أحياناً من فجوة في الشرعية، بمعنى أن لديه تأثيراً على الاقتصادات الوطنية، لكنه يفتقر للتمثيل الديمقراطي من حيث كيفية تمثيل الدول في الصندوق. لدي فضول لمعرفة ردك على ذلك وكيف يمكن للصندوق معالجة هذا النوع من القضايا؟
السيدة قورقيفا: لقد ذكرت في البداية أنه ضمن مجموعة القضايا التي يجب أن نسعى جاهدين لتغييرها تأتي إدارتنا وتمثيل الأعضاء في صندوق النقد الدولي. لقد تم إحراز تقدم، كما تعلم، وينبغي تقدير ما يستحق التقدير. لقد قمنا على مر السنين بزيادة حصة الأسواق الناشئة. دول البريكس (BRICS اختصار لربط خمسة اقتصادات ناشئة رئيسية: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، المترجمة)، هذه البلدان هي الآن من بين العشرة الأوائل من المساهمين في صندوق النقد الدولي. لقد نقلنا النسبة من الاقتصادات المتقدمة إلى اقتصادات الأسواق الناشئة. لكن هذا ليس طموحنا بالضبط. لا تزال المساهمة لدينا في صندوق النقد الدولي لا تعكس هيكل الاقتصاد العالمي. وحتى لو عكسناه، فإن لدينا مجموعة من البلدان ذات الدخل المنخفض ممثلة تمثيلاً ناقصاً.
عندما كنت في البنك الدولي كما ذكر جو، فقد كنت بصفتي أمينة عامة للمؤسسة مسؤولة عن عملية إصلاح في البنك الدولي. وأنا فخورة بذكر أمر واحد فعلناه حينما كنت هناك، هو إعطاء كرسي آخر لأفريقيا. أفريقيا في الصندوق لها كرسيان فقط من أصل 24 في مجلس إدارتنا؛ في البنك أفريقيا لديها ثلاثة كراسي؛ لذلك فهو تمثيل أفضل قليلاً للقارة الأفريقية.
أعتقد بشدة أن هذه المساعي لتحسين التمثيل سلسلة متصلة؛ لا توجد لحظة يمكننا فيها القول بأننا فرغنا منها لأن العالم سوف يستمر في التغيير. لدينا مراجعات دورية لحصصنا. وأساسها هو المساهمة في الصندوق؛ وسوف تصدر المراجعة السادسة عشر من تلك المراجعات قريباً.
عندما تم انتخابي كانت إحدى القضايا التي كنت واضحة جداً في طرحها هي أنه: لكي نكون أكثر شرعية، علينا أن نكون أكثر تمثيلاً؛ ولكي نكون أكثر تمثيلاً، فإن هذه المراجعة يجب أن تحقق تحولاً في الملكية والتمثيل في الصندوق.
إنك تطرح سؤالك في سياق المراجعة الخامسة عشر التي لم تحقق تماماً توقعات الأعضاء؛ المرة السادسة عشر، المرة القادمة، لا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بتفويتها.
وهناك بالطبع مسألة اختيار قيادة الصندوق. هناك تقليد تم حرفه الآن قليلاً في الاتجاه الصحيح. لأنني نعم أوروبية، لكنني أنتمي إلى اقتصاد سوق ناشئ. وعندما تم انتخابي ابتهجت الأسواق الناشئة، قالت دول الأسواق الناشئة “أخيراً، هناك شخص يعرفنا من الداخل”. ولكن من الواضح أنه يجب أن يكون هناك المزيد من التقدم في الطريقة التي يتم بها اختيار القيادة.
بالمناسبة يا جو، شيء واحد قد تعرفه أو قد لا تعرفه هو أننا على الأقل قمنا بتحسين تمثيل المرأة بشكل كبير. لأننا الآن ليس فقط في الصندوق، قمنا بزيادة النساء في المناصب العليا، وقد ارتفعت نسبة مديراتنا من 25% فنحن الآن 40%؛ وبالطبع لدينا سبيل للوصول إلى 50.ولأول مرة في التاريخ منذ 76 عاماً، تصير الشخصية الرئيسية التي تمثل العضوية وتقود العضوية امرأة. الرئيسة الجديدة للجنة النقدية والمالية الدولية (IMFC) هي الوزيرة السويدية ماجديلينا أندرسون. وبالتالي فإن لديك لحظة فيها سيدتان على رأس الإدارة والمساهمين في الصندوق.
بروفيسور جويس: أتساءل عما إذا كان بإمكاني إضافة أنه علاوة على ذلك فإن كبير الاقتصاديين الآن في صندوق النقد الدولي هو بالفعل قيتا قوبيناث. ويمكنني أن أؤكد لك أن مهنتنا سرت برؤية امرأة تشغل هذه الوظيفة، التي سوف تذكرون أنها مهمة للغاية.
السيدة قورقيفا: وهي رائعة للغاية، غيتا روكس.
بروفيسور جويس: لا جدال في ذلك. أعتقد أنه بالنسبة لأسئلتنا الأخيرة، سأضع اثنين أو ثلاثة معاً. تظهر أسئلة بشكل دوري حول الحاجة لنظام بريتون وودز جديد. وربما علي التوضيح بسرعة: بريتون وودز هو الاسم الذي نستخدمه للإشارة للاتفاقية التي تم التوصل إليها في عام 1944 في بريتون وودز، نيو هامبشاير، وهي ليست بعيدة جداً عن ويليسلي، وذلك من قبل ممثلي 44 من دول الحلفاء المتشوفين لعالم ما بعد الحرب. فأنشأوا نظاماً نقدياً جديداً، وأنشأوا أيضاً صندوق النقد الدولي، وكذلك البنك الدولي. هذا ما بدأت به بريتون وودز.يأتي السؤال في بعض الأحيان كالتالي: هل هناك حاجة إلى بريتون وودز جديدة؟ وكجزء من ذلك، كيف يمكن للصندوق إقناع الدول؟ لقد تطرقتِ لذلك من قبل، ولكن دعينا نعود إليه، فلفعل ما ينبغي عمله، ولإجراء التغييرات المطلوبة التي تصفينها ببلاغة شديدة، إلى أي مدى يمكن للصندوق حث البلدان على إجراء تلك التغييرات؟
السيدة قورقيفا: لقد ذهبت إلى بريتون وودز للاحتفال بعيد ميلادي الصيف الماضي، لأنني شعرت أنني أردت استحضار تاريخ كان فيه آباؤنا المؤسسون، وهم في خضم الحرب (وبالمناسبة فقد كانوا كلهم آباء: 44 رجلاً) كانت لديهم الحكمة لإنشاء مؤسسات لإعادة الإعمار بعد الحرب. والآن، نحن في نوع مماثل من لحظة بريتون وودز. علينا إعادة البناء. علينا إعادة البناء من ضربة كوفيد-19، وفي الوقت نفسه، علينا تحويل اقتصاداتنا لتكون أكثر خضرة، لتكون أكثر عدلاً، في الواقع، لتصبح رقمية في كل مكان حتى يتمكن الجميع من الوصول لهذا التحول الرقمي. لدينا لحظة بريتون وودز جديدة بذلك المعنى.
هل يعني ذلك أن علينا إنشاء مؤسسات جديدة؟ حقيقة ليس لأنني واحدة منهم (الصندوق وبقية المؤسسات المالية الدولية، المترجمة)، أي ليس لحماية الذات، إنني أرى أن هذه المؤسسات قد تطورت مع مرور الوقت وهي تقوم بما يجب القيام به اليوم لحماية الاقتصاد العالمي من ضرر كبير.
إذا لم نكن موجودين، وإذا لم يكن هناك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومؤسسات أخرى، ولنكن صادقين، فإن العالم كان سوف يكون في حالة ركود سوف تتعمق أكثر نحو الكساد. كنا سوف نواجه كساداً عظيماً آخر، (الكساد العظيم الذي تشير إليه أزمة اقتصادية حدثت عام 1929م واستمرت حتى الأربعينيات، أكبر وأشهر الأزمات الاقتصادية في القرن العشرين، المترجمة)، وهذه ليست كلماتي. تحدث معي مؤرخ ياباني عن ذلك وقال: إنك تدركين أن هذا ما سوف يحدث. لماذا؟ لأننا كنا سنفتقر إلى خطوط النقل المذكورة لتقييم السياسة. أنتم تدركون أن العالم قد دفع 20 تريليون دولار لإرساء الأرضية تحت الاقتصاد العالمي، وقد أتاح تكييف السياسة النقدية للشركات البقاء على قيد الحياة. لقد ارتفعت معدلات البطالة ولكن ليس لمستويات دراماتيكية.
إني أزعم أن عنصر صلابة الاقتصاد العالمي الذي توفره هذه المؤسسات هو عنصر ثمين. علينا أن نقدره، وعلينا أن نواصل تطوير، ليس فقط مؤسسات بريتون وودز، ولكن أيضاً العناصر الأخرى التي تبقي العالم مترابطاً وتنسق العمل بشكل فعال عند الضرورة: منظمة الصحة العالمية، فقط لتسمية منظمة أخرى كانت جزءاً من إحياء الأمس.
إذا نظرت إلى صندوق النقد الدولي اليوم، فقد أدينا جوهر وظيفة شبكة الأمان المالي العالمية بشكل مختلف تماماً عما فعلناه في 44. لكننا نقوم بتلك الوظيفة. سأظل مشغولة ومصرة على الاستمرار في بناء هذه المؤسسات للغد. وربما يكون هذا هو السؤال الذي يؤرقني في معظم الليالي: السؤال هو: كيف في عالم سريع التغير مكوناته مختلفة سياسياً وأكثر تجزؤاً، كيف يمكننا الحفاظ على عضويتنا معاً؟ كيف يمكننا بلورة أهداف تولد الوحدة وأيضاً تتيح العمل في النطاق الضروري؟
حتى الآن فإن الصندوق قد ارتفع إلى مستوى الحدث، حتى لو كنا نضل نوعاً ما، ونفقد الاتجاه. على وجه الخصوص في لحظة الصدمة كان الصندوق دائماً يتقدم ثم يعدل حتى يظل فعالاً.
أيضاً، ما أراه هو حاجة بالغة الأهمية للتعاون بين المؤسسات المتعددة التي تحركها أهداف واحدة. إذا أردنا أن نقول إن للعالم اليوم ثلاث أولويات: إنهاء الأزمة الصحية في كل مكان؛ تعافي وتحويل الاقتصاد للمستقبل، وليس تكرار اقتصاد الأمس؛ ومنع التباعد (زيادة الفوارق) بين الأغنياء والفقراء، وبين الدول الغنية والفقيرة. يجب على كل مؤسسة أن تحجز مقعدها في مواجهة هذه الأولويات وتقدم أفضل ما لديها لمعالجتها، وبالنسبة لي هذه هي لحظة بريتون وودز الجديدة لنا للارتقاء إلى ما هو متوقع منا في هذه الأزمة.
بروفيسور جويس: أعتقد أن هذه محطة رائعة لإنهاء حديثنا معك، كريستالينا، كما تعلمين، فقد تم تصميم معهد أولبرايت ليدرج الشابات في كلية ويليسلي ويعرّضهن للقضايا العالمية. ولهذا السبب نطلب من القادة العالميين مثلك أن يأتوا لمخاطبتهن. ومن المؤكد أن عرضك اليوم سوف يبقى معهن، سيتذكرنه ويتصرفن بناءً عليه، والأهم من ذلك، في المستقبل، لأنهن بدورهن سوف يتركن ويليسلي ويبلغن مناصب قيادية. كريستالينا ، شكراً جزيلاً لك جداً على حضورك لكلية ويليسلي اليوم.
السيدة قورقيفا: شكراً لك جو، لقد كان رائعاً أن أكون معكم. ولكل من كانت على الخط، ابقين على ما يرام ولا تطمحن أبداً لأقل من أفضل ما يمكن أن تكن عليه.
بروفيسور جويس: أنا متأكد من أن السيدة أولبرايت سوف تثنّي ذلك بسرعة.
السيدة قورقيفا: شكراً لك.
نص كلمة مدير الصندوق بعنوان (لحظة بريتون وودز جديدة) باللغة العربية في موقع صندوق النقد الدولي:
https://www.imf.org/ar/News/Articles/2020/10/15/sp101520-a-new-bretton-woods-moment
نص الحوار في موقع صندوق النقد الدولي:
https://www.imf.org/en/News/Articles/2021/01/21/tc012121-md-conversation-with-joseph-joyce

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى