الرأي

حمدوك: من يهن يسهل الهوان عليه !!

بثينة تروس
حين أتت ثورة ديسمبر الظافرة بالدكتور عبدالله حمدوك رئيساً للوزراء، أرتفع سقف الآمال العراض لدى الشعب بأنه سيكون أحد هؤلاء الآباء المؤسسين، الذين قادوا في السابق وبشجاعة، التغيير في الثورة الأمريكية، ويرجع لهم فضل توقيع الاستقلال، وصياغة وتوقيع الدستور، وكل ما من شأنه تثبيت ركائز رفعة البلاد، وكان من أبرزهم الرئيس جورج واشنطون.
بالرغم من حجم ذاك التفويض، والتعلق الثوري الذي حظي به السيد رئيس الوزراء، إلا أنه استبدل الشفافية والمواجهة، قل “بحسن النوايا”، والتي لا تكفي لدولة خارجة من أستبداد، وفساد حكومة الإسلاميين الباطشة لثلاث عقود، وزاد الأمر سوءاً الاعتماد على حاضنة (ق. ح. ت)، التي سرعان ما تكشف افتقارها للبرنامج، وعدم الانسجام والثقة بين مكوناتها، وانعكس جميع ذلك سلباً على حكومة حمدوك، حتى إنه بلغ الهوان مبلغاً يثير الرثاء، حين فتح أبواب جحيم الهوس الديني، والإقصاء، التي أوصدتها ثورة ديسمبر بدماء شبابها، ضد استغلال الدين للسلطة، ضد الاضطهاد الديني والعرقي، ورفعت شعار “أي كوز ندوسه دوس”، بل أكثر من ذلك، شهدنا كيف أن الشعب في منابر الجمعة، قد أنزل أئمة الضلال، الموالين للنظام البائد، من أعلى المنابر، وحصبوهم بالحجارة حين (زحفوا) يتباكون على ضياع الشريعة الإسلامية زوراً، مؤكدين أنهم كما خرجوا من السلطة، خرجوا من قلوب هذا الشعب.
يبدو أن الدكتور عبدالله حمدوك لا يميّز بين الرأي العام للشعب، وبين الثورة المضادة، فكان الرجوع القهقري حين اجتمع معهم بخصوص المناهج أسماهم “أهل الحل والعقد”، وجعلهم أوصياء على الحريات، ودين هذا الشعب! وفي حقيقة الأمر هم لا يمثلون إلا فئات من الشعب كانت على طول المدى موالية للإنقاذ، هذا من ناحية، وأما من ناحية أخرى، إذا ما نظرنا في أصل معتقد دينهم، فإن كل فريق فيهم يظن بالآخر فساد العقيدة ويضمر تكفيره، فأنصار السنة لديهم الختمي عنده مشكلة في التوحيد تبلغ مبلغ الشرك، والختمي ينتظر ظهور الإمام المهدي، ليملأ الأرض عدلاً، كبقية عقيدة الأمة الإسلامية، ويعتقد الأنصاري أن المهدي قد ظهر، وجماعة خليل إبراهيم يحيون رميم الإخوان المسلمين.
عندما استجاب لهم حمدوك، وجمد العمل بالمناهج تأكدوا من ضعفه، وقلة حزمه، فهان عليهم، فتمادوا في غيّهم، حتى أن بلغ بهم أن قال أحدهم في خطبة الجمعة اليوم “لا تجروا السماحة من بخيل!!” وقال إن حمدوك بدّل مدير المناهج بمن هو أسوأ (أخير قبيل مدير المناهج واحد هسع/ الآن اللجنة كلها شيوعيين ملاحدة لا يؤمنون بالله ورسوله ولا باليوم الآخر، واللجنة الجديدة شكلها وزير التربية الشيوعي الملحد) انتهى .
بالرغم من نجاح السيد حمدوك في أعظم إنجاز للحكومة، برفع اسم السودان من الدول الراعية للإرهاب، لكنه دون أن يدري أعطى الضوء الأخضر للإرهاب شرعية أن يتمدد من جديد، وسوف يهدد أمن ووحدة هذا البلد مجدداً، ثم يتعدى ذلك لينشرون هوسهم وأرهابهم في الأقليم والعالم.
ولأن رجال الدين يحرصون على مكتسباتهم، بأكثر من حرصهم على الحق، فلقد اجتمع علماء الإسلام اليوم وطالبوا بإقالته وحل حكومته وإلغاء الوثيقة الدستورية.
أيحاجونك يا حمدوك! بأنهم مستهدفون في دينهم وفي حدود الله؟ وهم الذين لم تصدح مكبرات الصوت من خطبهم بكلمة حق حين صرح الرئيس المخلوع في دولة الشريعة الإسلامية (إنه قتل عشرة آلاف من أبناء دارفور) والاحصائيات تؤكد مقتل 400 ألف شخص، ويدرسون في خطبهم (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) صدق الله العظيم.
أيحاجونك وهم الذين كانوا (بفقه التحلل) يجيزون للحكام الفساد، وأكل أموال الناس بالباطل حتى أنهم استحلوا سرقة أموال الأوقاف والحج والزكاة!
هؤلآء القوم ـــ العلماء بزعمهم ـــ لا يجرأون على معارضة الحكومات القوية، والنافذة عبر تاريخهم الطويل، بل يشرفهم لقب “علماء السلطان” ولعق أحذية الحكام، وحتى في هذه الحكومة الانتقالية، لم يتجرأوا بنقد المجلس السيادي “العسكري”، فلم نسمع لهم نقداً لرئيس المجلس العسكري برهان، والذي قام بأخطر قرار حين قاد البلاد للتطبيع مع أسرائيل واليهود، ولم نسمع لهم بمؤتمر، أو بيان، أو تظاهرات، كما هو الحال مع السيد حمدوك! وبالطبع لم يعنيهم تقتيل الأبرياء بالجنينة في دارفور خوف سطوة الدعم السريع وحميدتي!
بالله عليك لا تهن، هولاء القوم أضعف مما تتصور، فهم نمور من ورق لا يستقون إلا على الضعيف. إنهم يخافون السلطة ولا يخافون الله، والشعب يتكئ على ثورة وعي عمادها الحقوق والحريات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى