حفريات تاريخية ودينية في طقس (خم الرماد)

وليد المنسي
* في الثقافة السودانية يعني خم الرماد أن تلتقي جماعة من الندماء والمعارف على وليمة استثنائية يتشاركونها، أو يلتقون ليعبون كثيرًا من الخمر وربما قد يبالغون في الشرب لأنه لن تتاح لهم ممارسة هذا الفعل خلال رمضان، وغير ذلك من أشكال أخرى يكون الإسراف فيها من الطعام الدسم، المتعة أو الشرب مقبولة أو مستهجنة.
* إرتبط الرماد/ السجم في الثقافة السودانية بالحزن (ما دايرالك الميتة ام رمادا شح دايراك يوم لقى بدميك تتوشح) وسوء الحال أو الندم (الرماد كال حماد). وهي ذات الرمزية التي نجدها له في طيف واسع من الثقافات والأديان الآخرى.
* يبدو التفسير الشعبي السائد حول جذور هذه الطقس الثقافي غير مقنعاً. حيث فسر بأنه وفي اليوم الأخير من المناسبات الكبيرة في البيت السوداني مثل البكاء والزواج تقوم النساء بتجميع أدوات طبخهن وخلافه وفي النهاية يخمن الرماد (ينظفن المكان من الرماد) إيذانا بانتهاء المناسبة!
* دعنا إذن نغوص في تاريخ هذا الطقس من منظور آخر محاولين الإمساك بجذوره المطمورة، ففي التوراة أيضاً تتبدى رمزية الرماد كحزن وسوء حال وندم وتكفير عن الذنوب كحالنا. ففي سفر إستير، لبس مردخاي المسوح والرماد عندما سمع بمرسوم ملك فارس لقتل كل الشعب اليهودي في الإمبراطورية الفارسية (إستير ٤: ١). أما أيوب النبي فقد تاب في مسوح ورماد (أيوب ٤٢: ٦)، وكذلك دانيال (دانيال ٩: ٣) ويونان (يونان ٣: ٦-٥). وكان الرماد رمزًا للذات القديمة المخطئة التي تموت وتعود إلى التراب، ففي أيوب ٤٢: ٥-٦ ، يقول أيوب لله: “سمعت عنك بسمع الأذن، والآن رأتك عيني. لذلك أنا أمقت نفسي وأتوب في التراب والرماد”. وإرتبط الرماد لاحقاً بالصوم وروى عن دانيال وهو يتضرع إلى الله: “التفت إلى الرب الإله متضرعًا بصوم ومسح ورماد” (دانيال ٩: ٣ راجع أيضًا ٤:٣٩).
* تتقارب عادة خم الرماد بطقوس وعادات دينية آخرى، فطقس أربعاء الرماد المسيحي هو يوم مقدس عند العديد من الطوائف المسيحية يصادف العديد من الطوائف المسيحية يصادف اليوم الأول من ٤٠ يوماً من الصوم الكبير قبل عيد الفصح.، يسبقه يوم (الثلاثاء السمينة) الذي يتميز بالإنغماس في الطعام والشرب.
* في المسيحية استمرت الكنيسة الأولى في استخدام الرماد لنفس الأسباب الرمزية. وفي نهاية المطاف، تم تكييف استخدام الرماد للإشارة إلى بداية الصوم الكبير، وفترة التحضير للصوم ٤٠ يومًا. وإستخدمت الكنيسة الرماد لإعلان بداية موسم التوبة في الصوم، عندما يتذكر المسيحي فناءه ويحزن على خطاياه!.
* إستمرت المسيحية في ممارسة استخدام الرماد كعلامة للتوبة والندم.
فثلاثاء المرافع (الثلاثاء السمينة) وهو اليوم الذي يسبق أربعاء الرماد (اليوم الأول من الصوم الكبير)، يتم الإحتفاء به في العديد من البلدان المسيحية من خلال المشاركة في الاعتراف والإبراء. ويتميز هذا اليوم بالإنغماس في الطعام والشرب. وفي أمريكا وفرنسا هو ماردي غراس Mardi Gras وهي كلمة فرنسية تعني (الثلاثاء السمينة)، في إشارة إلى ممارسة الليلة السابقة لتناول الأطعمة الغنية بالدهون قبل طقوس الصيام الذي يبدأ يوم أربعاء الرماد. وهكذا، فإن العديد من الجماعات المسيحية تحتفي بهذا اليوم من خلال إلتهام كميات وفيرة من الطعام والشرب وكذلك قرع أجراس الكنيسة لتذكير الناس بالتوبة عن خطاياهم قبل بدء الصوم الكبير!.
* ينبع الإحتفال بمردي قراس في أمريكا وكرنفال البرازيل السنوي في ريو دي جانيرو من هذا الطقس تحديداَ ، فهما عربدة ما قبل الصوم! وفي إسبانيا ، يُطلق عليه كرنفال الثلاثاء “ديا دي لا تورتيلا” (يوم العجة). وفي البرتغال يتم تناول (الملاسادا) في اليوم الأخير من كرنفال ماديرا. ويتم طهي الملاساداس بإستخدام كل شحوم الخنزير والسكر في المنزل، استعدادًا لقيود الصيام.
* في الدنمارك والنرويج، يُطلق على يوم الثلاثاء قبل أربعاء الرماد اسم فيتتارسداق (الثلاثاء السمينة) وتُعرف عطلة نهاية الأسبوع السابقة للصيام باسم فاستلفان ويخدم ذلك اليوم غرضًا مزدوجًا يتمثل في السماح للمسيحيين بالتوبة عن أي خطايا قد يكونوا ارتكبوها قبل بدء الصوم الكبير في اليوم التالي (أربعاء الرماد) ومنحهم الفرصة للانخراط في جولة أخيرة من المتعة قبل بدء موسم الصوم الكئيب.
* وقبل كل ذلك كله يكمن طقس الثلاثاء السمينة (خم الرماد المسيحي!) في طوايا الوثنية، قبل ظهور الأديان الأبراهيمية فتاريخ (الثلاثاء السمينة) ماردي قراس يعود إلى مهرجان روماني قديم لتكريم الآلهة لوبركاليا وساتورن وعندما وصل المسيحيون إلى روما، قاموا بدمج العيد كإستعداد لإلتهام الطعام الشهي وشرب الكحول والإحتفال قبل الصوم! .
*نقلا عن الراكوبة
3 تعليقات