الرأي

حمدوك والدم المسفوك!

منعم سليمان

يريد النظام البائد العودة مرة أخرى عبر تأسيس دولة القبيلة، يساعدهم على ذلك بعض المتنفذين من العسكر، الذين يجدون الدعم والسند والعضد الخارجي، من جهات لن يهدأ لها بال ولن تفتر همة مؤامراتها على بلادنا حتى ترى عسكرياً على سدة الحكم جاثماً على صدورنا، وهي جهات لا يتحقق مزاجها ومصالحها إلا مع الحكم العسكري: ومن غيره يفرط في سيادة البلاد؟ ومن باع أرض البلاد شرقاً وجنوباً وهويتها؛ سواه؟ ومن أقام القواعد الأجنبية برية وبحرية؟ ومن أدخل الجيوش الأممية سوى الحكم العسكري؟!

ما يحدث الآن بشرقِ البلاد ليست حرباً بين القبائل، ووصفها هكذا والتعامل معها على هذا الأساس إنما تفسير خاطئ ومضلل، لكونها حرباً بين دولة الثورة ودولة “الكيزان” البائدة، التي وبسبب ضعف حكومتنا تمكنت من التقاط أنفاسها وتنفيذ مخططاتها الشريرة باسم القبيلة، وهو مخططٌ للمُضي قُدماً نحو خلقِ دارفورٍ جديدة بدماءٍ شرقية، وقطعاً لن تستطيع الدولة غير المتجانسة ثلاثية الأبعاد والنوايا التي نعيش في كنفها الآن كبح جماح هذا المُخطط الشرير، فهي دولة ضعيفة أسست بضعفها لأن يعيش الإنسان داخل المدن حياة الغابة!

ومهما قسونا في النقد وأغلظنا القول بحق “حمدوك” إلا أننا واثقون حد اليقين بأنه لن يلغ في دماء السودانيين ولن يتورط في كل ما من شأنه أن ينتهك سيادة البلاد ودماء أهلها، هذه ثقة نعلمها يقيناً، ولو إنه يفعل ذلك لما كان هذا الحصار الاقتصادي الذي لا تُخطئه عين  مضروب على بلادنا، ولو إنه قبل التنازل عن سيادة البلاد، أو باع أرضاً، أو فرط في ثغرٍ لامتلأت خزانات الوقود وأرفف المخابز، ولكن، ومثلما أن الحرة لا تأكل من ثدييها، كذلك تفعل الحكومات المدنية الحرة، لذا يريدون توريط حمدوك – كرمز للحكمِ المدني الحر- وتلطيخ قميصه الناصع بالدمِ، بهدفِ التخلص منه، وبالتالي إعلان فشل المشروع المدني ومن ثم إعلان حكم عسكري عضوض، يجري التجهيز له على قدم وساق!

والحقيقة التي لا مِراء فيها أن كل ما يحدث الآن من فوضى وعدم استقرار سياسي وأمني واقتصادي إنما المستهدف الأول منه، هو رئيس الوزراء، فالنظام القديم وبواسطة سدنته وعناصره داخل القبائل وعسكره يعمل ليل نهار على إحداث الوقيعة والعزلة بين “حمدوك” وجماهير الثورة، وفي هذا المسعى يستخدم السدنة ذات نظرية حكمهم المدمر القديم “فرق تسد”، بينما يستخدم العسكر نظرية “أعزل فاقتل”، ولا يدخران جهداً في إحداث هذه الوقيعة مهما كان الثمن ومهما كانت فداحة هذا المخطط الشرير على الوطن، ولا حل لنا ولـ”حمدوك” إلا بتقريب المسافات بيننا أكثر حد الالتحام، فالمصائب التي تُحيط بنا جمة وخبيثة، والمصائب يجمعن المصابينا، وأي معركة بيننا ستكون صفرية النتائج؛ لن تخدم سوى الإنقلابيين والمُتربصين بالثورة، لذا علينا أن نتحلى بالمزيدِ من الصبر والتسامح والمرونة وسعة الأفق، كما أن على (حمدوك) أن يعمل على تجسير المسافات بالمراجعة والنقد الذاتي، بدءاً من مكتبه وحتى آخر مكتب وزير بحكومته.

أصبحت الثورة مُحاطة بمجموعتين: مجموعة من الاسلامويين الأشرار بالفطرة، وبعض مجاميع العسكر من الذين يتحسسون مسدساتهم كلما سمعوا عبارة الحكم المدني، ولكن ما يطمئن البال ويثبت القلوب أن صناع ثورة ديسمبر المجيدة لا يزالون أحياء وأصحاء، ولا تزال لياقتهم الثورية كما البدنية في كامل علوها، وهم على استعداد لحماية ثورتهم التي صنعوها وسكبوا من أجلها الدماء والدموع وتواثقوا عليها بالصبر وبالحق، ولا تزال حناجرهم الذهبية بنفس بريقها وقوتها، ولا يزال النشيد هو النشيد: “الموت ولا الكيزان”، “لن يحكمنا حكم العسكر”، ولن.

شاء من شاء وأبى من أبى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى